| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الجمعة 3/12/ 2010



كلمات -343-

حسينية أور الأثرية!

طارق حربي

تحت ظلال ربيع الاسلام السياسي وخروج رجال الدين من الجوامع والحسينيات، لحكم العراق سواء من المنطقة الخضراء أو في المحافظات، وبما أنتجت المرحلة المظلمة من سيطرة العقل الرجعي، الذي كان من ثمراته المرة نشر ثقافة الموت واجترار الماضي وتراجع دور الثقافة والمثقفين، من هذا وغيره أرى نكوصا وردّة، وأشم رائحة مؤامرة على مستقبل العراق، ومسيرة بناء المؤسسات الدستورية والديمقراطية، وما الاعتصام والتظاهرة التي نظمتها صحيفة المدى اليوم في شارع المتنبي ببغداد، وعبر فيها المثقفون وعدد من السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، عن معارضتهم واستهجانهم لما آلت اليه الحريات العامة التي كفلها الدستور من انتهاكات، إلا دليلا واضحا على تدهور الأوضاع في العراق !

بدأت الردة بأوامر ونواهي خلفاء العصر الجديد، سواء الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس رئاسة الوزراء أو عن الحكومات المحلية، بتقييد الحريات العامة وغلق الأندية الإجتماعية والثقافية والمهنية والترفيهية، والتدخل السافر في مأكل المواطنين ومشربهم، وكان آخرها قيام قوة مسلحة من الشرطة والأمن السياحي وعمليات بغداد، في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، باقتحام مبنى اتحاد الأدباء ببغداد، و"طالبت أمينه العام الشاعر الفريد سمعان، بتوقيع محضر إغلاق النادي الإجتماعي للأدباء بشكل نهائي، أسوة بالأندية الليلية والملاهي والبارات!" إن ذلك يذكر بقرار شمولي أصدره مجلس قيادة الثورة المنحل برقم 82 لسنة 1994 خلال الحملة الايمانية!

وفي سياق تدمير الهوية الثقافية للعراق، ومسعى بناء المزيد من دور العبادة في ذي قار ورعايتها، وليس بناء مساكن تؤوي المواطنين المشردين في مناطق الطمر الصحي والصحراء وأطراف المدن، وأحياء التنك والورق المقوى وغيرها، وتخصيص رواتب الرعاية الاجتماعية لهم باعتبارهم مواطنين في بلد النفط والخيرات، تأتي زيارة محمد مهدي الناصري التي قام بها قبل أيام إمام جمعة الناصرية، الذي انتخبه بسطاء ذي قار ليشغل مقعدا في البرلمان، وكان خليقا به الدفاع عنهم وعن شؤون حياتهم اليومية ونوعية الخدمات المقدمة إليهم، إلى مدينة "أور الاثرية" لا للاطلاع على معالمها الأثرية وتمثل عظمتها التأريخية واستجلاء عمقها الحضاري، أو اعلان الخطط والمشاريع الاستراتيجية الخاصة بالمدينة أمام وسائل الاعلام، أو رعاية احتفال وضع حجر الأساس لبناء مجمعات وفنادق والعمل على تنشيط قطاع السياحة، لماتجلبه من أموال تفيد شعب ذي قار ومستقبل أجياله، باعتبار أن أور الأثرية وزقورتها، حيث ولد أبو الأنبياء ابراهيم (ع)، توحد الأديان كافة ويمكن أن تكون قبلة عالمية سياحية، لكن الناصري لم يعر انتباها لكل ذلك وأعرب عن نيته بمفاتحة الوقف الشيعي لبناء مسجد قرب بيت النبي، "لاحياء معالم تلك المدينة واضافة السمة الدينية وإحياء روحية المكان" كما روج لذلك موقع الكتروني طائفي يدعمه الشيخ وأبوه آية الله!
لا أفهم كيف يريد الناصري احياء معالم أور، أو إضافة السمة الدينية عليها وإحياء روحية المكان، ببناء مسجد أو حسينية!؟
لا أستطيع تصور أن تجاور الزقورة حسينية أو جامع أو كنيسة أو كنيس يهودي!؟
تحيا الأمكنة بالحدائق والمتنزهات وتنظيم المدن وتخطيطها وعمرانها وبناء المرافق الخدمية فيها لا بغيرها، فهل أن الذي جعل الناصري يزور الزقورة بعد ثماني سنوات من عودته وصمته عن هكذا مشاريع رائدة!، جاء على خلفية الصراع بين الأحزاب الدينية في الناصرية للاستيلاء على المدينة الأثرية!؟، هل تناهى إلى سمعه على سبيل المثال أن مجلس ذي قار الذي يبسط عليه سلطته الدينية، بصدد مناقشة مشروع استثماري يخص المدينة!؟، واستبق الأحزاب الدينية بزيارة قد يعتبرها البعض لاحقا تغطية لسرقة يقوم بها كوادر من "حزب الدعوة "حزبه للآثار السومرية!؟، وهو ماحدث في الماضي القريب ووجه اصبع الاتهام إلى رموز في دولة القانون!؟، أم تراه سعيا إلى فرض سيطرة الحزب الحاكم على مردودات أور في حال نشطت السياحة الدينية في المستقبل!؟، تحت عناوين الموارد الشرعية التي ذكرها الفقه الشيعي في المسائل العملية في حدود النصف، بينها فرض الخمس على جميع المكاسب والأرباح بالإضافة إلى الفيء والغنائم وحق الامام وغيرها كثير!؟

في الواقع تأتي الزيارة لبناء حسينية تضاف إلى حسينيتين يرعاهما الناصري وأبوه آية الله للاكثار من التابعين والمريدين!، بعدما انخفضت أعداد المصلين في خطبة الجمعة، نتيجة لتصاعد وتائر الفساد في الحكومة المحلية التي لم تعد تنفع معها الأدعية والنذور والخطب وثنائية الحلال والحرام!، وتخفف من غلواء المواطنين بعد تفشي الفساد، وامتصاص العديد من مشاريع الاعمار (الصحيحة والوهمية) خزينة ذي قار ولم ينفذ منها إلا القليل!، وبذلك يكون الاسلام السياسي في الناصرية، بما للشيخين من سيطرة على مجلس ذي قار، ناهيك بالكلمة الفصل في أمور المواطنين الدينية والدنيوية، في المدينة المقهورة بالأحزاب الدينية الرجعية، مهد لزحف أحد رموزها إلى مدينة أثرية لبسط النفوذ عليها وإسباغ ثوب الدين والطائفة، وعلى ماذا : على أثر عراقي شاخص سبق الاسلام بآلاف السنين!، وسجلت الدولة العراقية عائديته إلى شعب ذي قار والعراق لاحزب الدعوة الظلامي، باعتباره - أي الأثر- رمزا تأريخيا وأحد أهم مكونات الهوية الوطنية العراقية.

لم يأت الناصري لاستذكار تأريخ الفراتيين الأوائل الذين سبقوا السومريين والأقوام السامية، أو إعادة قراءة تأريخ الملك أوتو حيكال باعلان عصيانه على القبائل وتوحيد بلاد سومر، وكم نحن بحاجة إلى توحيد صف العراقيين وكلمتهم وارادتهم، أو استحضار عظمة المصلح أور نمو موحد المدن السومرية، وباني الزقورة لعبادة الهة القمر اينانا سنة 2100 قبل الميلاد، لم يأت الناصري لالقاء محاضرة على مرشدين سياحيين من الناصرية مثلا، واصفا لهم السور المحصن الثاني المحيط بالمجمع الديني أو سلالم الزقورة الثلاثة المؤلفة من مئة درجة لكل واحدة منها، أو على الأقل - باعتبار أن الناصري رجل دين - كان بامكانه أن يصف كيف تطورت الشعائر الدينية وطقوس العبادة السومرية، لتصبح أكثر مرونة واستيعابا لفقه الواقع السومري، وتستوعب الفي سنة من الأحداث المريرة التي مرت بها سومر، لكنه جاء ليبني حسينية ويفرض سلطة دينية لحساب طائفته وحزبه وتقوية لمكانة شخصه في ذي قار وبغداد!

إن على الأحزاب الدينية في الناصرية، أن تبعد آثار ذي قار كلها وليس فقط مدينة أور الأثرية عن صراعاتها ومؤامراتها، وعدم السعي لتحويلها إلى مدينة متنازعة الأديان، كما حصل في مدن أخرى. وتأتي دعوة إمام جمعة الناصرية لبناء "مسجد" في مدينة أور، ونيته في مفاتحة الأوقاف في سياق زحف الاسلام السياسي على معالم العراق الثقافية والحضارية وطمس هويته، التي تشكل سومر وآكاد إحدى مكوناتها الوطنية.
ليقف ابناء ذي قار ونخبها الثقافية والسياسية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام الحر الوطني بوجه هذه الدعوة وشجبها واستنكارها.
 

3/12/2010
 

 

free web counter