| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

TARIKHARBI@GMAIL.COM
WWW.SUMMEREON.NET

 

 

 

                                                                                  الجمعة 19/8/ 2011



كلمات -390-

ميناء مبارك والشارب العراقي!

طارق حربي

شهدت منطقة الخليج العربي (أو الفارسي كما يحلو لإيران تسميته ورسمه في خرائطها!) حروبا وأحداثا جساما في القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين، وكان للعلاقة بين العراق والكويت نصيب من أحداث سياسية وعسكرية لافتة، بدأت بطلب الملك غازي سنة 1937 بضم الكويت إلى العراق بالقوة، ودعا رئيس الوزراء نوري السعيد أواسط سنة 1958 إلى إنهاء الحماية البريطانية على الكويت، ومن ثم اعلانها دولة مستقلة، وبعد ذلك ضمها إلى الاتحاد الهاشمي، كما طالب بضمها عبد الكريم قاسم سنة (1961)، وغزاها المقبور في 2 آب 1990، الغزو الذي شجبه العراقيون على نطاق واسع، واعتبروه اغتصابا لجهة الدين والشرع، واعتداء بحسب ماتمليه القوانين الدولية المرعية، وتشتت الكويتيون في الأمصار إلى أن تحررت بلادهم وعادوا إليها في 28 فبراير سنة 1991، مدفوعين بغل لايخفى وكراهية زائدة عن اللزوم للعراق وأهله، ولم يكن أمام الكراهية والحقد الدفينين، وهما من أوصاف البدو، إلا الحرث في جغرافيا الوطن العراقي العظيم، فأشيع قبل فترة عن قيام الحكومة الكويتية بتمويل مشروع سوري استراتيجي، لحرف نهر دجلة عن مساره، قبل دخوله الأراضي العراقية من جهة سوريا، بغرض لئيم وخبيث وهو حرمان العراق بعد التغيير من مياه أحد النهرين التأريخيين!، وجاء الاعلان عن بناء ميناء مبارك في جزيرة بوبيان شمال الكويت قبل فترة (4 مراحل بدئ العمل في مرحلته الأولى سنة 2007)، ليقصم ظهر العلاقات العراقية الكويتية، حيث يرى خبراء عراقيون أن بناء الميناء سيؤدي الى "خنق" المنفذ البحري الوحيد للعراق، لانه سيتسبب في جعل الساحل الكويتي ممتدا على مسافة 500 كيلومترا، بينما يكون الساحل العراقي محصورا في مساحة 50 كيلومترا.

لقد أنشئ ميناء مبارك مقابل ميناء الفاو الكبير، وكان من المؤمل البدء ببناء الميناء العراقي منذ 2005 ، لكن الخلافات بين الأحزاب الإيرانية العاملة في الساحة العراقية، أرجأت بناء الميناء إلى أجل غير معلوم!، ماشجع الحكومة الكويتية على المضي قدما في مشروع مبارك المثير للجدل منذ أشهر، وأثار الانقسامات في داخل قبيلة شمر الموزعة بين العراق والكويت ناهيك بالانقسام داخل الحكومة العراقية نفسها، والقى بظلال من عدم الثقة بين عمل الوزارتين المعنيتين وهما النقل والخارجية، وما كان بينهما من تفاوت في تقدير حجم الأضرار التي سوف يسببها ميناء مبارك في حال تمام بنائه!

وكان دعاء النواب الكويتيين في برلمانهم على الشعب العراقي مخجلا ومؤسفا في وقت واحد، أحدهم يدعو : اللهمَّ لاتبقي حجرا على حجر في العراق!، وبقي العراق رغم أنف الكويتيين والعربان أجمعين!، و : اللهمَّ ليكن حجاج آخر في العراق!، وهو لايدري أن الحجاج الجديد الذي لن يقوم في التجربة العراقية الوليدة بعد 2003 ، ستكون عينه على الكويت مرة ثانية غزوا وقتلا ونهبا وغنائم!، لطمع في خيراتها وشماتة بسياستها العدوانية وكذلك بعد تشريد أهلها في الفنادق العربية والعالمية!، أو لغرض توجيه الأنظار عن أخطاء قاتلة في السياسة العراقية وماأكثرها !؟، أو تلبية لسيناريوهات إقليمية ودولية كما يشار دائما، إلى أن لصدام شركاء دوليون في غزو الكويت بينها الولايات المتحدة، التي كانت تعاني من كساد اقتصادي في التسعينيات من القرن المنصرم.

ولشدما أضحكني ان تقاس السياسة العربية بطول الشوارب!، وإعمار الأوطان بطول الذقن!، لاالتخطيط الاستراتيجي وتوطيد روح السلام والعلاقات المتوازنة والمصالح المشتركة بين الدول، وهذا هو نائب كويتي يدلي بتصريحات يوم أمس، متهما ومخاطبا الطرف العراقي على طريقة البدو المتجاورين في الصحراء العربية، بأن "ما تنوون عليه انتم وأزلامكم وميليشياتكم أمر بعيد عن شواربكم"!!، ويقصد الحكومة العراقية التي لم تعد تخيف الكويت وتشرد أهلها في الفنادق!، والميليشيات التي هددت بضرب ميناء مبارك قبل فترة، في حال تم بناءه وأضر بالتجارة العراقية، ويرد عليه المتحدث باسم القائمة العراقية حيدر الملا بشدة، واصفا تصريحاته بأنها "تهجم" على العراق، وأن النائب الكويتي فاقد لـ"الرجولة"!!

لا جديد في أن أغلب زعماء الدول العظمى هم من حليقي الشارب، وأن الكثير من الشاذين في الغرب وصلوا إلى مراتب رفيعة : وزراء وقادة سياسيين وإداريين ناجحين وقادة تظاهرات طالبوا بالعدالة والخبز للفقراء وكف الحروب، وعدم استغلال دول الشمال لدول الجنوب الفقيرة، ولست هنا في وارد الحديث عن قيمة الشارب الكويتي الذي يحلف به الرجل عندهم بسهولة شرب قدح الماء، لكنه يأتي من الشذوذ والفواحش في دول السياحة والاستجمام، مالم يكن حتى في حسبان الشرطة في الدول المذكورة، كما أني أخشى أن يأتي اليوم الذي يفقد فيه الكويتيون والعرب شواربهم لكثرة ماحلفوا بها في مناسبة وغير مناسبة!

حرمت الشوارب وحللته واستحبته أديان ومذاهب وجماعات عرقية وقومية، أطلقها البعثيون ورجال الأمن والمخابرات لتبيان الرجولة وقوة البأس على الشعوب المغلوبة على أمرها بالحكام، واستخدمت اتصالا بالذقن لإخفاء ملامح الوجه، وثمة عقوبات - بدأت منذ عصر المماليك – واستمرت حتى يومنا هذا بحلاقة الشارب أو نصفه للتنكيل بالرجل في السجون العربية!، العراقي يحلف بشاربه وعندما يغضب يقول أزينه على (.....) قحبة إن لم أفعل بفلان كيت وكيت، وهنالك أنواع متعددة من الشوارب بينها المبروم والمعقوف والملفوف والمربع المحدود والشامي والعراقي وغيرها، وكلها لاتفيد في بناء الأوطان ولا في إسعاد الشعوب، بل الفكر والبناء والاعمار وإشباع الجياع وتطبيب المرضى ومحو الأمية وبناء علاقات سلام متوازنة مع دول الجوار، في العراق كنا نسخر من البعثيين والشوارب ونقول شواربه تشبه (۸) شباط!، أو مرمى كرة القدم أو مزين شواربه قلم دلالة على الشارب الرفيع!، وفي القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين جرت الكثير من شوارب الساسة، لعل أشهرها شوارب ستالين وهتلر وصدام وغيرها، العالم إلى الحروب والدمار والخراب والحصار والجوع وغيرها .

ومع أني حلقت شواربي منذ غادرت المنطقة العربية (العراق ثم مخيم رفحاء بالسعودية وكنت أمضيت فيه مع ثلاثة أخوة نحوا من ثلاث سنين)، إلا أني أثني على رد حيدر الملا وأسجل ارتياحي له، لأن الكويتيين أوغلوا في شتم العراقيين ولابد من ردهم بكل ماهو متاح وغير متاح من الردود، فالكويت التي كانت لاترتعد فرائصها بمجرد ذكر اسم العراق حسب، بل وتخشى حتى من منتخب الشباب العراقي في دورات الألعاب الآسيوية!، تشجعت - حالها حال الدول الاقليمية - لما رأت كل أنواع التشرذم والانقسام في السياسة العراقية بعد 2003، وجعلت تتحرش بهذا البلد المثخن بالجراح في مشروع خبيث هنا وآخر هناك، بل وصل بها الحقد إلى شتم العراق وشوارب رجاله بكل سهولة!، الأمر الذي يغيض حتى حليقي الشوارب لأن الرجولة والمواقف الوطنية لاعلاقة لهما بالشارب ولابشعر الذقن!، لكنه على كل حال عار وانتقاص من القيمة المعنوية وله امتداد في البنية النفسية والاجتماعية والعادات والتقاليد العشائرية، وفي نهاية الأمر فهي "حرشة مخانيث" لن تدوم طويلا، وعلى الكويت أن ترعوي وأن يقود حكماؤها إن كان فيها حكماء، مشروع اعادة بناء العلاقات الكويتية العراقية على أسس صحيحة ومتوازنة، ومد جسور الثقة والعلاقات السليمة مع العراق الجديد في شتى المجالات، بما فيها توطيد أسس السلام في منطقة الخليج لتجنيبه مخاطر الحروب وطي صفحات الماضي البعثي الأليم، واحترام الشعب العراقي والوطن العراقي، وبدون ذلك فإن شوارب العراقيين ستهتز في يوم قريب والنتيجة يعرفها الكويتيون قبل غيرهم!
 

19/8/2011


 

free web counter