| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأربعاء 17/12/ 2008



كلمات -228-

حقا.. ما العلاقة بين خطبة الوداع وحفل افتتاح مدينة الألعاب في الناصرية!؟

طارق حربي

وقف السيد محافظ ذي قار يلقي كلمة في الافتتاح التجريبي لمدينة العاب الأطفال في الناصرية، وكانت شركة تركية أهلت المدينة بعد تعرضها للتخريب خلال الاحتلال الأمريكي سنة 2003، جاءت كلمة المحافظ بعد كلمتين لمسؤولين أطنبا في ديباجة دينية، والصلاة على محمد وآل محمد ولم ينسيا وهما في حمى الدين والديانة أن جاءا على ذكر السيد السيستاني، ثم ما لبثا أن انعطفا على ذكر عيد الغدير بطريقة المزايدات، وكل ذلك جرى وهما في مناسبة افتتاح إحدى المشاريع الترفيهية، التي طالما انتظرها أبناء مدينة الناصرية صغارا وكبارا منذ سقوط النظام عام 2003.
وبدت ثلاثة أرباع كلمات المسؤولين لاعلاقة لها بافتتاح المدينة، (أية خرافة تعيشها الناصرية في ظل المسؤولين الدينيين!؟) بل كانت خطبا ومواعظ دينية ودعايات انتخابية، في نسق تغريبي عن زمان ومكان وأجواء الاحتفالية، التي خصصت لها قناة الفرات الطائفية وقتا مناسبا لدواعي انتخابية معروفة!
كانت كلمات المسؤولين موجهة إلى الكبار دون الأطفال وعوالمهم البريئة، حيث يؤكد علم نفس الطفل على صعوبتها وتعقيدها وافتراقها عن عوالم الكبار، ووجوب تنشئتهم وإعدادهم للمستقبل بتجرد ومسؤولية، لا يجب أن يكون الدين والطائفة مهيمنين على عقولهم ونفوسهم.
بعد ذلك ووسط المئات من الحاضرين - مسؤولين وجمهورا – جاء دور السيد محافظ ذي قار لالقاء كلمته الارتجالية (مشوبة بلكنة فارسية تشديدية لا تخفى على السامع!)، بدأها بالحديث الخاشع عن خطبة الوداع وعيد الغدير الذي يصادف اليوم، كلمة مملة طويلة لا لزوم لها، وكان الأطفال في أحضان أمهاتهم أخذهم الملل من كلمة لاعلاقة لها بعوالمهم الطفولية، ولا بالألوان التي نثرتها الشركة التركية في فضاء الشامية، ومشروع مدينتهم الذي ضم ألعابا حديثة، وذات مناشئ عالمية كما صرح بذلك مدير بلدية الناصرية، كان الأطفال يلعبون قرب الأمهات غير معنيين بما يخرج من أفواه المسؤولين صدقا وكذبا، رياءا ونفاقا، أما الأمهات الصابرات فقد جزعن لطول كلمة المحافظ والمسؤولين قبله، قبل أن يأتي دور الشعراء ويلقون بقصائد لا تعني الأطفال، وبعيدة عن اهتمامات الأمهات ولا يفهمها الكثير من الكبار!
في الطقس المائل إلى البرودة كان الأطفال يحاولون الفرار من أحضان الأمهات إلى " دولاب الهوى والإخطبوط والفورتكس المقص وديسكفري والسيارات والمشاحيف والطيارة والسفينة"، وهذه كلها لا تقدر بثمن بالنسبة إليهم بعد سنوات طويلة من الحرمان في العهد البائد، والاهمال شبه التام في عهد الأحزاب الدينية الحاكمة، التي أصرت على جعل المرأة تجلس في الصفوف الخلفية في المحافل والاجتماعات واللقاءات، كان محافظ ذي قار - وليس لي شيء ضده شخصيا - لكني أنتقد خطابه الديني وهو أكبر مسؤول في الحكومة المحلية، كان يشدد على تفاصيل دقيقة في خطبة الوداع : التواريخ والأرقام والأماكن وهو يعيش اغترابا إضافيا وانفصاما عن عالمه بين حديد العاب أوروبية زاهية الألوان، حديثة جدا منقطعة عن الماضي ولا تتغنى به.
بدلا من القاء الخطب العصماء كان على السيد المحافظ أن يلقي كلمة قصيرة عن الطفولة المحرومة!؟، ما نوع الاستعدادات الجارية لإدخال الأفراح والسرور في قلوب الأطفال في السنة القادمة!؟ ما نوع الألعاب الترفيهية التي ستوفرها الحكومة المحلية ومناشئها!؟، كيف استعان المهندسون والشركة العراقية المنفذة بخبرات شركة تركية وامتيازها الايطالي!؟، كان حريا به أن يتحدث عن الاهمال الذي عانى منه أطفال الناصرية بشكل وجيز وإشاري لأنه عهد مضى وولى، تاركا فسحة الوقت المتبقية ليقوم المرشدون بشرح لماذا : " الافتتاح التجريبي سوف يشمل 10 ألعاب من بين 18 لعبة هي مجموع ألعاب المدينة"!؟ مثلا، وتعليم الأطفال على ركوب الألعاب الجديدة والتمتع بها، وكيفية ملىء البطاقة الذكية بعد استنفادها في إحدى الألعاب!؟، وجولة حول مطاعم المدينة وكافتيرياتها والاشارة إلى مصابيحها الملونة وشوارعها، لكي يشعر الأطفال بحجم الاهتمام والرعاية بهم من لدن المسؤولين المحليين.
كان الخطاب دينيا قروسطيا بحتا موجها إلى الكبار مفروضا قسرا على الأطفال في عيدهم، والمتنفس الوحيد لهم ولعوائلهم، فأفسد عليهم فرحتهم في مدينة شحت فيها الوسائل الترفيهية، وما تزال تشهد إضافة إلى أعمال العنف الناشبة بين وقت وآخر وإطلاق الصواريخ، اختطاف أطفال مقابل فدية!
إن من يهوى القاء المواعظ والخطب الدينية مكانه الجوامع والحسينيات، التي ترعاها وتمولها الأحزاب الدينية ومؤسساتها، وليس الأماكن الترفيهية والعائلية، والسيد المحافظ ينتمي إلى واحدة من أقوى الجهات السياسية الحاكمة في العهد الجديد وأكثرها نفوذا (المجلس الأعلى)، ولا أظن أن مؤسسة شهيد المحراب التي استحوذت على ميزانيات وزارات، تتردد في أن تفتح ذراعيها لرعاية واحتضان الفعاليات الدينية والمواهب الخطابية، وكل من يود الحصول على الأجر والثواب والانتخابات على الأبواب!
 


17.12.2008

 

free web counter