| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طه رشيد
taha.rachid@orange.fr

 

 


 

                                                                                       السبت 21/4/ 2012

 

الـــتـــاســـع مـــن نـــيـــســـــان
هـــــل يـــــولـــــد المــــرء مـــــرتـــــين؟

طه رشيد

وبعيدا عن التعبير المجازي ، اقول : أجل انا ولدت مرتين، وولادتي الثانية كانت في اليوم المبارك الذي سقط فيه نظام صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 . في ذلك اليوم عادت لي الروح بعد ان ازهقها وفصلها عن جسدي النظام السابق طيلة ربع قرن .

اتساءل :
كم هي عدد الارواح التي ازهقها ذلك النظام طيلة فترة حكمه؟ سواءا بحروبه العبثية الغبية او في سجونه السرية والعلنية، او في حملات الابادة الجماعية التي نظمها في هذه المنطقة او تلك؟
هل سمعتم بنظام غيره استخدم اسلحة الدمار الشامل ـ وحلبجة الشهيدة خير مثال ـ ضد شعبه ؟
او لا يستدعي سقوط هكذا نظام كهذا كثيرا من البهجة والنشوة والمسرة ؟ ام اننا مازوشيون نتلذذ بتعذيب انفسنا؟
الم يكن الخلاص من كابوس اطبق بفكيه على العراق مدعاة للفرح ؟
الم ينه ذلك الحدث الجلل اسطورة ان يتحكم بنا دكتاتور آخر؟
اعرف انكم ستتغامزون وتتنادسون لتوحوا لي، او للآخر وكأني ادافع عن الاحتلال !! وهذا ما لا اسمح به لنفسي، لأنني وببساطة جئت من جيل تشرب بفكرة معاداة الاستعمار والرأسمالية والامبريالية وكل اشكال الاستغلال . ولا يمكن لعاقل ان يدافع عن محتل ، واذا ما خامرت نفس هذا العاقل بالتوافق مع المحتل فهو ليس بحاجة لاعلان مثل هذا الموقف، بل عليه ان يمارس موقفه عمليا دون الحاجة لجعجعة بطحن أو بدونه . ولا يحتاج لتصويب البندقية الى صدره .
انا هنا ادافع عن فكرة اعتبار يوم التاسع من نيسان يوما وطنيا، لانه طوى صفحة الدكتاتورية ،ولانه ثورة، اذا كانت الثورة تعني احداث تغيير جذري في السياسة والاقتصاد والمجتمع؟ الم يؤسس التاسع من نيسان طرازا جديدا من الدولة لم يعهده لا العراق فحسب، بل كل الانظمة في المنطقة ؟
من يستطيع ان يريني دولة مجاورة شقيقة او صديقة استفت شعبها على الدستور؟ ستقولون : ومن يحترم الدستور؟ انا وانت نحترم الدستور وعلينا الدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة رغم النقص في هذا الجانب او ذاك ، واذا كان الدستور حمال اوجه فهذا يضيف لواجباتنا واجب آخر وهوتعديل الدستور بما ينسجم ومصالح الناس صاحبة المصلحة الحقيقية بكل تغيير. وهذا حق للناس،عليها ان تسعى لنيله لان الحقوق تأخذ بالكفاح اليومي الدؤوب والمتواصل، وليس بمنّة يسديها الحاكم لشعبه .
من منكم يستطيع ان يريني شعبا لم يخنع ولم يستجب لتهديدات الارهابيين لمنعه من المساهمة في الانتخابات ؟ شعبنا يصر ويسجل اعلى مساهمة في تاريخ المنطقة ويقدم شهداء من اجل ان يضع ورقة في صندوق الانتخابات !
لولا التاسع من نيسان لبقينا على صحيفتين وقناتين فضائيتين وعلى رئيس واحد وحزب واحد يتحكم بنا من الولادة الى المقبرة . وكلكم تعرفون حكاية جبر..
من منا كان يفكر يوما،في ذلك العهد، بشتم مختار المحلة، ولا اريد ان اقول مسؤولا رفيعا في الدولة دون ان يحسب لشتيمته الف حساب ؟
وكم من نكتة اودت ببعض الناس الى التهلكة في ذلك العهد! اما اليوم وبفضل ما حدث في التاسع من نيسان، فان عدد الصحف ازداد عشرات الاضعاف وكذلك القنوات المسموعة والمرئية ، اما الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني فحدث ولا حرج .واذا اردنا ان نتحدث عن الشتامين والمغرضين فما عليكم الا ان تنصتوا للحوارات التي تجري على بعض الفضائيات التي تبث على قمر اتعبتنا جيرته !
ولذا اتمنى ان تمتلك ديمقراطيتنا الوليدة انيابا لتدافع بها عن نفسها ، ولكن من اين لها ذلك وهي ولدت بعملية قيصرية! فبدل ان يكون الرجل المناسب في المكان المناسب وبدل ان يعتمد مبدأ الكفاءة والنزاهة معيارا لتولي المسؤوليات صارت الطائفية هي المعيار الاساس في تولي المناصب، وزاد الطين بلة الفساد الاداري المستشري في معظم مفاصل الدولة، وراحت العملية السياسية تراوح في مكانها لتدخل بازمات مستعصية وباخطاء قاتلة.وتهاجم اشد المدافعين عن العملية السياسية بدل ان تبذل جهودا جادة للبحث عن الفاسدين والمخربين.
ها هي اجهزة الدولة المسؤولة عن صيانة مشروعها الديمقراطي ، وبدل ان تتصيد المتربصين لافشال مشروعها، راحت (تعض) بين الوقت والآخر اشد المكونات دفاعا عن العملية السياسية ، وما حدث من اقتحام لمقر " طريق الشعب " في 27 آذار المنصرم واعتقال الحراس والعبث بمكتب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، ومصادرة الاسلحة المرخصة بالحماية، لهو مثال صارخ على محاولة حرف العملية السياسية عن طريقها الصحيح . ولكي يبقى قطار العراق سائرا،ولو بشكل بطيء، على السكة الصحيحة، لا بد من محاسبة مَنْ يرتكب مثل هذه الاخطاء لكي لا تتكرر مرة أخرى مع أي مكون دون الحصول المسبق على مذكرة قضائية تسمح بتفتيش المكان المقصود .
ومع هذا نقول بان صفحة الدكتاتورية طويت، ولا يمكن ان يظهر دكتاتور جديد لسبب بسيط وهو ان المرشح لمثل هكذا منصب لا بد ان يكون "بطلا" ، بمعنى لا بد ان يقوم هو بالتغيير، وبما ان "الابطال" الاساسيين لهذا التغيير جاءوا من خارج الحدود، وقد رحلوا. وبما ان شعبنا اليوم ـ امفتح باللبن ـ ولا يقبل ان يعود القهقرى ، وبما ان ساحة التحرير هي اليوم لدعاة التحرير والتغيير وليس ، كما كانت لتعليق الجثث ، وبما ان الحكومة تأتي وتذهب عبر الصندوق السحري وليس على ظهر دبابة ، فان عودة الدكتاتور الى الحياة العراقية لا ولن يكتب لها النجاح.
ولولا ما حدث في التاسع من نيسان لما استطعنا ان نكتب مثل هذا الكلام وننشره على الملأ سواءا في الوسائل الإعلامية الحكومية او غير الحكومية .
والسؤال الاخير هو لماذا لم تتخذ دولتنا الجديدة التي ولدت على إثر التاسع من نيسان هذا اليوم عيدا لها ولنا؟
هل تخشى لومة لائم من داخل او من خارج الحدود ؟ أم ان هناك اطرافا داخل الحكومة لها مصلحة بان تنسينا هذا التاريخ؟ مرحى للايام التي تؤرخ لدفن الدكتاتوريات في اي مكان .


 

free web counter