| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طه رشيد
taha.rachid@orange.fr

 

 


 

الأحد 26 /12/ 2010

 

 شجرة عيد الميلاد
رمز المحبـــــــــــــــــــــــــــــــة والأمـــــــــــــل

طه رشيد

كانت بغداد ، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، ترتدي في نهاية كل عام حلة جديدة محتفلة بقدوم العام الجديد ، فترى واجهات المخازن والمحلات والمطاعم تزينها الأضوية والشرائط الملونة وخاصة تلك الواقعة في شارع الرشيد والسعدون والمنصور ، وبعضها يضع في الواجهة شجرة الميلاد الزاهية بالمصابيح والكرات الملونة ناثرا على الواجهة بعضا من قطن ابيض وبشكل عشوائي أملا بسقوط ثلج على تلك المدينة الدافئة بأهلها .
كنت أطيل النظر في تلك الشجرة ، كم كنت اتمنى ان نمتلك أختا لها في بيتنا ، كانت تلك الشجرة تثير في نفسي فرحا عارما وكنت ارى فيها أملا بقدوم عام جديد أحسن من الذي تلاه . . . .
في احدى سنوات الستينات وقبيل مجئ البعث للسلطة تطابق عيد الأضحى مع عيد الميلاد فغمر العراقيين بكل أديانهم ومشاربهم فرحا كبيرا ولم ينقطع التلفزيون آنذاك عن بث الاغاني وبرامجه المرحة خلال ايام عديدة . . . .

كلمت والدتي عن طموحي برؤية تلك الشجرة في غرفتنا الوحيدة ولكن ، لا أنا ولا هي تعرف من اين نشتريها وكان البديل هو اقتراحها ان نقضي ليلة عيد الميلاد في بيت صديقي ( جنان ، وهو من عائلة مسيحية ، يعتاشون على بيع ابو جنان للكبة وسط السوق ) ، لقد زينوا شجرة صغيرة ، وضعت في احدى زوايا الغرفة ، بشرائط ملونة وبنشرة ضوئية ـ احترق بعضا من مصابيحها ـ التفت على أغصان تلك الشجيرة بينما التف كل أفراد العائلة الخمسة على مدفأة علاء الدين ) .

حين اعلمت صديقي جنان بالأمر لم يصدق . . . دخلنا عليهم مساءا ، حاملا معي قميصين احدهما كان ( عيديتي ) والثاني لصديقي جنان الذي أشار الى وضعهما اسفل الشجرة مع بقية الأكياس او الهدايا وكان نصيبي من تلك الاكياس بجامة اخاطتها ام جنان ، كم كنت فرحا بها ، يا الهي ، كنت اخرج بها مزهوا للسينما او للعب مع أقراني ، كنت ارتديها في كل مكان باستثناء المدرسة . . . اكلنا من الكبة والكرزات والبقلاوة في تلك الليلة ما لم نأكله خلال عام كامل ، كانت ليلة فقراء باذخة ، وكأني بالعائلة تصوم طول العام من اجل ان تسرف بالأكل والشرب في تلك الليلة.

بقي فرح تلك الليلة عالقا في روحي ومخيلتي الى يومنا هذا وصورة جنان وام جنان واشقاءه لم تفارقني وخاصة حين يلتف أطفالي حول شجرة الميلاد في نهاية كل عام ، لم يكن لهذه الشجرة بالنسبة لنا اي رمز ديني ، لم نفكر يوما من أية طائفة نحن ، كان الامر الأهم بالنسبة لنا هو ان نفرح ونشيع الفرح حولنا .
السنوات الأخيرة من غربتنا الطويلة التي لم تنته بعد ، مرت علينا من دون شجرة عيد ميلاد تزين البيت ، اذ ان الاطفال لم يعودوا أطفالا ولكن هذا لا يمنع ان نلتم سوية لنتبادل القبل والهدايا بالعام الجديد .

هذا العام قررت ان اجلب شجرة كبيرة وازينها باحلى زينة كما كنت افعل في السنوات الخوالي مع أطفالي ، وأن اكتب بطاقات تهنئة واوزعها على كل معارفي  .
لا امتلك غير هذا السلاح - إشاعة البهجة والفرح والامل - وهو سلاحي الوحيد ، من اجل ان انتقم من الوحوش الضارية الجديدة والقديمة من القوى الإرهابية والفاشية والمظلمة التي تعيث فسادا بارواح شعبنا العراقي والتي لا تريد للعراقي البهجة والفرح . . .
وشجرتي المولعة بالفرح ، هي رسالتي الشخصية لعوائل الضحايا - الشهداء ، من مسحيين ومسلمين وبقية الطوائف الذين سقطوا شهداءا في الكنائس والمساجد او في الاسواق والمدارس .
شجرتي التي كادت ان تشبه خارطة العراق بتصميمها اصبحت ، مثل اشجار كل الطيبين ، تشبه عراقنا بالوانه الزاهية ، عراق المحبة والامل ، عراقنا المقبل .

 

باريس
 

 

free web counter