| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

 

الأحد 24/2/ 2008



14 شباط 49 . . . 14 شباط 72
يوم الشهيد الشيوعي . . . يوم من اجل الحرية

طه رشيد

في مطلع السبعينات، كنت طالبا في أكاديمية الفنون الجميلة، وكان شقيقي ياسين، والذي كان موظفا في شركة الآلات الدقيقة في بغداد، يزورني بين فترة وأخرى، إلا ان زيارته لي في يوم 14 شباط 1972 كان لها طعم آخر، إذ هيأتُ له رسالة طلب انضمامي الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي، و كنت اشعر بفرح عارم في هذا اليوم، طلبت منه ان نذهب سوية الى باب المعظم، ففهم قصدي.. سوف لن نبكي عند قبر الشهيد الخالد فهد، وسوف لن نلطم على الصدور أو الخدود، بل سنتذكر بطولة رجل شيوعي قدم رأسه فداءا للشعب والحزب، رجل كان بحق وحقيقة أقوى من الموت و أعلى من أعواد المشانق . . . . . راح ياسين يحدثني عن مفاخر يوسف سلمان يوسف، وعن بطولاته وعن صمود الرفيق الشهيد سلام عادل، وعن بؤس و إفلاس البعثفاشية الحاكمة، التي تحلم بتصفية الشيوعية والشيوعيين ولكن هيهات..

ثيلة اشما تحشه اتزود
اتعب يا حاصود
وصّانه فهد من مات
انخلّف افهود

انزوينا بعد ذلك في مقهى في باب المعظم، وضعت الرسالة بيده، قبلني بحرارة وقال لي سوف لن أناديك من الآن فصاعدا أخي بل رفيقي طه.
أخرجت دفتر الخدمة العسكرية وكتبت على غلافه 14 شباط 72 يوم الحرية ، ورغم ان غلاف الدفتر قد اهترأ قليلا إلا ان ما كتبته ما زال يحمل رونقه ومعناه .
ودارت الأيام دورتها، وتركت العراق في صيف 78، أما رفيقي ياسين، فقد غادر بعدي ليعود بعد أسابيع قليلة الى بعقوبة، لتبدأ مرحلة عذاب وسجون وتشرد وفاقة.
ورغم مرور عام و70 يوما على استشهاده إلا أنني لم استطع ان اكتب عنه طيلة هذه الفترة فوجدت من المناسب ان اذكره واستذكره في هذا اليوم الجليل يوم الشهيد الشيوعي، فلقد استطاعت رصاصات البعثيين والتكفيريين الغادرة في ظهيرة الثالث من شهر كانون الأول 2006 ان تنال من الشهيد الشيوعي الرفيق ياسين أبو ظفار، وتطفئ جسده ولكن هيهات ان تطفئ تاريخه وكلماته وكتاباته النيرة :
(نعى الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق قاصا عراقيا قتله ارهابيون مسلحون في محافظة ديالى. وقال بيان اصدره الاتحاد امس الثلاثاء: بغضب والم شديدين تلقينا نبأ إستشهاد الزميل/ياسين أبو ظفار/الذي إمتدت اليه يد البغي الارهاب المجرم لتغتاله في بعقوبة، هذه المدينة المدماة المنكوبة التي عرفته مربياً فاضلاً، وقاصاً وباحثا مبدعا، ومناضلاً قارع الدكتاتورية فنال قسطاً وفيراً من عسفها سجناً وتعذيباً وتشرداً لمواقفه الوطنية.)


الشهيد ياسين رشيد الدليمي

ولد الشهيد ياسين رشيد الدليمي ( ياسين ابوظفار)، عام 48 في قرية ( أبو كرمة )التابعة لناحية (أبو صيدا) في محافظة ديالى، لأب يمتلك بستانا للعنب والحمضيات، وعلى إثر خلافات عشائرية انتقلت العائلة الى مدينة بعقوبة في عام، 1959 وما ان وصل ياسين الى الصف الرابع الابتدائي في مدرسة ديالى الابتدائية، حتى تلقفه المعلمون لكي يساعدهم بإعداد الجداول المدرسية وذلك لحسن خطه ولنظافته واجتهاده، لم يكن يلعب مع بقية أقرانه بعد انتهاء الدوام الرسمي، بل انصرف لتعلم العزف على الناي والربابة وصناعتهما بمفرده . . . ..
كان عندنا في البيت بلبل يغرد صباح مساء، ولم يطل الأمر كثيرا، حتى ذهب ياسين الى إحدى البساتين المجاورة ليأتي وبصحبته (بوما) وضعه في القفص، فجن جنون والدتي حين رأت البوم، فحاول ياسين ان يشرح لها بان القفص للبومة وليس للبلبل الذي يغرد صباحا و مساءا ! !
ترك ياسين المدرسة وهو في الثاني متوسط، ليتطوع في الصنف الكيمياوي وذلك عام65 دون استشارة أحد، وبعد انتهاء فترة التدريب الأولية وجد نفسه في سرية للبغال ولم يجد هناك ما له علاقة بالكيمياء أو الفيزياء، فقرر ترك الجيش، ولكنه انتظر حتى نهاية 69 لكي يطلق سراحه، في هذا العام دار أول نقاش فكري بيني وبينه وكان حول الكتاب الشهير( اللا منتمي ) للكاتب كولن ولسن، كنت معجبا به كثيرا بينما كان ياسين يؤكد لي بأنه لابد لنا من الانتماء بل والتحيز للناس وللوطن وللطبقات المسحوقة . . .
لا اعرف بالضبط بداية انضمامه لصفوف الحزب، ولكن كان يشير لي بان القرار سيء الصيت الذي يقضي بإعدام من يثبت انتماؤه لغير حزب البعث وهو في الجيش، يمكن ان يشمله، لأنه قرار بأثر رجعي يطبق على من هو في الجيش اعتبارا من 17 تموز 68، فتوقعت انه كان شيوعيا قبل تسريحه من الجيش .
عُرف عن ياسين خجله وتواضعه الجم وبسخريته اللاذعة مما يدور حوله والتي أوصلته الى السجن الذي خبره وعرفه في أكثر من مناسبة، فقد اعتقل بعد عودته من الخارج، والاعتقال الأشد ضراوة وقسوة هو الذي جرى له في بداية التسعينات والذي استمر لسنوات، كان تمارس ضده مختلف أنواع التعذيب في مديرية أمن ديالى، وكان أقسى أنواع التعذيب هو الصدمات الكهربائية التي يتعرض لها يوميا، في زيارتي لبعقوبة بعد سقوط النظام زرنا سوية مبنى مديرية الأمن في 21 تموز 2003، واراني غرفة التعذيب وخيط الكهرباء المتدلي من السقف الذي كان يصعق به بشكل يومي .. وخطورة هذا التعذيب، تكمن في نتائجه لاحقا على صحة الضحية، وهو ما عانى منه ياسين بعد إطلاق سراحه في أواخر التسعينات، إذ أصيب بأمراض عصبية كانت تستوجب ان يتناول مهدئات يومية، وتفرغ في تلك الفترة لكتابة القصة القصيرة التي أجاد بها حيث حصل على شهادة تقديرية من جامعة ديالى، كما كان يجري لقاءات صحفية مع شخصيات متميزة في المحافظة، واعتقد ان لجوءه الى القصة القصيرة هو من اجل إخفاء ما يريد ان يقوله جهارا، ولذلك نراه يتخلى تقريبا عن كتابة القصة القصيرة بعد سقوط النظام مباشرة، ليمارس نوعا آخر من الكتابة وهو المقالة السياسية، وكتابات فكرية عديدة في الدين وفي السياسة. وكان أخر نشاط جماهيري له هو محاضرته عن العولمة في اتحاد أدباء ديالى وقد كتب عنه أديب أبو نوار آنذاك:
( والكاتب (ياسين أبو ظفار) الذي عرفناه منذ سنوات يكتب القصة القصيرة، بدأ السنتين الماضيتين يتجه صوب كتابة الدراسات والمتابعات الفكرية محاولاً توظيف قلقه وتحويله من مشاكسات في أفق العقل والروح الى طروحات يتحاور بها مع مستمعيه.
والمتابع لهذا الكاتب وخاصة أبناء بعقوبة يعرف ان ياسين كثير المتابعة والمناقشة وفي أكثر المواضيع أهمية وبجرأة لذا هو يذهب في تساؤلاته الى الدين من خلال ظاهرة الباراسايكولوجي، ويناقش الواقع السياسي من خلال بعض المفاهيم التي ترد في مصطلحات السياسيين ومنها (العلمانية) و(العولمة) والتي قدم فيها محاضرة ضمن المنهاج الثقافي لاتحاد أدباء وكتاب ديالى. )
حاولت ان احصل على كل كتابات ياسين الفكرية والقصصية، وقد ساعدني بذلك الصديق الوفي الشاعر إبراهيم الخياط فوجدت له كتابات متنوعة واغلبها منشور على مواقع الكترونية نذكر منها :
1.الديمقراطية والحرية
2.من اجل منهج ديمقراطي سليم
3.مشكلة الديمقراطية في العراق وسبل معالجتها
4. ثقافة العنف والاستبداد
5.الديمقراطية ، مزايا ومعايير
6.قارون
7.تداعيات حمار( كتابة ساخرة من الفاشية والإرهاب)
كانت داخل الملف الذي وصلني، صور شخصية للشهيد ياسين، ومن المفارقة ان أجد له صورة مع مجموعة من الرفاق في مقر حزبنا الشيوعي في بعقوبة وقد كتب عليها يوم الشهيد الشيوعي 2006 .
يقول احد الشهود ان القتلة صرخوا، شيوعي، بعدها أطلقوا رصاصاتهم الجبانة التي تصوروا أنهم ـ ومن خلالها ـ يستطيعون إسكات كلمة الحق الكلمة التي تنير الطريق وتمسح الغشاوة من بصر وبصيرة الجهلة، ذهب ياسين ولكن كلماته باقية ستطاردهم أينما حلوا.
المجد كل المجد لبناة الوطن، المجد كل المجد للذين قدموا أرواحهم فداءا للشعب والوطن والكلمة الملتزمة الحرة ، المجد كل المجد لشهداء الحركة الوطنية .
المجد كل المجد لشهداء حزبنا الشيوعي العراقي .


باريس 12/شباط/08

 

Counters

 

أرشيف المقالات