| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأحد 24/1/ 2010



كلمات -292-

بايدن والبعث وهيئة المساءلة والعدالة!

طارق حربي

أولا ما من مصيبة نزلت بأرض العراق مثلما نزلت مصيبة البعث!
تجربتهم الأولى في حكم العراق عبر انقلاب شباط 1963 ماتزال آثارها عالقة في أذهان العراقيين لدمويتها ومأساويتها، ولما استلموا الحكم مرة ثانية سنة 1968 أوسعوا المصيبة إلى كوارث، بدأت حينما أدخل صدام بداية الثمانينيات من القرن الماضي، المواطنين العراقيين كافة، سواء رضوا بذلك أم لم يرضوا، اعتنقوا العقيدة الفاشية عن قناعة أم لا، إلى صفوف حزب البعث بلافتة واحدة أطلقها المقبور "كل العراقيين بعثيون وإن لم ينتموا"، أصبح الطالب لايقبل في الجامعة إلا إذا كان بعثيا، الموظف والضابط والمعلم، الجندي يمكن أن يحارب ويغيب في سجون الاستخبارات إذا رفض الانتماء بتهم مختلفة، وشهدت على ذلك ساحات الاعدامات، فيما أغلقت الحدود بمعاهدات أمنية سلم فيها الهاربون من الجحيم إلى الأجهزة الأمنية، زج الرافضون في السجون والمعتقلات قتل من قتل وشرد من شرد، واستمرت آلات الفكر الفاشي تحرث الأرض والبشر حرثا، ولم يسلم إلا من هرب إلى خارج البلاد، التي أغلقت لصالح الفكر القومي وأصبحت ثكنة عسكرية واشتعلت الحروب ووقعت الغزوات.

ولما حل التغيير سنة 2003 سنَّ الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر قانون "الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث" ، التي تم في إطارها حل الجيش وطرد عشرات الآلاف من الموظفين في جهاز الدولة الاداري، ووسط اعتراضات واسعة على عمل الهيئة وطائفيتها وخضوعها لأجندات اقليمية وعربية، تم تغيير اسمها إلى "هيئة المساءلة والعدالة" التي لم تكتسب لاهي ولا هيئة الاجتثاث بعدهما القانوني والدستوري، وتم تسييسها لصالح الأحزاب الطائفية الحاكمة واسقاط منافسيها استمرارا لحكمها !

نصت المادة (7) من الدستور الجديد اولاً: يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولايجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.

وأنتج ذلك مصطلح "البعثيين الصداميين" الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين، وهؤلاء بطبيعة الحال يجب أن يحاكموا محاكمة عادلة وشفافة لينالوا جزاءهم العادل، وفرزهم عن البعثيين العاديين الذين أدخلوا إلى الحزب دون رغبتهم، وأحيانا اعتراضهم وهم غالبية المواطنين، ومثل ذلك حدث في تجارب الشعوب الأوروبية بعد الحروب الكونية، بعد صعود النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك بعد الحرب الاهلية الأسبانية سنة 1936 وغيرها.

وفي العراق أصدرت "هيئة المساءلة والعدالة" مؤخرا قائمة أقصت بموجبها نحو (511) مرشحا، بتهمة انتمائهم إلى حزب البعث المحظور أو الترويج له، ومنعتهم من خوض الانتخابات النيابية القادمة، ماأثار الكثير من الجدل تجاوز الأوساط السياسية العراقية، وفتح الباب واسعا أمام تدخلات عربية واقليمية ودولية.

لم يترك الراعي الأمريكي الحبل على الغارب في هذه القضية الحساسة، التي أطلقت قبل خمسين يوما من الانتخابات النيابية في 7 آذار القادم، فقد طالب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته إلى بغداد أول من أمس، المسؤولين العراقيين باجراء انتخابات نزيهة تتمتع بمصداقية ويقبلها العالم، ونحن نسأل : كيف يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة ويرضى عليها العالم، وأهل البيت لايتفقون إلا بحضور العراب الأمريكي!؟، بعدما تفرقت كلمتهم وشرذمتهم جملة من العوامل المحلية والاقليمية، وأغرت هشاشة العملية السياسية التي يديرونها منذ التغيير، دولا وأجهزة مخابرات بالتدخل وفرض أجندات خارجية!؟

أكثر من ذلك جعلت الراعي الامريكي نفسه يستخدم أوراقا ضاغطة وصلت إلى حد التشكيك بالانتخابات، التي تعتبر مفصلية ومهمة لمستقبل العراق : طي صفحة الدكتاتورية وبناء المؤسسات الدستورية والديمقراطية، وهذا هو مستشار بايدن لشؤون الامن القومي توني بلينكن يقول مساء أمس بأن " المخاوف التي عبرنا عنها تتعلق بالآلية وليس بالنتيجة" و "اذا اعتبرت الآلية المتبعة لتقرير عدم اهلية المرشحين مفتقرة الى الشفافية والحياد والمصداقية فان الانتخابات ستعتريها شكوك"..!!

لم تحظ بالتأييد الاقتراحات التي جاء بها بايدن لانقاذ الوقت الحرج المتبقي على الانتخابات، والحيلولة دون وقوع البلاد في مأزق سياسي، بأن يعلن المشمولون بالقائمة براءتهم من حزب البعث الفاشي، والأعمال التي قام بها خلال فترة حكمه البلاد، وكتابة تعهد خطي بعدم الترويج لأفكاره مستقبلا، مقابل تأجيل اجتثاثهم إلى ما بعد الانتخابات، إذا ما ثبت ارتباطهم بالبعث، ولم يقبل بها المبعدون الذين يعتقدون بأنها تفقدهم رصيدهم في الشارع السني، وعلامتهم الدالة عنوان البعث ووقعه في نفوس الأحزاب الطائفية، التي شردها من ديارها في حقبة الثمانينيات ومابعدها وذبح خيرة أبنائها، واللافتة التي يرفعونها بوجه تلك الأحزاب لاغاضتها كلما تم إقصاءهم من العملية السياسية وتهميشهم، وبقينا نحن العراقيين لانبني بلدا ومستقبلا بل نعيش في الماضي والثارات السياسية، فيما الزمن الحاضر مهدور والمستقبل مفتوح على كل الانقلابات والاحتمالات!

ربما تعير بعض الفئات العراقية والأشخاص بعضهم البعض في فترة النقاهة من الحزب الفاشي، ويوجه بعضهم الاتهام بالانتماء في الماضي للاسباب المذكورة، ماانعكس على عمل هيئة المساءلة والعدالة في إصدار قوائم اسقاط الخصوم وشل فعالياتهم في إطار تصفية المعارضين، لقد سبقت قوائم المساءلة والعدالة في الواقع العراقي المر والكيدي، قوائم أخرى أصدرها شخص في سنة 2006 باسم مستعار يدعى (الدكتور ساهر فاضل الهاشمي)، وأطلق عليه بعض الكتاب العراقيين تندرا "دكتور مريدي" ، تعبيرا عن أوضاع مختلة وشاذة بعد التغيير، يمكن لمن هب ودب فيها شراء أي يحتاجه من سوق مريدي الشعبي ببغداد بما فيها شهادة الدكتوراه!، أدرج (مريدي) الملثم في قائمته الكيدية أسماء مئات من المفكرين والشعراء والكتاب والفنانين بتهمة مدح الطاغية!، ووضع أسماء مدحت فعلا مثل شاعر الطاغية عبد الرزاق عبد الواحد، إلى جانب شعراء مشهود لهم بالوطنية وكراهية صدام ونظامه مثل عريان السيد خلف وذلك لخلط الأوراق وتعمية الشعب العراقي، فيما أثبتت أسماء غيرها كثيرة براءتها من التهم الموجهة إليها في الماضي والحاضر، وعززت من وطنيتها عبر كتاباتها ضد الطاغية وعهده الأسود، وقيل في وقتها إن الذي كان يقف وراء إصدار تلك القوائم وتشويه الكتاب والمفكرين العراقيين، هم منظمة بدر بدفع من جهاز استخبارات اطلاعات الايرانية وتدخلها السافر في الشأن العراقي، وتشويه النخب العراقية التي وقفت ضد مشروع الأحزاب الطائفية التي تحكم العراق الجديد.

وقبل أسابيع مهدت الأحزاب الدينية لاصدار قوائم المساءلة والعدالة، بأن فصلت لها قانونا انتخابيا على مقاسها، فاستحوذت على أصوات الكتل الصغيرة وأضافتها لحسابها، وكذلك الاقليات والمستقلين في قانون الانتخابات المثير للجدل، وجاءت القائمة الأخيرة لتطيح إطاحة كاملة بكيانات وشخصيات، بغض النظر عن تقاطعنا معها فكريا، فهي يمكن أن تشكل تحديا للأحزاب الطائفية والقومية الكردية، بعد الفشل شبه الكامل خلال السنوات الأربع الماضية، في مشاريع النهوض الاقتصادي والملف الأمني والاعمار والتحديات الاقليمية، وطرح مشروع وطني وليس طائفيا يسير بالبلاد إلى بر الأمان.

وإذا استطاع جو بايدن أن يفرض أجنداته ضد مبدأ تسييس قوائم المساءلة، فثمة قوائم أخرى لاشك ستظهر في مسلسل التصفيات، داخل البيت الشيعي نفسه، الذي بدأ الشعب العراقي يطرق بابه بقوة، مطالبا بتفسيرات لأسباب نكوصه عن الايفاء بتعهداته لناخبيه، ومن جهة أخرى لايمكن فصل القوائم المذكورة عن السعي لتكريس الطائفية وإفشال خطط المصالحة الوطنية التي رعتها الحكومة، فالقوائم تُحيد أحدى مكونات الشعب العراقي، وتعرضها إلى التهميش والاقصاء بتهمة انتماء زعمائها إلى البعث أو الترويج له، وهي تهمة قد تكون صحيحة، لكن لايجب أن يؤخذ بجريرتها مكون عزيز من شعبنا، وآمل أن لايعاد سيناريو الانتخابات النيابية سنة 2005 وعدم مشاركة السنة فيها، وتكون مناطقهم من جديد حواضن للقاعدة والارهابيين، وتسقط البلاد في هاوية الاقتتال الطائفي، الذي لن تقف دول الجوار المتربصة بالعراق أزاءه مكتوفة الأيدي.

لا يمكن بأي حال أن يتصدر الواجهة السياسية وقيادة البلاد من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين!
ولابد للراعي الأمريكي من أن يضبط الخطوات حتى الانتخابات ومابعدها، سيما وأن القوات الأمريكية ستسحب قواتها المقاتلة من العراق بحلول آب/اغسطس حسب الاتفاقية الامنية، وإذا كان بايدن جاء إلى بغداد ليؤكد تأييد بلاده لتنفيذ المادة السابعة من الدستور، فإنه بالمقابل لن يتخلى عن حلفاء الأمس الذين جاؤوا بقطار أمريكي، الذي دعم الانقلابات بالعراق، وعلى ساسة العراق الجدد إذا أرادوا أن يبنوا دولة، فهذه الدولة لايمكن أن تبنى باصدار قوائم المساءلة والعدالة، تربك الأوضاع السياسية قبل خمسين يوما من الانتخابات، وكان المبعدون طوال السنوات الماضية جزءا من العملية السياسية فاين كانت عنهم المساءلة ولماذا في هذا الوقت بالذات!؟، ولا إلى التوافقات بين الكتل السياسية، بل بالاحتكام إلى الدستور والقوانين والمحكمة التمييزية، لينال كل ذي حق حقه بدلا من الاقصاء والتهميش والقوائم الكيدية.
 



24/1/2009
 

free web counter