| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طالب غالي

 

 

 

الأثنين 21/1/ 2008



مشاهدُ عندَ بابِ الطفولة

طالب غالي

مرّةً عند باب الطفولةِ
أوقفتني السماواتُ،
كنتُ منذهلاً
أُجيدُ التلفتَ بين الوجوه ارتجافاً
مثل اغتراب الفوانيس على دكةٍ في مساء حزين
تدلهمُّ الهواجسُ والصمتُ فيهِ
وتحنو الذبالاتُ على نفسها
فتشحبُُ كلُّ الدروبِ التي حاصرتها المنازلُ،
تنزفُ دفء الحكايا
٭ ٭ ٭

عند باب الطفولةِ اختلس الحزنُ وجهي
وامّحت من مرايا دمي الكلمات
اين ذاك الغناءُ ؟
اين تلك الحروفُ ؟
أين...أين....اين ؟
أتقفرُ أرضٌ سقتها الحنايا ؟
عندما ابتدأت القدمان بالخطوِ
أبتدات الشفتانِ باللغوِ،

وأشرأبت بعد إتساع الخطى جموع الحروف
وصارت شجيراتِ حورٍ تظللُ وجه البراري
وشيئاً فشيئاً،
دخلتُ الى منتدى السورِ المكيّةِ
مبتدئاً بــ (إقرأ و ن والقلمِ وما يسطرونْ)
فما بالُ ذاكرتي؟
أتمحو العذاباتُ كُلّ الحروفِ
فيا للجنون...
٭ ٭ ٭

عند باب الطفولةِ اعترض الدربُ خطوي
أدرتُ الى البابِ عيني إكتشافاً
أتتني العصافيرُمشبوكةً بامتداد النخيلِ،
على شاطئٍ أسرجتهُ الشموسُ لأحلامها صهوةً للعناقِ،
افتراشاً الى لذةٍ عاقرت خمرة الرّب في هدأةٍ
فأستكان الوجودُ
وانصتت الريحُ للهسهسات الجريحةِ
عنداصطفاق الجوانحِ بالماءِ،
وانغماس الأصابعِ في الطين المخمّرِ بالعشق..
واللهاثِ الآلهيّ عند احتراق المحبةِ..

جذراً ... فجذرا..
عُشبة أو بذاراً..
سدرة وسط بيتٍ...
أو ضريحٍ مُزنرٍّ بالرزايا ،
نخلةً على منحنى القلب ،
هكذا تشرئبُ اللوامسُ في الروحِ
مشحونةً بالحنين المدمّى
فأنزفُ وجدا..

وأرقبُ تلك المواويلَ تأتي
تكحلُ عينيّ عند المساءِ
وتأخذني..
لأهلي...لبيتي الذي حوطتهُ المسافاتُ بالبُعدِ
وأُمّي التي أنبتت صوتها بكل الزوايا ،
وفوق السُّطوح ،
وفوق النوافذ ،
وفوق أسرّتنا ،
وفوق حروف القصائد
تسلقنا صوتها مثل لبلابةٍ
وأورق فينا

وصار شراعاً يطوفُ البحارَ
ويرجعُ يرسو على ضفة القلب مملكةً من أثيرٍ
يُحفزُ فيَّ النداءاتِ مكلومةً
فأبكي
وتبكي الطفولةُ أيامها..
دللول يبني دللولْ....عدوّك عليل وساكن الجولْ
فأغفو على الرجعِ منتشياً بالغناءْ

عندَ باب الطفولةِ استحضرَالرأسُ سفر النبوة
فأنبرى الوحيُ مؤتزراًبالنورِ يتلو النصوصَ الآلهية
خاشعاً مرّةً...
راجزاً مرّةً..ثمُّ يهدا

ويغرقُ في الدمعِ فرط اشتداد التوحّدِ
باكياً في النهاية حلم الرسالةِ
واغتراب الصحابةِ
وارتعاش المفاصلِ عندَ احتضار الشهيدِ على حدّ سيفٍ
صعقةٍ..
جُرعةٍ من أسيدٍ..
او جُموحٍ تدلىّ
على جذعِ نخلهْ
تميدُ السماواتُ من تحتهِ
قريبٌ من اللهِ في حُلمهِ
قريبٌ من الله
قريبٌ.....

يصرُخُ الوحيُ عند هذا التهدج..
ينأى..نشيجاً
يناى..أنيناً
أنيناً...أنيناً
ويخبو
ُيقفلُ الرأسُ سفر النبوّة
٭ ٭ ٭

عندَ باب الطفولةِ
أدهشتني السماواتُ
حينما انفلقت عند حدِّ التذكرِّ نصفين
بين ابتداء الزمان الموشىّ بوهج الشموسِ
وسعف النخيلِ
وضحك الصبايا
والتماع النجومِ على مفرق الفجرِ
وصوت المؤذن ينثالُ كالحلمِ فوق القرى النائمات..
على أنهُرٍ يتفرعن في القلب حباً..
وبينَ اصفرار الزمان المُعلقِ في جرّةٍ
أسنت حولها التكايا..

وبسملة الحربِ بين الطوائفِ
بين المدائن
بين ألأزقةِ
بين البُيوتْ
وفوق السطوحِ
وقد أجهضت الناسُ حلمَ أبكارها وقامت نشوراً
كلُ حيّ بوادي العراق إستوى نخلةً من الحزن
وجاء يدفنُ موتاهُ ليلاً
فالقبور التي فوق صدر العراقِ تدورُ.تدور
تتداخلً بين الجنوبِ وبين الشمالِ
إحتماءً من المطرِ الهمجيّ

وتنسلّ بعد الظهيرةِ عند إنكسار الظلالِ
تلوذً بجنحِ البوادي انحدارا
لنخلِ السماوةِ
ثمّ ارتداداً الى وهدة الكوت
جنوحاً لوادي الغريّ المُسجّى على أذرعِ العاشقين
صعوداً إلى منبع النزفِ في كربلاءِ الفجيعةِ..
ومن كلِّ مفترقٍ للدروبْ

جموعٌ تقاطرُ مثل حقل السنابلِ مدفوعةً
بالوجيبِ
لأضرحةٍ زنرتها الحناجرُ
بالبوحِ والحشرجات البليلةِ بالدمعِ
وحاصرها الوَهَجُ الخردليُّ
فقاءت بيوتُ المداخلِ مخنوقةً كلَ أحشائها
وحنت جدائلها كربلاءُ العراقِ بطينِ الفرات.
وألقت بمئزرها المستباح على رأسها وأغفت قليلا ً
فطاف بها العامُ واحدٌ وستون للهجرة

جبيناً أثخنتهُ الجراح.
وصدراً حملتهُ الفواجعُ أوسمةً من عناق السيوف
ووشم الرماحِ
وصوتاً تواشج والناي حدَ إحتراق الصحارى
بكاءً على جثثٍ ألبستها العواصفُ بُردَ الفوارسِ
منقوعةً بالنجيع
بقايا خيام ونار
وشمراً يسوقُ النساءَ سبايا إلى الشام
ورأس الحُسينِ إعتلى شامخاً رأس رُمحٍ
وصوتَ حداءٍ يهزّ القفار
شجياً.. رخيماً بعيد القرار

خُذينا يا قوافلُ وارجعينا........الى وطنٍ لهُ ذبنا حنينا
الى دارٍ مقامُ العزّ فيها.......الى أهلٍ أقاموا الحقّ دينا
بنا سيري على مهلٍ فإنا....من الكبوات عُدنا منهكينا
ينزُّ بصدرنا جُرحٌ مكينٌ ونشجاً تورِقُ العبراتُ فينا
خُذينا يا قوافلُ نحو نجدٍ الى حيثُ المدينةِ واتركينا
دُوارٌ يُطوّحُ بي فجأة
وكفٌ تُطبّلُ فوق رأسي
فأصرُخُ من شدّة الغيظِ مرتعباً..

وأعدو..
كمن طاردتهُ الوحوشُ
إلى أيــــــــــــــــــنْ..؟؟
إلــــــــــــــــــى أين..؟؟
وأنت محاطٌ بأسلاك رُعبٍ مكهربةٍ
وعصرُك هذا إرتيابٌ
وأفلاكُ حقدٍ وزيفٌ وعصفُ
وفي كُلّ يومٍ تجئُ فُلولُ الخوارجِ..،
تغتالُ غدراً ورود الحديقةِ
وتطفئُ شمعَ العرائسِ والأضرحة
فكُلُّ المدائن تشكو احتراق السماوات في صُبحها

فليسَ هنا أو هناك مكانٌ يقيك من الموتِ
إلـــــــــــــــى أينَ تمضي..؟
إلـى أيـــــــــــــــــن؟
...................
...................
سأدلفُ في غمرات الرزايا مع الناسْ
وأرشفُ من كأسهم رشفةً
وأحضُنُهُم

٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭


كتبت بعد انكسار الأنتفاضة الشعبية في آذار1991
واكتملت في 4/12/2006



 

Counters