| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأثنين 8/3/ 2010



كلمات -299-

انتصار الحبر على الدم!

طارق حربي

خمسة مواسم انتخابية منذ التغيير حتى اليوم جرت في العراق، ثلاث منها سنة 2005 (الجمعية الوطنية والدستور والبرلمان) ، وواحدة سنة 2009 لانتخاب مجالس المحافظات، أما الاخيرة فكانت الانتخابات التشريعية التي جرت يوم أمس الأحد (7 آذار 2010) ، حيث انتصر فيها حبر الانتخابات البنفسجي، الذي عمد به العراقيون تجربتهم الديمقراطية الخامسة، على الدماء والقتل والمفخخات وقبلها الفاشية والحروب والجوع والقمع، ليتقدموا خطوة جديدة في المسار الصحيح والصعب والطويل لبناء تجربتهم الديمقراطية الوليدة، وحازوا احترام المجتمع الدولي، عبر رسائل تهنئة بعث بها عدد من زعماء دول العالم في مقدمتهم الرئيس الامريكي أوباما.
أثبت العراقيون خلال زحفهم الكبير نحو مراكز الاقتراع، لانتخاب برلمان جديد تنبثق عنه حكومة تقود البلاد خلال السنوات الاربع القادمة، أنهم أمة سلام وبناء، يترسمون خطى الشعوب المتقدمة في ترسيخ مبادىء الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية، ويتطلعون مثلهم مثل الشعوب التي ذاقت ويلات الدكتاتوريات والاستبداد إلى غد أفضل، فلا عودة بعد خمس مواسم انتخابية إلى حكم الفرد الواحد، بل إلى تداول سلمي للسلطة حسب الآليات التي وضعها الدستور العراقي.
لقد عاش العراقيون خلال السبع سنوات الماضية الكثير من الفشل نظرا لاحباط السلطتين التشريعية والتنفيذية، في أداء مهمتهما بسبب المحاصصة الطائفية والقومية التي انطلقت مع تشكيل مجلس الحكم، ولم يكن البرلمان العراقي خلال السنوات الاربع الماضية بمستوى مسؤولياته التي إئتمنه عليها الناخبون، ساد فيه الفساد والشرذمة وغلب مصلحة نوابه، ولم يتفق على اصدار تشريعات وقوانين كان يمكن لها لو وضعت، أن تدفع بمسيرة العراق السياسية والاقتصادية نحو الامام، لاسيما قانون النفط والغاز وتوزيع الثروات والمرأة وغيرها، فيما غرقت أطراف في السلطة التنفيذية (الحكومة) في أوحال الفساد المالي والاداري، ولم يتقدم الاقتصاد والزراعة والصناعة، وتراجعت الثقافة العراقية التي كانت بداياتها الاولى علمانية، لصالح نشاطات طائفية، وتدهورت السياسة الخارجية وغيرها.
وفي المخاض الطويل والصعب صوب مستقبل واعد للعراقيين، شهد يوم امس الأغر فعاليات ملأت الصدور غبطة وارتياحا، فكانت الطوابير الطويلة أمام مراكز الاقتراع، المتصلة من العراق إلى ستة عشر بلدا أجنبيا، حيث تقيم الجاليات العراقية التي ضمنت لها المفوضية العليا المستقلة حق التصويت، هذه الطوابير أكدت أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع هو الحل لكل مشاكل العراق، والطريق الصحيح لبناء الأمة العراقية التي لم تنبني منذ نحو ثمانين عاما، هي وليس لغة القتل والتدمير والمفخخات، المرسلة من بعض الأنظمة في الدول المجاورة، بعدما قضت مضجعها التجربة العراقية الوليدة.
لم تشهد هذه الانتخابات تحالفات طائفية وتخندقات، وشعرت الاحزاب الدينية بعد تجربتها الطائفية الفاشلة في رحم بناء العراق الجديد، أن فوزها في الانتخابات البرلمانية مرهون بتقديم الخدمات للمواطن العراقي، وإطلاق برامج النهوض بالاقتصاد العراقي المنهار، وأثبتت هذه الانتخابات المفصلية في تأريخ العراق لرسم ملامح المستقبل، أن أوراق اللعبة الانتخابية تحولت لصالح الشعب واصبح القرار قراره.
فقد تحول العراق من بلد "كان انموذجا دمويا وقاتلا للشرق الاوسط برمته" بحسب مستشار السياسة الامريكية في الامم المتحدة ريتشارد غرينيل، إلى مثال بين الشعوب وهو يصوت بكل حرية وعدالة وشفافية، وأعطى دروسا هامة لكل الأنظمة القمعية في المنطقة، وبمرور الوقت ستعطي التجربة الاستباقية للديمقراطية العراقية، زخما للشعوب وتنشىء ديمقراطيات جديدة في الشرق الأوسط، وتوسع من هامشها في دول أخرى، وسيكون العراق مركز اشعاع لها.
مثلما أسقطت ملحمة الانتخابات يوم أمس كل المؤامرات والصفقات المشبوهة، ستسقط مسيرتها الظافرة الاحزاب الدينية والطائفية والمناطقية الضيقة، انتصر صوت العقل على أصوات المفخخات والحبر على الدم، والحياة على لون الكفن ودخان العمليات الارهابية، وأرسل الناخبون رسالة لكل المتربصين بالعراق الجديد، أن لاعودة إلى الوراء بعدما أمسك العراقيون بقرارهم بأيديهم وأخذوا يقررون حياتهم ومصيرهم عبر صناديق الاقتراع.


8/3/2010
 

 

free web counter