| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأربعاء 8/12/ 2010



كلمات -344-

مصادرة الحريات في العراق.. أوقفوها!

طارق حربي

اثار قرار مجلس محافظة بغداد، غلق الأندية الإجتماعية والثقافية والمهنية والترفيهية، بحجة عدم حصولها على إجازة المهنة أو وجودها بين البيوت البغدادية، وتحذير المخالفين بتعرضهم للمساءلة القانونية، الكثير من ردود الفعل في الأوساط العراقية، وعبر الآلاف من المواطنين خلال تظاهرة عارمة عن استيائهم واستهجانهم لقرارات المجلس، المبنية على قرار شمولي أصدره مجلس قيادة الثورة المنحل، برقم 82 لسنة 1994 خلال حملة صدام الايمانية!

ولايخفى أن القرار تزامن مع اطلالة شهر محرم، وبدا أنه إرضاء لأحزاب ومرجعيات دينية وتملقا، وإبرازا لقدرة طفيلية تسلطية على شرائح اجتماعية، واستمرارا لنسق السواد العام الذي يفضله رجال الدين، بما ملكتهم واشنطن من سلطة قره قوشية على الشعب العراقي، وتركته فريسة لهم، فأخذوا يحكمون المواطنين بما تفرضه عليهم مرجعياتهم وفتاويهم، لاالدولة المدنية ضامنة الحريات وحاميتها!

ويبدو أن الدعوة إلى تقليص الحريات في العراق، ومنها على سبيل المثال لاالحصر: اصدار قانون اللحى في البصرة، والهجوم على الطلبة الجامعيين فيها خلال سفرة مدرسية قبل سنوات، تفجير صالات الحلاقة الرجالية والنسائية خاصة التي تعرض صور نساء غير محجبات، أو مشروع أخذ الجزية من أهل الذمة، أو الزام مربي الماعز إكساء مؤخرات ماشيتهم بقماش اسود تجنبا للفتنة!، ومن أفتى بحرمة دخول المرأة إلى (الانترنت) إلا ومعها محرم من أهلها، ومنع العروض الموسيقية في مهرجان بابل السابق، ومنع عروض سيرك "مونت كارلو" في البصرة الشهر الماضي، أو قيام مجموعات مسلحة بالناصرية قبل فترة قصيرة، بمعاقبة فئات وصفتها بـ”الشاذة” وبعيدة عن الأخلاق، ولاأفهم من سلط أولئك الوحوش البشرية على مواطنينا، والهجوم على صفوة العراق المثقفة وطلائع المجتمع نحو المستقبل والتنوير، ووصف كامل الزيدي (رئيس مجلس بغداد) لهم " بالنفر المتوهم المأجور "، وغلق النوادي والملاهي ومحلات بيع الخمور، وربما دور السينما في وقت لاحق (من يدري!؟)، كل ذلك يعتبر ظاهرة ليست عابرة بل تحيل إلى مرجعياتها الدينية والمدنية والصراع بينهما، وتؤشر عمق أزمة الأحزاب الدينية في إدارة الدولة، وعدم تفهمها لطبيعة الشعب العراقي، المؤلفة من قوميات وإثنيات وطوائف وأديان وشرائح اجتماعية مختلفة.

يستكثر الخليفة الزيدي على سكان العاصمة، الترفيه عن أنفسهم من العمليات الارهابية والفساد وتلال الزبالة وانسداد الآفاق وأخبار تأخر تشكيل الحكومة وغيرها، بقضاء الأوقات السعيدة في دور السينما والملاهي والمتديات، أو تناول ماترتاح له النفس من المأكل والمشرب، وكأن خليفة الاسلام والمسلمين أتم نعمته على سكان بغداد، وماعليه من واجبات بتحويل العاصمة إلى جنة مشتهاة، بعد رفع تلال الزبالة ونشر الحدائق والزهور، وقضى على الفساد في الدوائر ونظم السير وأعاد الاعمار، ولم يجد أمامه غير واجب غلق الأندية الإجتماعية والثقافية والمهنية والترفيهية، فراح يصدر أوامره ونواهيه، التي يرفضها ويستهجنها ليس سكان بغداد حسب، بل معظم الشعب العراقي الذي لايحده دين ولاتلمه عقيدة واحدة أو مذهب واحد!

ولعل النتائج العكسية للتحريم تلجىء الكثير من العراقيين إلى تعاطي المخدرات والعقاقير، تعويضا عن احباطات سياسية، لم يصححها التغيير وكان أمل العراقيين أن يكون جذريا، لينتقل بهم عبر دستور وبرلمان ومنظمات مجتمع مدني واطلاق الحريات، إلى تأسيس مستوى جديد من العلاقة بين الدولة ومواطنيها، لاأن يكون لرجال الدين الممثلين في مجالس المحافظات، أجندات لها امتدادات خارجية تطبقها على شعب، بدأت طلائعه الأولى تتحسس انتهاك الحرية، فعبرت عن استيائها في تظاهرة نظمتها صحيفة المدى يوم الخميس الماضي ببغداد (شارع المتنبي)، وأثارت موجة من غضب رجال الدين، برئاسة اليعقوبي (حزب الفضيلة) الذي شن هجوما لاذعا على اتحاد الأدباء وعده «جهة تشجع على الفجور والفسق».، ولاأدري لماذا لايشن اليعقوبي هجوما على الفساد والمفسدين، سواء في حزبه الفضيلة، أو غيره من أحزاب الاسلام السياسي، ويصدر فتاوى مناسبة لحفظ المال العام وغيرها على سبيل المثال لاالحصر!؟

لايحتاج المراقب إلى تدقيق الفكر في أسباب تجاهل اليعقوبي للعراقيين من غير المسلمين، وأن قرار إغلاق محال المشروبات الكحولية والنوادي الليلية "خلف أكثر من 60 ألف مسيحي في بغداد من دون مصدر تمويل أو عمل"، وهكذا أصبح جزء أصيل وعزيز من شعبنا بين نارين : نار القاعدة تذبحهم في كنائسهم وتشردهم من منازلهم، إلى أنحاء مختلفة من العراق أو خارجه، ونار فتاوى الزيدي واليعقوبي القندهارية، تقطع عليهم مصادر رزقهم وتجوع عوائلهم، بسبب الدين والنظرة الطائفية الشمولية لعموم الشعب العراقي!

إن التحويل القسري للعراقيين إلى صفة واحدة، وعدم أخذ تنوعه وثراءه بعين الاعتبار، حيث يفترض أن يكون أحد عوامل القوة في المجتمع لاضعفه، بمايعزز من قدرات الحكومة والدولة للنهوض بأعباء المرحلة الراهنة، ووقوف المثقف العراقي إلى جانب الحكومة في بناء العراق الجديد على أسس عقلانية !، هذا التحويل يؤشر اتساع الهوة بين شرائح المثقفين والدولة العراقية، وفي خطوة لاحقة معاداتها!، وهو مالايرغب به أي مخلص للعراق الجديد.

إن التدخل الفاضح في شؤون المواطنين، والاعتداء على الخصوصية والفردية، والمخالفة الصريحة للدستور الذي نص على حماية الحريات المدنية، واختلاف الأحزاب الدينية (شيعية سنية) فيما بينها عقائديا، وإئتلافها في موقف واحد هو قمع حرية المواطن وسلبه حريته وامتهان كرامته، بالوسائل التي تتيحها سلطتها، بينها القوة المسلحة الغاشمة، وربما ستقوم بتفريق تظاهرة دعت إليها قوى عراقية ومواطنون، يتصدرها سياسيون وبرلمانيون يوم السبت القادم، هذا وغيره يؤشر إلى مزيد من تدهور الأوضاع الاجتماعية وانتهاك الحريات!

ويبدو أن السجال الدائر الآن بين المحافظين ممثلين بحكومة بغداد من جهة، بما يسندهم من مرجعيات دينية، وجدت في غلق الأندية الإجتماعية والثقافية والمهنية والترفيهية متنفسا لفتاويها، وفسحة للادلاء برأيها في وسائل الاعلام الحرة، مع اقتراب شهر محرم، وبين شرائح اجتماعية ونخب سياسية وثقافية، هذا السجال هو أولا جس نبض الشرائح بوحي مما تضفيه المناسبة الدينية من زخم وقدسية في الشارع العراقي، ومدى تقبلها لقرارات قره قوشية اطلقها صدام في حملته الايمانية، وأعاد انتاجها كامل الزيدي بطل فلم السهرة العراقية!، على مايدور في هذا البلد الذي سلمته الولايات المتحدة لأحزاب الاسلام السياسي، وصمتت صمت القبور عن تدهور الحريات فيه، بما في ذلك تراجع الحريات الصحفية، ولم تبقى إلا حرية الرأي، آخر معاقل العراقيين يلوذون بها، بعدما امتلكوا حريتهم، يجب أن يتمسكوا بها ولا يتخلوا عنها أمام مجالس المحافظات وقرارات طالبان الجديدة.

 

8/12/2010
 

 

free web counter