| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طه رشيد
taha.rachid@orange.fr

 

 


 

                                                                                       الجمعة 31/8/ 2012

 

شعر الاغاني الهابطة .. وجه آخر للإرهاب

طه رشيد

 للارهارب اشكال مختلفة، فمنه  المسلح ، الذي لا يمكن القضاء عليه الا بمحاصرته أمنيا وتجفيف منابعه التمويلية، والذي يرتبط ارتباطا عضويا بالفساد الذي ينخر المؤسسة الحكومية . اما اخطر اشكال الارهاب فهو الارهاب الثقافي، وتعتبر الاغنية أحد اهم ركائز المنتج الثقافي للمجتمع في حقبة محددة . نظرا لسهولة انتشارها فهي لا تحتاج لجهود يبذلها المتلقي سوى ان يقابل شاشة التلفاز او يصغي للراديو .

في الحقبة الذهبية السبعينية كان الملحنون والمطربون يتأنون كثيرا بإختيار أغانيهم ويدخلون في نقاشات طويلة مع كاتب الاغنية حتى يصلوا للنص الأفضل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نورد هذا المثال من تلك الحقبة ، فحين بلش كوكب حمزة بتلحين أغنية " يا نجمة ، متعاليه وتشوفين عونج يا نجمة "  وهي من كلمات الشاعر الراحل كاظم الركابي وغناء الفنان الكبير حسين نعمة ، إستمر لأسابيع في نقاشات بين المغني والمؤلف وبعض النقاد والمتذوقين ليطمئنوا على آخر جملة كلامية وموسيقية وبتوفر الموهبة مسبقا للفنانين الثلاثة كتب لها النجاح، وتعتبر الان واحدة من تحولات الاغنية العراقية .

هل تتذكرون أغاني تلك المرحلة ؟ خذوا هذا المقطع من اغنية "القنطرة ابعيدة" للراحل ابو سرحان :

"حلمانه برد الصبح ..

                             رجّف خلاخيلي

يادفو جمّل دفو ...

                             يا گمر ضوّيلي

ويا ذهب خيط الشمس طوكين سويلي"

او اغنية " ابنادم " لنفس الشاعر والتي غناها الفنان حسين نعمة ، والاغنيتان من الحان الفنان كوكب .

" تسيوره عمري اوياك ...

                             يبنادم

غفله وأخذني الطيف

ولنهه بحلاة النوم ...

                             يبنادم

روحي اعله روحك ضيف "

وهكذا انجز الملحنون والشعراء والمطربون عشرات الاغاني التي تؤرخ لمرحلة يفتخر بها الجميع ، وهي تماما بعكس مانراه ونسمعه اليوم، والذي لا يمكن ان نفصله عن تداعيات المرحلة الدكتاتورية العصيبة التي مر بها شعبنا . أغاني اليوم، واقول بمجملها، اغان هابطة لحنا واداء وكلاما .وانا يعنيني الكلام او الشعر بالدرجة الاولى . يبدو ان كتاب الاغاني في هذه الايام نسوا ان تأريخنا قد اقمناه على اللغة , فاذا حذفنا اللغة من تأريخنا فسوف لن يبقى لنا امر آخر نفاخر به . انهم نسوا بان العراق بلد الشعر ، بلد المتنبي وابي تمام وابي نؤاس والجواهري والسياب وسعدي يوسف وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، وهو ايضا  بلد فدعة والحاج زاير وعبد الله الفاضل ومظفر النواب وعشرات المبدعين في مجال كتابة الاغنية او القصيدة .

من اين ينهل هؤلاء وعلى أي جدار ثقافي يسندون ظهورهم ؟.. هل يمكن ان نبدل " طرني حسنك يا بنفسج " للشاعر الكبير مظفر النواب بـ " انا ابيا حال والدفان يغمزلي "! أي تهافت واي سقوط هذا؟ .

صحيح ان التردي قد سبق وعم الساحة العربية بالاغاني الهابطة، لكننا لا نقبل ان نصاب بهذه العدوى ، فلسنين عديدة واشقاؤنا العرب يرددون اغانينا الجميلة .

ارى ان على المؤسسة الثقافية العراقية والحريصين على مستقبل العراق الثقافي، وخاصة إن بغداد أختيرت عاصمة الثقافة العربية 2013 ، ان تخصص اكبر قدر ممكن من البرامج الثقافية التي من شأنها ان توضح الصورة للمتلقي وترفع من مستواه، سواء عبر اعادة انتاج تلك الاغاني الجميلة او عبر اجراء مسابقات لنصوص غنائية جيدة، واشراك الشعراء المهمين في الساحة العراقية بالاشراف على هكذا برامج . ولا اريد ان اقول فرض رقابة على النصوص ، لأن مجرد ذكر كلمة " رقابة " يذكرنا بما لا يسر من خنق للأنفاس ايام النظام السابق .

free web counter