| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأربعاء 24/12/ 2008



كلمات -230-

إستخارة رئيس البرلمان العراقي!

طارق حربي

الاستخارة في اللغة تعني الدعاء والمؤمن يستخير الله أن يوقفه على الأفعال القلبية وهي طلب خير الأمرين وورد في القرآن "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (القصص/68)، وقوله: "… لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ …" (الروم/4) ولإبن طاووس الحسني كتاب أسماه : فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب، كما تؤخذ الاستخارة في الأماكن المقدسة والأضرحة تبركا وصلاة الاستخارة ركعتان وهي نظام من الإشارات والروحانيات والتعلقات يفوض فيها المسلم أمره لباريه وتؤخذ بالقرآن، وكانت جدتي رحمها الله تتبع نظام الاستخارة بالمسبحة والقرآن وتصلي ركعتين ولاتكاد تخطو خطوة واحدة دون أن تستخير ربها، ويبدو لي أن بنية العقل العراقي لاتشتغل إلا على آليات الماضي ونسقه التأريخي المرتهن إلى الدين والفقه وعلم الكلام، وماالتقليد المتبع لدى الشيعة إلا ليمنح العقل إجازة فيقوم المقلِّد بالتفكير نيابة عن المُقلد ومايتبع ذلك من إنتاج الفتاوى والعمل بها لصالح الماضي وليس هنالك من نظرة مستقبلية لأن الدين أصلا فكرة ماضوية تأريخية عن الحياة، لذلك ترى أن لاثقافة في عراق مابعد التغيير - وهذا من فضل الأحزاب الدينية على العراق الجديد- إلا ثقافة تكريم الراحلين والعزيات وتكرار المناسبات الدينية التي تميت قلوب العراقيين أكثر مما تحييها وتجعلها تعيش الحياة وتتذوقها وتعيش في المستقبل!
لم يتفق السياسيون الطائفيون (شيعة وسنة) في العراق على فوز فريقهم في بطولة آسيا لكرة القدم (سنة 2007) أو النشيد وطني أو العلم (نحن دولة تعيش بثلاثة أعلام!)، مثلما اتفقوا على نظام الاستخارة، ولما جاء زمان المحاصصة الطائفية زادهم رياءا ودجلا، فحطموا الحدود ورفعوا الأسوار واندفعوا إلى أقصى ما يمكن أن يمنحه التداخل بين الدين والسياسة من فرص انتهازية، فيحصلوا على المزيد من الفوائد والامتيازات والنفوذ والسلطة!
ينتمي الدكتور محمود المشهداني (رئيس البرلمان العراقي سابقا!) إلى كتلة الحوار الوطني، إحدى مكونات جبهة التوافق التي تضم أيضا الحزب الاسلامي ومؤتمر أهل العراق، ذرب اللسان شتاما يتفوه بأقذع النعوت ضد أعضاء البرلمان وقسم كبير منهم يستحقون وزيادة لأنهم فضلوا مصالحهم الخاصة وامتيازاتهم في الرواتب والحج السنوي وتأمين التقاعد والمكافآت وغيرها على مصلحة الشعب العراقي، لكن على أية حال لايليق برئيس برلمان عراقي إلا أن يكون مترفعا حكيما ومتزنا، وكانت جبهة التوافق تقدمت في العام 2007 بمقترح يوصي بعزل المشهداني، على خلفية مشادة كلامية بين حراسه وأحد نواب البرلمان عن الائتلاف الموحد، وتخلل ذلك اشتباكات وضرب بالأيدي مثلما حدث في جلسة يوم الأربعاء الماضي، وبقيت الجلسة مفتوحة إلى اليوم الثلاثاء لتحديد مصير رئيس البرلمان!
وساءت علاقة المشهداني بالكتل البرلمانية كلها تقريبا بعد شتائمه وتوصيفاته الهابطة خلال ترؤسه جلسات البرلمان في السنوات الثلاث الماضية، ولم يعد ممكنا إبقاءه رئيسا فأقنعه قياديو كتلته (جبهة التوافق) بضرورة تقديم الاستقالة فقدمها اليوم - بعد جلسة مطولة واستثنائية - وتمت الموافقة عليها بالإجماع لكنه وضع شروطا لاستقالته في مقدمتها إبقاء منصب رئيس البرلمان من حصة التوافق (المحاصصة البغيضة التي جاءت به وهاجمها اليوم واثنى على حذاء منتظر الزيدي الذي رمى به الرئيس بوش!!) وإحالته على التقاعد و(هكذا هم السياسيون في العراق والعالم العربي لايغادرون المنصب دون منافع شخصية!) كما طالب ببقاء الحمايات وجوازه الدبلوماسي ومعاملته كرئيس سابق للبرلمان إضافة إلى الراتب والامتيازات الأخرى، وربما تذاكر الطائرة ذهابا وإيابا إلى للحج مدى الحياة وغير ذلك وماخفي كان أعظم!!

ليس الاستقالة مالفت انتباهي لكن الاستخارة!
يقول المشهداني إنه (إستخار البقاء في منصبه أو تركه في الروضة المحمدية بمدينة المنورة لدى ادائه فريضة الحج مؤخرا!!)، مايعني أن البرلمان كسلطة تشريعية وتوصياته ومقرراته مرهون بما يلهمه نظام الاستخارة لرئيس البرلمان، فإذا أوحى له بالبقاء بقي وإذا أوحى بعكس ذلك قدم استقالته مايعني أن رئيس برلماننا الموقر لايعيش بعقله ووجدانه مع آلام شعبه وتطلعاتهم في إقرار التشريعات لكن مع الدين والصلاة والعبادة، وهو فالح فقط في رمي الكلام الهابط الذي لايليق بالعراقيين الذي لم يبقى حبيس جدران البرلمان لكن يبث في الفضائيات ليشاهده الملايين في العراق وخارجه!
شخصيا لاأصدق الرجل الذي جاء إلى منصبه عبر آليات المحاصصة الطائفية، لسبب بسيط هو أن أي فشل في الحياة والسياسة والزواج والعمل والدراسة لدى الكثير من العراقيين مع شديد الأسف، يعزونه إلى أسباب غيبية تنصلا من روح المسؤولية، ملقين بتبعات الفشل على الله والنبي والأئمة والغيبيات، وبهذا يكون العراقي المؤمن بلاإرادة واعية وبالتالي بلامسوغات تعينه على أن يعيش حياته بكرامة إنسانية ويطالب بتحسينها، وهي حق مشروع له منحه الله والطبيعة والقوانين الوضعية، وبطبيعة الحال لايخرج المشهداني من انغلاقات هذه الدائرة العقلية والفهم الخاطىء لطرفي النجاح والفشل، ذلك أن أي قراءة نفسية وسيميولوجية لإشاراته وحركات يديه وعصبيته وشتائمه خلال إدارة جلسات البرلمان، تجعل المرء يلعن ابو أسلوب المحاصصة الطائفية التي حملت عراقيين غير أكفاء لتولي مناصب حساسة في السلطتين التشريعية والتنفيذية!
ولاعجب بعد ذلك أن تنافق المشهداني كتلتا الإئتلاف والقائمة الكردستانية في مناحة الاستقالة ولاخوانيات العراقية، بمايشبه جبر الخواطر حينما يفقد الإنسان عزيزا أو منصبا أو جاها في الموروث العراقي، وراحتا تعددان مناقبه وأظهرتا التزامه وحسن إدارته لجلسات البرلمان خلال السنوات الثلاث الماضية!، فيما الجميع يعلم أن كلا الكتلتين وضعتا كامل ثقلهما وكراسيهما في البرلمان، في خدمة استقالة الرئيس!، بعدما كال المزيد من الشتائم في جلسة يوم الأحد الماضي إلى حد وصف البرلمانيين بـ (الكاوليه)، وغيرها من الأوصاف التي لاتليق برئيس برلمان عراقي نحكي للناس عنه هنا في أوروبا، بأنه يعمل بآليات الدول المتقدمة في إقراره التشريعات لصالح العباد والبلاد!
لاشك أن الإحاطة بنظام الاستخارة في السياسة العراقية، يحتاج إلى بحث طويل وفحص مختبري لعقول المئات من السياسيين منذ تشكيل الدولة العراقية سنة 1921 حتى اليوم، بحثا عن الخلل البنيوي وتبادل المواقع بين الزمني والروحي، دون الفصل بين حدودهما وكل ذلك يجري على حساب تحديد أولويات المصالح الوطنية العليا، إن نظام الاستخارة في نهاية الأمر ديني إيماني إشاراتي يعني تعلق قلب الانسان بربه، وتفويض أمره إليه في سائر أحواله، والامتثال للسنّة وتعظيم الخالق والثناء عليه والرضا بما يختاره الله لعبده، وهذه قضية شخصية روحية بين المؤمن وربه، أما وظيفة رئيس البرلمان فتتطلب رجاحة عقلية وإدارة جيدة وانفتاحا واستعدادا نفسيا وفصلا بين الروحي والزمني سواء في النظر أو في معالجة قضايا مصيرية تهم حاضر البلاد ومستقبلها.


23.12.2008

 

free web counter