| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الخميس 2/10/ 2008



كلمات -217-

اليعقوبي مرجع ديني أم سياسي أم نفطي!؟
 

طارق حربي

يعيد المرجع اليعقوبي في خطبتيّ العيد إلى الأذهان قضية انتظار ظهور الحجة (عقيدة موجودة في جميع الأديان السماوية)، والاستعداد لليوم الموعود، وقضية الإفطار في شهر رمضان والمبلغين (الجيش الانكشاري في العراق الجديد) وواجبهم الرسالي، جاء خطاب اليعقوبي إلى شعب فك ارتباطه بالدولة منذ عشرات السنين والتحق بالمرجعيات مع شديد الأسف، وهاهم الكثير من العراقيين اليوم يقلدون المراجع (الأربعة العظام!) في النجف وغيرهم في لبنان وإيران، خطاب يعقوبي إلى (شعب مؤمن!) تنازل عن الحياة وحبها والتلذذ بها مثل عباد الله، دفع كل فواتيره وارتاح وهاهو ينتظر الغيبيات والماورائيات، ولا يحتاج إلا إلى الشحن الطائفي خلال المناسبات الدينية، التي طغت على المناسبات الوطنية بعد التغيير!
ففيما يتعلق بانتظار اليوم الموعود يقول اليعقوبي :" إن الانتظار حالة إيجابية وهو يستبطن عملياً معنى الاستعداد ولو لم يكن كذلك لما حظي بالمنزلة الرفيعة في الأحاديث الشريفة "
ويعطي مثالين في الانتظار الايجابي لظهور الحجة قائد العدل الألهي، الأول هو استعداد الطالب لأداء الامتحان ومساعدة أهله له، أما الثاني فهو انتظار دولة الصين واستنفار مؤسساتها الحكومية لإقامة فعالية ضخمة مثل دورة الألعاب الأولمبية!
إن ظاهرة مخاطبة المراجع (الأربعة العظام!) للشعب العراقي وكأنه قطيع، ظاهرة مرفوضة جملة وتفصيلا، وتزهيد الشعب بالحياة التي يصفها الدين بالدنيا لتحقيرها، تأميله بالماورائيات والمزايدة من قبل المراجع على كيفية الاستعداد الروحي للظهور، والتشديد على ترك الفهم الخاطىء لآلياته وتمظهراته، هذه كلها تبدو في نسق الدوغمائية الدينية وكأن العراق يعود القهقرى، وهو في واقع الأمر يعود منفصلا عن المؤسسات الدستورية والديمقراطية التي تركت مواقعها لصالح الخطاب الديني، إن تعزيز حالة الاستقطاب بين الدولة والمرجعية عبر الخطبة الدينية في الجمعة والمناسبات، ليست وليدة اليوم بل تراكمت مما قبل مرحلة تأسيس الدولة العراقية، حتى لتبدو الحياة التي منحها الله للبشر مرة واحدة للتمتع بها وبلذائها، وقد أصبحت بلا معنى وبالتالي لايجب أن تعاش بل إن النعيم في الحياة الآخرة، وهاهو اليعقوبي يزهّد الناس ويذكرهم بيوم الاستعداد الكوني لينجذب الناس ويصرخون كما (كان المتعبدون يصرخون وينجذبون في معابد ديونيزوس من قبل) ونحن على مشارف العيد السعيد!، حيث كان يفترض بالرجل أن يصبّح على العراقيين معيّدا إياهم بالوان القوس قزح ويخرجهم من دخان المفخخات واستعصاء العملية السياسية، لكنه أبى إلا أن يجعل الحياة الحلوة برمتها في أسعد ايام العراقيين، وكأنها في المنظور الشيعي ينظر إليها من خرم إبرة في زمان أغبر، وأن الجميع نفذ ما بذمته للحياة الدنيا التي ينبذها الدين ويدعو إلى تركها طلبا لثواب الآخرة، وهاهم شيعة العراق غير منشغلين بالحياة حتى لو جاعوا وسرقت ثرواتهم أمام أعينهم وقضوا هم وأطفالهم بوباء منقرض مثل الكوليرا، لكنهم على أتم الاستعداد لظهور المهدي وملاقاته ليكونوا في طليعة جنوده، يجري هذا في وقت تتهم فيه الصحافة والعديد من الشخصيات وفعاليات المجتمع المدني، أعضاء من حزب الفضيلة (مرجعهم اليعقوبي) بسرقة النفط وتهريبه في البصرة، واطلع العراقيون قبل فترة قصيرة على فضيحة شقيق محافظ البصرة وهروبه إلى الكويت بملايين النفط المسروقة، بمساعدة ضباط كويتيين وتحت غطاء من مباركة اليعقوبي نفسه في خطبه وفتاواه، إنه دليل قاطع على سعيه إلى تنويم العراقيين كما أمرهم بذلك عمار الحكيم في خطبه المتعددة حول ظهور الحجة، فاتحين أوسع الأبواب للمافيات الدينية بسرقة النفط وقبل ذلك قاما بتزوير الانتخابات الماضية في أنحاء مختلفة من الوسط والجنوب.

في الخطبة الثانية لليعقوبي ناقش "ظاهرة كثرة المفطرين والتجاهر بالإفطار من دون رادع أو عقوبة في حالة غير مسبوقة حتى في أيام الطاغية المقبور صدام على ما قيل" وهذا هو عين التضييق على الحريات الشخصية واستفراد (المراجع العظام!) بالشعب العراقي، بعد الفراغ الحكومي الذي تلا التغيير، أي بعدما أخلت مواقعها لهم مؤسسات الدولة وتراجعت عن واجباتها الأخلاقية والانسانية بصون حرية مواطنيها وفرديتهم، ولاينقص الأمر غير تأهيل لجان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في شوارع العراق وأزقته على طريقة المطاوعة والإخوان السعوديين الذين قام على قمعهم للناس كيان المملكة العربية السعودية سنة 1932 ، وكنت شاهدت جزءا من ممارساتهم الطقوسية في جدة سنة 1992 بِسَوقِ المارة في الشوارع لأداء فريضة الصلاة بالإكراه، إن مخاطبة الشعب العراقي كقطيع لحساب المرجع وحاشيته المستفيدة من الفراغ الحكومي يحتاج إلى وقفة بل إلى وقفات طويلة من قبل العراقيين أنفسهم، إذ ليس كلهم مؤهلون للصيام ولاإكراه في الدين، حيث يوجد الكثير من المواطنين ممن لم يقدروا على أداء الفرائض الدينية كالصيام أو لايعجبهم الدين أصلا أو شهر رمضان وبقية الطقوس الشيعية ويكفي مراءة ونفاقا!

ثم أن المراجع أنفسهم لم يتفقوا على تحديد نهاية شهر رمضان وإعلان أول أيام عيد الفطر، فقسمت أنانيتهم الشعب العراقي بدل أن يجمعوه في هذه المناسبة التي حتى أصحاب الديانات الأخرى في بغداد خاصة يحتفلون بها مع المسلمين، فقد أفطر أتباع المرجع فضل الله (لماذا يتبع العراقيون معمما لبنانيا!؟) يوم الثلاثاء مع السنّة واعتبروه أول أيام عيد الفطر، وغالبية هؤلاء هم من حزب الدعوة الذين اتخذوا من فضل الله مقلدا وفقيها لحزبهم، وأفطر غالبية شيعة العراق من مقلدي الحائري والخوئي والخامنئي يوم أمس الأربعاء، فيما بقي مقلدو السيستاني بانتظار إكمال عدة شهر رمضان وهو يوم أمس لكي يعيّدوا اليوم الخميس، وجاء دور الشيخ الألمعي علي النجفي نجل المرجع الديني الشيخ بشير النجفي ليزيد الطين بله حيث قال (إن الاختلاف الذي حصل بين مراجع الدين الشيعية هو اختلاف فقهي وليس مثل ما فهمه البعض اختلاف بين المرجعيات مضيفا إن «الاختلاف هو في مسألة شرعية حالها حال كل المسائل الشرعية الأخرى وقد حاولنا جاهدين في جعل العيد لعامة المسلمين في يوم واحد لكن الآراء الفقهية والغيوم حالت دون ذلك».]
ويبدو مولانه النجفي (دام ظله) أن الشيعة تحت مرجعيته الرشيدة سيبقون يعيشون على الطاقة الشمسية إلى يوم يبعثون!!

وكانت المرجعية الدينية في السابق تطلق صفتيّ عيد الحكومة وعيد الشيعة، لأن كل حكومة سنية حسب اعتقاد أغلبية شيعة العراق، إنما هي وريثة الدولة العثمانية التي أذاقتهم مرارة العيش وعانوا من استبدادها، فانكفأ الشيعة خلال القرون الماضية على أنفسهم لاتخاذ موقف من الحاكم المستبد وعزله، لكن الأمر اختلف بعد التغيير ونحن نعيش اليوم العهد الأمريكي لاالبريطاني والشيعة أنفسهم اصبحوا حكام البلد، فلماذا هذا الإختلاف الذي انعكس على العائلة الواحدة والشعب الواحد وصارت لدينا ثلاثة أعياد بدل الواحد، لاتعجب أخي القارىء الكريم أن ترى أحد أفراد العائلة العراقية يفطر ويعيّد فيما البقية ينتظرون فرج المراجع (الأربعة العظام!)!؟

وينظّر اليعقوبي لتكريس المزيد من الغيبيات ويخاطب القطيع حسب أيديولوجيا قروسطية ويقول :
" عدم ارتقاء مستوى التبليغ والتوعية بأمور الدين إلى ما يناسب التحديات المتصاعدة والقوية والمنوعة لا من حيث الخطاب ولا من حيث الآليات ولا من حيث القدرات الذاتية والمؤسساتية" إن التحديات التي يواجهها شعبنا وهو في الشدة العظمى لاتحتاج إلى دين ومراجع وعمائم، بل إلى عقل سياسي استراتيجي دؤوب ومنظم ومنفتح على المتغيرات السياسية الدولية وفهم عميق لاستحقاقات مابعد التغيير وتوصيفات العراق الجديد في خارطة السياسة العالمية بمعنى الخروج من صومعات الخطاب الديني والدخول في دولة المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، فالمراجع مكانهم الحوزات والحسينيات والوعظ الديني وخطبة الجمعة والمقلدون يشبعون حاجاتهم الروحية والوجدانية وانتهى الأمر ليبقى المسلم هو وربه وهذه قضية شخصية لكن عليه أن لاينام تحت تأثير الخطبة بل يلتفت ويعيش مثل مواطني الدول النفطية المرفهين، أما السياسيون فلهم المجال الحيوي الذي يتحركون خلاله ويخططون لخدمة البلد الذي تداخلت فيه السلطتان الروحية والزمنية وعليهم العمل على فصل الخطابين وفك الارتباط، فالحكيم وبنسق بطرياريكي يعتبر نفسه الأب الروحي للشيعة في الجنوب وكأنه ولدهم جميعا من صلبه!، لكنه وأولاده يمارسون الحكم ويستثمرون أموالهم من السحت الحرام وميزانية مؤسسة شهيد المحراب اليوم فاضت فيها أرقام فلكية مغتصبة من قوت الشعب العراقي وتستثمر لجيش إنكشاري وعمليات خيرية تعود بالنفع لا للصالح العام بل لتقوية النفوذ الحكيمي عبر عمليات الزواج الجماعي ومهرجانات الشعر الشعبي التي تمجد الحكيم وليس الدولة ومستقبل العراق والأجيال، ولعل الخطبتين اليعقوبيتين تأتيان ضمن نسق الصراع الشيعي المحموم للاستحواذ على النفط وسرقته من قبل حزبه مايعني الوقوف ضد مشروع المجلس الأعلى وكان اليعقوبي طالب سابقا بوزارة النفط لحزب الفضيلة لكي يستثمره لصالح تقوية الفضيلة لتقويض مشروع بارونات آل الحكيم، إن القدرات الذاتية والمؤسساتية التي يقول بها اليعقوبي يجب أن تصب في خدمة العراق ومستقبل أجياله وتبقى قضية الدين روحية وشخصية بعيدة عن قيمة المواطنة التي يجب أن تسجل برقم شخصي في المؤسسات ذات العلاقة كما هو معمول به في الغرب والخليج لأن العراق الجديد هو دولة حقوق كما هو منصوص عليه في الدستور.
إن تحديث الخطاب الديني لدى اليعقوبي يصطدم بتطلعات الشعب العراقي في الحرية والانعتاق ووصون الحريات الشخصية والفردية فالدين لايبني مواطنا قويا ومتحررا من العقد التي أرسته عليها مئات السنين من الفقه والغزوات والحروب والخطاب اللغوي وكلها تجر المجتمع العراقي إلى الوراء فيخلو الجو للمفسدين بتنظيرات المراجع فيبيضوا ويصفروا..إن العراق الجديد يطرح استحقاقات لاينبغي على الدين والطائفة معاقبة الناس لأنهم مفطرون وكأنه حتمٌ على الجميع أداء واجب الصيام!!، فهنالك حالات كثيرة في المجتمع العراقي : المريض وصاحب المزاج وممن لم يعجبهم الصيام ولاالدين فلاداعي للتضييق على الحريات الفردية، وعلى العراقيين الانشغال بحياتهم الدنيا والاستغراق بالعيش الكريم والاستملاح بملذاته بعد عقود الحرمان وعدم الاصغاء إلى سفاسف اليعقوبي وغيره، إن التثقيف بالاسلام والطائفية وتذكير العراقيين بظهور الحجة وانتظار اليوم الموعود وتكريس الغيبيات وإعادة تمثيل الطقوس الدينية لهي أكثر مما يميت قلوب العراقيين الحية الشغوفة للمعرفة والعودة إلى الحياة السوية بعد عقود طويلة من حكم الاستبداد وخمس سنوات بعد التغيير أكل فيها العراقيون الحصرم وماتوا بالكوليرا والقتل ونهبت أموالهم بالفساد المالي والإداري والحب على الجرار..

 

2/10/2008

 

free web counter