| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الخميس 29/1/ 2009



كلمات -236-

دموع حرّى على قبر الصديق أمير الدراجي

طارق حربي

شاهدت الفقيد أمير الدراجي مرتين أو ثلاثة في الناصرية أوائل السبعينات من القرن الماضي، كان يكبرني بنحو عقد (هو من مواليد 1984)، فتى وسيم و(إبن ولاية)، والده داود الدراجي رحمه الله كان خياطا معروفا في (القيصرية)، مختصا بخياطة ملابس العسكريين، عائلته طيبة ومعروفة تقيم في منطقة الاسكان.
هاجر الفقيد إلى سوريا فلبنان (صيدا) ملتحقا بالعمل الفدائي مع المقاومة الفلسطينية، وكان منظرا ومقاتلا غادر الناصرية التي ماتزال تنتج المفكرين والثوار والمتمردين والفنانين، ملتحقا من ضمن جماعات كانت متحمسة للعمل الثوري، والعالم العربي مايزال حينذاك يعيش مرحلة المد القومي الناصري والرومانسية الثورية، وكانت أعداد غير قليلة من أهالي محافظة ذ ي قار خاصة والعراق عامة، التحقت بالعمل الفدائي، فتزوجوا هناك ومنهم من قام بعمليات فدائية جريئة خلدها التاريخ في عقر دار إسرائيل.
أصيب خلال اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان سنة 1982 برجله ويده وأجزاء من جسمه، في نفس المعركة التي أصيب فيها إبن مدينته الناصرية علي طاهر محسن، الذي سفح هو الآخر قبل ساعتين دموعا حرى على قبر الفقيد، علي صديق الطفولة في شارع الحبوبي وإبن مدرستي قرطبة الابتدائية للبنين تأسست سنة 1961، قبل أن نكبر قليلا، ويتفرق الشمل لتأخذنا في نزهات حروب الشرق الأوسط، المخطط لها في الدوائر الاستعمارية منذ عشرات السنين، وكانت أبشعها على الاطلاق الحرب العراقية الايرانية، التي أبادت أجيالا من الشباب العراقيين، وجريمة ضياع فلسطين واجتياح لبنان سنة (1982) في أعقاب الحرب الأهلية التي بدأت سنة 1974، وعاش السومري الأمير فصولا مرعبة فيها، وكان تزوج من سيدة فلسطينية وعاشا معا في مخيمات لبنان وأنجبا ثلاث بنات (رحيل وبغداد والموصل)، قبل أن يحصل على حق اللجوء السياسي في النرويج سنة 1999، ليقيم مع عائلته في مدينة (KONGSVINGER) وتعني في اللغة النروجية أجنحة الملك، وتقع غرب العاصمة أوسلو بمسافة ساعة ونصف بالسيارة.
حدثني هنا في أوسلو عن بعض صفحات آلامه في العمل مع الفصائل الفسطينية، كان يتكلم بمرارة عن تلك الأيام الذي باع فيها الحكام العرب مستقبل شعوبهم، لينكسر حلم الانسان العربي الذي جسد الثوار - وفقيدنا أحدهم- طليعته.
أمير إبن الناصرية السومري الشجاع، والمثقف العضوي الذي تجاوز بفكره الراقي ومواقفه، آلام شعبه - على عظمها - إلى آلام الانسانية الكونية وجرحها النازف (فلسطين)، هذا المناضل الثوري الذي أبى أن يكتب إلى الحكومة العراقية عن مرضه العضال، الذي أنهكه في الفترة الأخيرة، ترك الكثير من الكتابات المؤثرة المعمدة بتجارب ثورية ودراماتيكية، التي يصعب فهمها أحيانا، لاشتغالها على مناطق بعيدة في المخيال الثوري والتجارب الحية النابضة، وكان شاهدا على حقبة زمنية، مازالت آثارها سارية سواء في أجساد شهدائها الأحياء أو على صعيد الكتابة والتوثيق والسرديات.
كانت المقبرة مغطاة بالثلوج الذي انقطع عن أوسلو منذ يومين، وتقع بين التلال في ظاهر مدينة أجنحة الملك، وكان العالم أبيض مثل قلب أمير الدراجي، أجهشت إبنته الكبيرة رحيل (20 سنة) بالبكاء وذرفنا دموعا حرى، وارينا الثرى آخر فصول الحكاية الدراجية من الناصرية إلى المدينة النائية، من هذا العالم الحائر أمام لغز الموت وجبروته، وأجهش علي طاهر في البكاء، وفيما قرفصنا نقرأ سورة الفاتحة تناول الصديق علي قبضة تراب لينة، فركها بحرقة وألم بالغين وانتحب : آه ياأبو جودت الناصرية تريدك..ياأبو جودت الناصرية تريدك، في إشارة واضحة إلى رحيل فقيدنا وهو في المنفى البارد، بعيدا عن الناصرية التي أحبها واحبته، رحيل غربة متصل، وأيضا إهمال الحكومة العراقية لمثقفي البلد ومبدعيه ومفكريه، لأنه لم يكن يوما إبن أو حزب أو محاصصة طائفية، بل زهد بها كلها ورحل، فيما حملت روحه الطاهرة أجنحة ملائكة بيضاء إلى عالم بعيد.
 


27.1.2009
 









 

free web counter