| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

                                                                                    الأثنين 28/2/ 2011



كلمات -361-

درس شباط العراقي

طارق حربي

خرجت الجماهير العراقية يوم الجمعة الماضية (25 شباط) في تظاهرات سلمية هزت العديد من المدن العراقية، مطالبة بمكافحة الفساد وتوفير الخدمات والقضاء على البطالة وغيرها، وواجهت الأجهزة الأمنية تلك التظاهرات ووجهت رصاصها الحي إلى صدور المتظاهرين، فسقط الكثير من الشهداء والجرحى في بغداد والبصرة والموصل والديوانية والأنبار والناصرية وغيرها.
برأيي فقد سقطت شرعية حكومة المالكي وأصبحت بيد الجماهير العراقية، التي قررت إدامة الزخم بالمظاهرات السلمية، حتى تحقيق مطالب الشعب كاملة، ومن جهة ثانية رأينا كيف سقطت الكثير من الأقنعة المزيفة وبرزت اصطفافات في المشهد السياسي، وأخذت تتشكل ملامح جديدة لمرحلة مابعد 25 شباط .

فما الذي كشفت عنه الانتفاضة وماهي دروسها المستقبلية!!؟
1- جمعة الغضب هي أولى مخاضات تأكيد الهوية الوطنية ووثوب الروح العراقية، فقد تعودت الحكومة على مشاهدة المسيرات المليونية إلى الأضرحة المقدسة في المواسم الدينية، وهي المنسجمة مع خطاب أحزاب الاسلام السياسي التي تتشكل منها أغلبية الحكومة والبرلمان، وليس تظاهرات مطلبية تهز العراق من أقصاه إلى أقصاه، الأمر الذي أربك حسابات الحكومة ووصلت طلبات رئيسها ودعوته إلى العراقيين بعدم الخروج يوم الجمعة، إلى درجة التوسل !

2- تهديد المالكي للشعب العراقي أمر معيب ووصفه للتظاهرات بأنها بعثية لايستقيم مع نضالات الشعب ومعاناته تحت الحكم الدكتاتوري وروحه الشبابية الحية، التي انطلقت لتعبر عن تردي الأوضاع والفساد والتحاصص ومطالبة بالتغيير.

3- اصطفاف معظم المرجعيات الدينية مع الحكومة ضد مصلحة الشعب العراقي مفهوم ومتوقع، لأنهم جميعا في سفينة واحدة إن غرقت غرقوا جميعا في خضم البحر العراقي الهائج الغاضب، الذي فاضت أمواجه على كل المدن العراقية وأسقط محافظين ومجالس محافظات وقواد شرطة وسياسيين محليين وغيرهم.

4- لم يحرك التظاهرات حزب ديني أو منظمة مجتمع مدني أو شخصية حكومية أو سياسية، كما لم ترفع فيها شعارات طائفية أو قومية أو فئوية أو مناطقية، وكانت تظاهرات عراقية رفعت اسم العراق وعلمه، ونادت بخلاصه من الطائفية السياسية وتردي الأوضاع المعاشية والخدمية والفساد، إن سبب تخوف الحكومة منها كونها تظاهرات حضارية يقودها شباب غاضب على تردي أوضاع العراق في جميع الميادين.

5- اسقطت التظاهرات أكاذيب وادعاءات حكومة المالكي بأن من يقف وراءها البعثيون والتكفيريون وأعداء التغيير، وأعلنت التظاهرات براءتها الكاملة من تلك الادعاءات الفارغة.

6- قد تكون التظاهرات التي عمت المدن العراقية تفتقر إلى التنظيم العالي والقيادات الميدانية وشابها مايشوب أي تظاهرة في العالم بمافيه العالم الغربي المتحضر، من دخول مندسين ومخربين وحدوث اعمال شغب إلى آخره، لكن هذا ليس جوهر التظاهرات المطلبية، إن تظاهرات 25 شباط كانت متقدة بالحماس وأعطت دروسا عميقة في حب العراق لا الهويات الفرعية، وأراهن على أنها ستعطي زخما لتظاهرات أكبر تسير في الجمعة القادمة (4 آذار) التي دعا إليها شباب العراق ومابعدها، وأرجح أن فئات واسعة ستلتحق بتظاهرة الجمعة بما فيهم جماهير وقواعد الأحزاب الدينية، الذين شعروا بالحرج الشديد من عدم المشاركة مع أخوتهم العراقيين في الجمعة الماضية.

7- إصدار الحكومة لقرارات حظر التجول وقطع الطرق على الملتحقين بالتظاهرات ووسائط النقل في يوم 25 شباط، دليل إرباكها وقلة حظها وانكشاف أكاذيبها أمام شعبها، وجاء قرار المنع ضد القانون والدستور الذي كفل حق التعبير عن الرأي عبر التظاهر السلمي.

8- بثت إحدى الفضائيات إطلالة نائب (مقرب من المالكي!!) يدعى "كمال الساعدي" وهو من دولة القانون، تحيط به قوات أمنية في أنقاض المطعم التركي (الطابق الرابع أو الخامس منه) بساحة التحرير ببغداد، موجها القوات بضرب المتظاهرين بما يعطي انطباعا رامبويا!، لايليق بنائب انتخبه الشعب العراقي فرد إليهم الجميل بتوجيه الرصاص الحي إلى صدور الناخبين!، وكان خليقا به عدم الظهور فمكانه ليس "المطعم التركي" بل تحت قبة البرلمان، مطالبا بحقوق الشعب المشروعة في دعم البطاقة التموينية وإيجاد فرص عمل للعاطلين والنهوض بواقع الخدمات وتحسين حياة العراقيين برمتها، ومن جهة ثانية فإني شخصيا أكره مصطلح "مقرب من المالكي" لما يثيره في نفسي من اشمئزاز وكنت انتقدته في مقال سابق، ففي النظم الديمقراطية التي تعتمد الشفافية ودولة المؤسسات، لاداعي لمقرب من رئيس الوزراء أو غيره من المسؤولين، إذا كانت الحكومة تحترم مواطنيها، فلايجوز تفضيل شخص على آخر ليدلي للاعلام بسبق صحفي أو يقوم بمهمة ما!
إنها ولاشك إحدى عيوب الطائفية السياسية !

8- إضافة إلى قيام الحكومة بمنع الاعلام الرسمي من تغطية التظاهرة، وهو ما يتنافى مع ماكفله الدستور في باب حرية التعبير، فقد كشفت جمعة الغضب عن أن بعض وسائل الاعلام (فضائيات محطات راديو صحف مواقع الكترونية) لم تكن محايدة وتقوم بنقل التظاهرات المطلبية ومعاناة الشعب العراقي .

9- قامت الأجهزة الأمنية بمصادرة اللافتات والأجهزة الصوتية، والاعتداء على المتظاهرين بالعصي الكهربائية والسكاكين والقبضات، وأطلقت الرصاص في عدد من المدن العراقية فأوقعت نحو 235 بين شهيد وجريح، وتم الاعتداء على عدد من الصحفيين بعد انتهاء التظاهرات في أحد المطاعم ببغداد، وهذا خرق واضح لحقوق الانسان في العراق وحرية الصحافة، المطلوب من الحكومة ورئيسها الاعتذار للشعب وتعويض ذوي الشهداء والجرحى، وتقديم المطلوبين الذين تسببوا بقتل العراقيين وجرحهم إلى القضاء، حتى لايتكرر الاجرام خلال التظاهرات القادمة.

10- اللافت أن أيا من الأحزاب المشاركة في الحكومة لم تبد عبر بيانات رسمية استهجانها ورفضها، لماقامت به حكومة (الشراكة الوطنية!) عبر أجهزتها القمعية من الاعتداء السافر على المتظاهرين، أكبر دلالة على أن الجميع مشترك في الجريمة أو متواطىء، لكن الجميع غارق في الفساد، والدليل على ذلك هو اختفاء ‬40 مليار دولار سنة 2010، كانت سحبت من صندوق التنمية العراقية ومصيرها مجهول لحد اليوم. وذلك ماصرح به رئيس البرلمان العراقي إسامه النجيفي يوم 22 شباط الجاري مضيفا «هي مصروفة باتجاه معين، لكن لم تظهر لدينا في الحسابات ومجلس النواب سيحقق في قانونية صرف الأموال».

25 شباط بداية تحررية ووعي وانطلاقة مغايرة في المسيرة الديمقراطية للعراق الجديد، تحتاج إلى زخم جمع أخرى للغضب والرد السلمي، حتى تحقيق مطاليب الشعب العراقي العادلة.
 

27/2/2011
 

 

free web counter