| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الجمعة 3/9/ 2010



كلمات -327-

انسحاب المحتل وحطام العراق!

طارق حربي

أعلن الرئيس الأمريكي أوباما يوم الثلاثاء الماضي، في خطاب مباشر وجهه إلى الشعب الأمريكي، انهاء المهمات القتالية للقوات الأمريكية في العراق، نهاية عملية حرية العراق : "أعلن هذه الليلة أن المهمّات القتالية في العراق قد انتهت. إن عملية حرية العراق قد انتهت، وأن الشعب العراقي قد تولى الآن مسؤولية الأمن لبلدهم. لقد كان هذا التزامي مع الشعب الأميركي كمترشح لتولي هذا المنصب. لقد أعلنت في شهر فبراير الماضي عن مخطط يسمح بسحب وحداتنا المقاتلة خارج العراق، في حين نضاعف جهودنا لتعزيز القوات الأمنية العراقية ودعم حكومته وشعبه. هذا ما قمنا به، لقد سحبنا قرابة 100 ألف جندي أميركي من العراق، وأغلقنا أو حوّلنا المئات من القواعد للعراقيين، ونقلنا الملايين من قطع السلاح خارج العراق".
واضاف " إنهاء هذه الحرب ليس فقط في مصلحة العراق لوحده، إنه في مصلحتنا الخاصة. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا لوضع مستقبل العراق في أيدي شعبه. لقد أرسلنا شبابنا وشاباتِنا لأجل القيام بتضحيات هائلة في العراق، وصرفنا موارد ضخمة في الخارج في وقت كنا في الوطن نعيش شحا في الميزانية. لقد ثابرنا بسبب إيماننا بأننا نتقاسم مع الشعب العراقي الاعتقاد بأنه من رماد الحرب قد تولد بداية جديدة في مهد الحضارة. وعبر هذه الصفحات المشرقة من تاريخ الولايات المتحدة والعراق، لقد تحملنا مسؤولياتِنا، والآن، لقد حان وقت طي هذه الصفحة."
اجتازت آخر الفرق القتالية الأمريكية الحدود باتجاه الكويت، بعد أكثر من سبعة أعوام على احتلال العراق في آذار مارس 2003، وذلك بموجب الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الولايات المتحدة والعراق في 13 كانون الأول / ديسمبر 2008، القاضية بانسحاب آخر جندي أمريكي من العراق بحلول نهاية العام 2011، وكانت القوات الأمريكية انسحبت من المدن العراقية في 30/6/2009 ، تمهيدا لانسحاب القوات القتالية في نهاية شهر آب / أغسطس من العام الحالي!
انتهت عملية حرية العراق لاكما كان يأمله هذا البلد المثخن بالجراح، بل كما تفهمها الولايات المتحدة ونفذتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ورضا حلفائها الاقليميين والدوليين عنها، أوفى الرئيس أوباما بتعهداته أمام ناخبيه الأمريكيين بانهاء الحرب وسحب القوات، والنهوض بالاقتصاد الأمريكي المتراجع، وخطوة سحب القوات تأتي ضمن هذا السياق!؟
لكن ماذا عن العراق وماهي مصالحه وأين هي الوعود التي قطعت لشعبه وماذا أفاد من تجربة السبع سنوات الماضية!؟
لقد ترك العراق محطما ولم تفي الولايات المتحدة بوعودها له، واستحقاقات مابعد الحرب باعتبارها دولة محتلة، ومارسمته للعراقيين من امكانية بناء دولة ديمقراطية، تنعم بالأمن والسلام والرفاهية.
مئات الألوف من الضحايا من العراقيين والأمريكيين وإنفاق مئات المليارات من الدولارات، لتنتهي الحرب بملف أمني هش ومخترق، عنصر المبادأة فيه بيد الارهاب وحواضنه الاقليمية، التي تتعاطى معها الولايات المتحدة حفاضا على مصالحها وشراكتها، وسلم أمر العراق ليد ساسة طائفيين وقوميين لايفهمون في إدارة البلد ولا في السياسة الدولية.
لقد دعمتم شركاءكم من الأحزاب والكتل الدينية فيما عداؤكم التأريخي للشعب العراقي بقي كما هو في عهد تلميذكم الأول!، غضضتم النظر عن كل مايقوم به الاسلام السياسي في العراق، من انتهاك لحقوق الانسان وتخلفه ونهب ثرواته وتدهور خدماته، لأن أشد ماتخشونه هو النظام الاسلامي لاالنظام الطائفي!، وتحالفتم مع النسخة السيئة منه التي حكمت العراق برعايتكم، لا المواطن الذي هو أساس بناء مؤسسات الدولة المدنية، تحالفتم مع الفاسدين والأفاقين لا مع روح المواطنة، لأنكم تدركون أنها لو نهضت من رقدتها وخوفها المزمن، وكان المقبور ألجأها إليه عبر عقود من حكم الحديد والنار، وغيرت بوصلتها من المسير إلى الأضرحة المقدسة في المناسبات الدينية إلى المنطقة الخضراء، مثل سائر الثورات الشعبية في التأريخ، فخلعت أعمدتها وهزت عروشها وهزمت طغاتها، لجعلتكم تعيدون حساباتكم الاستراتيجية وتتفاوضون معها وتستمعون إلى مطاليبها العادلة.
في الواقع إن حرية العراق المزعومة جلبت الويل والدمار للعراقيين والعراق، ولم تعد كما وصفتها الادارة الأمريكية ووعدت بها الشعب العراقي بالمنِّ والسّلوى!، فلم تقم مؤسسة ديمقراطية حقيقية لكن مؤسسات الدولة الدينية، هدر جزء عزيز من ثرواتنا الوطنية على تعزيزها وإدامتها، ودوخت العراقيين بتكرار المناسبات الدينية لإماتة قلوبهم كي يعيشوا في الماضي، فلا يتمكنوا من النهوض انتصارا لحياتهم ومستقبل أجيالهم، ولم تكن هنالك خطوات عملية وملموسة تخلص العراق من ثقل الماضي البعثي ومآسيه، وفيما شُرعت الحدود لكل غاز لأرض العراق وطامع في ثرواته، تُرك نهبا لأجهزة المخابرات الدولية والعربية لتصفية حساباتها، سواء مع الشعب العراقي عامة عبر العمليات الارهابية، أو مع كفاءاته على خلفية عهد دكتاتوري صاخب بالدم والمآسي!
لقد تُرك العراقيون لمصير مؤلم وتعيس بعدما خاب أملهم في التغيير الذي أرادوه بأيديهم سنة 2003، نعم لقد انسحب جيش الاحتلال وترك العراق لأهله ولكن بأي معنى!!؟
في الحقيقة ترك للكتل السياسية التي يفصلها عن أهل العراق فاصل عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والتأريخية، ترك للفاسدين والمتأسلمين وسراق المال العام، ومن جعل طائفته وقوميته بديلا عن هويته الوطنية، ومن نفذ أجندات الدول الاقليمية من بعثيين وطائفيين ومنتفعين ونهازي فرص وغيرهم، مازالوا بعد أكثر من خمسة أشهر من اجراء انتخابات تشريعية نزيهة في 7 آذار الماضي، يتخاصمون على المناصب في السلطة التنفيذية خاصة، وتدهورت الخدمات حتى البسيط منها التي تشعر العراقي بآدميته : رفع النفايات وتحسين واقع الكهرباء وسواها، حتى إذا طفح كيل المواطنين في موجات الحر التي تذيب الحديد في الصيف، وخرجوا بتظاهرة عفوية هزت عروش الظالمين في الناصرية والبصرة أو كادت، خرج علينا حديث نعمة من جبابرة الاسلام السياسي، وصنف المتظاهرين حسب هواه الطائفي : هذا بعثي وذاك وهابي !!، وتلك التظاهرة مدعومة من جهات خارجية إمبريالية صهيونية، وغير ذلك من الافتراءات والأكاذيب !
لقد أوقعت السياسة الأمريكية الخاطئة في عدم تفهمها لأوضاع العراقيين والعراق، وبيئته وتأريخه وحضارته ورسم مستقبله، أوقعت الفرقة بين الشعب بعدما عززت سياسة المحاصصة الطائفية والقومية التي سنّتها في عهد بريمر، ومايزال خطأها جسيما ومؤثرا في العملية السياسية !
نعم انسحب المحتل أو أعاد انتشار قواته لكنه يوم مشهود أزيح فيه الأجنبي عن بلادنا، لكن ترك دولة ضعيفة لاتكتشف حزاما ناسفا قبل وقوع عملية ارهابية، ولاقدرة لها على رد بئر نفطي مغتصب، أو تصريح شجاع في وسائل الاعلام لذر الرماد في العيون!، دولة لاتحمي متطوعيها بباب وزارة الدفاع القديم بباب المعظم، شوارعها مسرح لعمليات الجماعات المسلحة، ومواطنوها جاهزون لموت لايعرفون من أين يأتي!؟، وفيما يتبارى الساسة في تصريحات متضاربة حول كفاءة واستعداد الأجهزة الأمنية، تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن بعد انسحاب القوات المحتلة، كل حسبما يمليه عليه حزبه أو ضغط دول الجوار أو اجتهاده الشخصي غير المستند إلى معلومات استخبارية، يضرب الارهاب سبعة أو عشرة مدن عراقية خلال نهار واحد، نعم ترك الاحتلال عراقا مكبلا ببند سابع لاحول له ولاقوة، تتحكم بمصيره حتى إمارة صغيرة لايحسب لها حساب في ميزان القوى الاقليمية مثل الكويت، هذه الإمارة التي (لاتهش ولاتنش) لم توافق على خروج العراق من البند المشؤوم، والتخلي عن عبثها بمصيره وإطفاء ديونها وخفض سقف مطاليبها !
إن قول أوباما بأن الولايات المتحدة (تتقاسم مع الشعب العراقي الاعتقاد بأنه من رماد الحرب قد تولد بداية جديدة في مهد الحضارة) مجرد كلام جرايد!، وفهم لايستند إلى فقه الواقع العراقي بكل تلويناته ومتطلباته في بناء الدولة العصرية، في الحقيقة أن الولايات المتحدة لم تبقي رماد الحرب كما هو بل زادته أضعافا مضاعفة، فاحتلالها للعراق لم يفعل شيئا غير إزالة الهدف الاستراتيجي بعدما احترقت ورقته دوليا وإقليميا، فيما أبقت خلال اتخاذها سلسلة من السياسات الخاطئة كل شيء على حاله، وسلمت العراق عليلا إلى إيران على طاولة المفاوضات، وإلى أحزابها العاملة على الساحة العراقية التي عملت معها على تدمير ماتبقى من العراق.
خسرت الولايات المتحدة الكثير من سمعتها الدولية بعد احتلال العراق وتدميره، وتسيير نموذج (الرامبو) الأمريكي في شوراعه، ولم تكن مهمته إعادة اعمار العراق الذي دمرته بل القتل ولاشيء غير القتل!، خسرت بسبب عدم معرفتها لطبيعة الشعب العراقي الكثير من الهيبة، ومثلما جرأ على النظام السياسي التي تركته ضعيفا، فلولَ الارهاب وأخذ يشيع القتل في كل أرجاء العراق، جرأت عليها إيران في الكثير من المناسبات وطالبتها بالانسحاب الكامل من العراق، وآخرها ماأدلى به المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمن باراست، في تصريحه الصحفي الأسبوعي يوم الثلاثاء الماضي، قائلا : إن بقاء تلك القوات يظهر أن الأميركيين لم يتخذوا إجراءات جدية لسحب قواتهم من العراق، كما تجرأ على الدولة العظمى مواطنون عراقيون جلبتهم الطائفية من مهاجرهم إلى حكم العراق : باعة خردة وخضر وفواكه، تجار فاشلون استثمروا في السياسة العراقية، مطلوبون للشرطة الدنماركية لاستلامهم أكثر من راتب شهري، تزويرهم وكذبهم على دوائر الضمان الاجتماعي فيما هم أعضاء في البرلمان العراقي!، إضافة إلى كسبة وعاطلين عن العمل وبسطاء ولصوص محترفين، وغيرهم من أنحاء العالم المتفرقة، ممن سلطتهم الولايات المتحدة على رقاب العراقيين بعد التغيير!
وبعد ذلك من يصدق قول أوباما (لقد حارب جنودنا من شارع إلى آخر من أجل مساعدة العراق على انتهاز الفرصة لتحقيق مستقبل أفضل) ..!!؟
أي مستقبل أفضل في ظل تدهور الملف الأمني وخرق الدستور واستعصاء تشكيل حكومة جديدة وحكومة انتهت ولايتها وأصبحت برسم الماضي ورئيس وزراء مستبد لايتزحزح عن المنصب وارتفاع مستويات الفقر والبطالة وتسكع الشباب العراقي في الشوارع والتدهور الاقتصادي ونشوء طبقة من الفاسدين الذين سرقوا ثروات البلاد والعباد وانفتاح الحدود أمام نهش الدول الاقليمية في جسد العراق المثخن بالجراح و و و و و!؟
إن على العراقيين أن يمتلكوا إرادتهم بأيديهم ويلتفتوا إلى حالهم ويقرروا مصيرهم بتغيير مسيراتهم المليونية إلى المنطقة الخضراء وقلع الفاسدين وهز عروشهم الخاوية وهو آخر الحلول التي يمكن أن تعيد للشعب العراقي كرامته وحريته وأمنه وثرواته المهدورة!
 


2/9/2010
 

 

free web counter