| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طه رشيد
taha.rachid@orange.fr

 

 


 

                                                                                       السبت 24/12/ 2011

 

أبو صابر

طه رشيد

غالبا ما تكون اللغة محكومة ـ في خضم تطورها ـ بظروف البيئة التي تعيش وسطها ومن مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وهي بالتالي نتاج زمانها , تتطور سلبا او ايجابا بتطور ذلك المحيط في الزمن المحدد وحين نقول لغة فنقصد به ( اللسان ) كما كانت تسمى عند الاقدمين من المؤرخين ، واللسان ينطبق على كل ما تنطق به الشعوب ومن ضمنها شعبنا العراقي الذي يتحدث بـلغة تختلف ، لا بجرسها الموسيقي فقط ، بل حتى بمفردات لا تعرفها بقية الشعوب والتى كان ينطق بها اجدادنا الاولون ايام سومر وبابل الخالدتين . ولساننا العراقي خاضع للتطور ، ( سلبا او ايجابا ، ومثل كل اللغات في العالم ) , للظروف التي يعيشها شعبنا ، والتغيرات التي تحصل يوميا . فلو عدنا الى نهاية الخمسينات حتى مطلع السبعينات للاحظنا بان المواطن وخاصة المتعلم يحاول جهد الامكان ان يفصّح من حديثه حين يتكلم ويستخدم الفصحى حين يكتب رسالة ما حتى ولو كانت شخصية ـ بعكس العديد من  مواطني الشعوب العربية الاخرى ـ . وكان انتشار كاتب العرائض ( العرضحالجي ) ليس بسبب انتشار الامية فقط , بل بالرغبة بان يكون الخطاب المطلوب صحيح اللغة ، متين الاسلوب , جميل العبارة .

وما أن دخلنا الثمانينات من القرن الماضي حتى أ’قحمَ شعبنا بحروب عديدة لا ناقة له فيها ولا جمل ! ومن البديهيات في  الحروب انها لا تجلب سوى الكوارث ، ودخلت علينا جيوش من قارات مختلفة مثل ما دخلت علينا مفردات جديدة او بالاحرى انتجنا مفرداتنا الجديدة , ( امكبسل ومحوسم وقفاصة وعلاسة . . .الخ ) وهي مفردات  لا تنم الا على تقهقر لاي تطور ايجابي , لا على مستوى اللغة فحسب , بل على مستوى مرافق الحياة بالكامل , (ويابه علينه ؟ مو حتى ثلج كلينه !) .

في السابق حين يخدعنا شخص ما او يحتال علينا نقول ( لَعَبْني ) او ( راد يلعَبْني ) والمتكلم يستخدم هنا فعلا فيه من الخفة والرشاقة الكثير ووقعه سهل على الاذن ومعناه متكامل , ويمكن ان نستخدم هذا التعبير على من يمتلك حضورا أخاذا فنقول انه محبوب ودمه ( يلْعب )، ويستخدم البعض آنذاك فعل ( بـِلَـفْـنـِي ) وهو تحوير لفعل مصدره (BLUFFER) وجذره لاتيني يستخدمه الفرنسيون بكثرة وخاصة على موائد " البوكر" . وبدل (يلعبني) و(يبلفني) جاء تعبير آخر يتقطر الدم من بين حروفه الا وهو ( ضربني ابوري ) الذي لا ينم الا على عداء مسبق وتشم من الجملة حروبا و( كونات ) ومعارك وكراهيات بينما يفترض ان يكون المعنى المراد هو نفس الذي تدلل عليه الكلمات السابقة .

كنا نسمي الشرطي , ايام زمان , بـ ( ابو اسماعيل ) والجندي ( ابو خليل ) ، اما الشخص الذي لا نعرفه فنناديه بما ينسجم مع عمره فنقول ( اخي ) او ( عمي ) او(استاد) او ( عيني ) او ( ابو جاسم ) الى آخره من المسميات التي تنم عن احترام كبير باستثناء ما ساد وقت نظام البعث المباد وهي تسمية ( ابو الشباب ) التي يشمئز منها الناس في الوقت الحاضر لإرتباطها بحقبة مظلمة كريهة .

اما اليوم فاننا نسمع في الشارع وفي المقهى وفي المؤسسات نداء ( يا ولد ) بكل اتجاه , ينادون به العسكري والمدني والكبير والصغير على حد سواء , وهي مناداة فيها من قلة الذوق الكثير , إذ ان اسم الولد في فئته العمرية لا يتجاوز الخامسة عشرة  !

وتساءلت مع نفسي بِمَ يجب ان ننادي الآخر الذي لا نعرفه ؟ بِمَ ننادي هذا العراقي الذي صبرعلى دواهي الدهر وتحمل ما لا يتحمله انسان  ؟  لقد صبر العراقي على الحروب ونتائجها المؤلمة وصبر على العذاب الذي أذاقه اياه نظامٍ البعث الذي حَكَمَ بالحديد والنار , وصبر على الاحتلال وعلى المآسي التي حصلت طيلة هذه الفترة . وصبرَ على نقص الخدمات ولا زال ، هذا والفساد مستمر على اعلى المستويات , والسرقات وصلت الى ارقام فلكية لم يعهدها وطن غير العراق ، واخيرا العراقي صابر على التجاوزات على حقوق الانسان من (زاخو الى حد صفوان) .

الصبر الذي تحمّله العراقي لا يمكن ان يطيقه آدمي يمشي على رجلين اثنتين !

بِمَ أناديه ؟ هل أناديه بـ ( أبو صابر ) ؟ أكاد أقترح ذلك لولا . . . .

لذلك أقول : كفاك صبرا , أخي العراقي , عبر عن جزعك بالوسيلة التي ترتأي ، فالصبر ليس مفتاحا للفرج !

 

free web counter