| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طه رشيد
taha.rachid@orange.fr

 

 


 

                                                                                       السبت 21/4/ 2012

 

جكليت 14 نيسان قبل اربعين عاما

طه رشيد

1
مع مطلع السبعينات ، جمعتني غرفة، في القسم الداخلي الواقع في محلة الكسرة، والمطل مشرقه على حزام من الأكواخ الصغيرة والمتراصة، وكنا نسميها بالحزام الشيوعي تيمنا بالضواحي الشيوعية التي تحيط بباريس من حدودها الشرقية والتي شاءت الأقدار، بعد حين، أن أعيش فيها ثلاثة عقود،وشتان ما بين الحزام الكسراوي والحزام الباريسي ! اما الجانب الآخر للقسم الداخلي فيطل على كلية التربية الرياضية.

جمعتني هذه الغرفة مع زملاء في قسم الفنون المسرحية في اكاديمية الفنون الجميلة ،والذين اصبحوا اصدقاء العمر والذاكرة ،وهم طالب خيون والفنان الراحل قاسم علوان وستار دلي وخليل الحركاني، وكان هناك ضيفان دائميان على غرفتنا وهما الشهيد دريد إبراهيم والشاعر المبدع رياض النعماني.

عدنا الى القسم الداخلي ليلة 13 نيسان 1971 وقد اقترب الليل من منتصفه، بعد أن انهينا تماريننا المسرحية ، ومررنا بنادي الإسالة، وإخذ أصدقائي يتحدثون عن ذكرى تأسيس اتحاد الطلبة، وعن اهمية عام التأسيس 1948، باعتباره عام الوثبة، وكيف ساهم الجواهري بقصيدة في ساحة السباع وسط بغداد، ورغم الوقت القصير الذي قضيناه في نادي الاسالة ألا أن المعلومات التي حصلت عليها كانت تصفحا سريعا لنضالات الطلبة والشغيلة عام 48 وما تلاه .الغرفة مكتظة بالأصدقاء، لم يكن هناك شيء استثنائي سوى بعض النكات التي تتطاير هنا وهناك .

لاحظت فرحا غير عادي على وجوههم . في صباح اليوم التالي وجدت قطعة جكليت تحت الوسادة. نزعت الورقة الملونة التي تلف ورقة أخرى كتب عليها" تعيش الذكرى الثالثة والعشرون لتأسيس "إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية "، أكلت الجكليتة سريعا وأتلفت الورقة ، لأن اكتشافها من قبل عناصر الاتحاد الوطني يعني ما يعني آنذاك !

سألت جميع من في الغرفة عمن وضع "لغم" تحت وسادتي، ولم احصل على إجابة لسؤالي، وانتظرت أربعين عاما حين التقيت مؤخرا صديقي الدكتور خليل الحركاني واستذكرنا معا الكسرة والحزام الشيوعي، واعترف لي بأنه هو من وضع قطعة الحلوى تحت وسادتي . تلك القصاصة الصغيرة من الورق اذكت فيّ نارا اضاءت لي الطريق طوال سنوات عمري اللاحقة.

2
لم أكن أعرف بان الاتحاد الوطني أعلن إنذارا بين صفوف عناصره تحسبا لأي نشاط يقوم به الطلبة الشيوعيون (هكذا كان يتهم الطلبة غير المنتظمين في صفوف الاتحاد الوطني) صبيحة يوم14 نيسان . وصل طالب خيون متأخرا الى الكلية ، دخل وهو يحمل كيسا ورقيا اسمر منتفخا بسعة خمسة كيلو ، تحرك عناصر الاتحاد الوطني لمتابعة خيون ومعرفة ما يحوي الكيس وماذا سيفعل بمحتوياته ، وراح طالب خيون وبطريقة بوليسية يتنقل من ممر الى ممر، ومن طابق الى طابق مارا بالنادي لتحية اصدقائه ، وأخيرا توجه للقاعة الكبيرة التي تقع ـ آنذاك ـ في نهاية الكلية على يمين النادي الحالي ،كنا نتتبعه عن بعد ، دخل القاعة وخلفه طلبة الاتحاد الوطني ، وما ان وضع الكيس المنفوخ على المسرح حتى هجم عليه هؤلاء فوجدوه خاويا وسرعان ما تركوا القاعة ليتركوا طالب خيون يقهقه وهو يقرأ قصيدته الشهيرة :على حذائي تنسكب دموع الشرطة.









 

 

free web counter