| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

طارق حربي

tarikharbi2@getmail.no
http://summereon.net/

http://summereon.net/tarikharbiweb.htm

 

 

 

الأثنين 12/5/ 2008



صورة النخلة المقلوبة على رأسها في الناصرية !

طارق حربي

هذه الصورة أفزعتني !
قلبت دماغي !
إذا انقلب النخيل على رأسه فكان انقلب ماعون العراقيين من قبل
ونعمتهم خلال سنوات الحصار
وتولت يد الأقدار رغيف خبزهم وماتزال
لكن سبب الفزع هو خرق النخلة للعادة : لماهو معروف عن انتصابتها وسموها
قد ينمو شواذ النخل على جروف الأنهار منبسطا كأن سعفه يناغي وجه المياه والبعض الآخر مائلا أو ملتويا
وهذا من سنن الطبيعة
لكن من رأى منكم نخلة في بساتين العالم مقلوبة على رأسها!؟
***
للدول رموز تعتز بها وتعليها : ترسمها على جدرانها وتطبعها في العملات والبطاقات السياحية
أبطال حيوانات أشجار أنهار طوطميات وغيرها
ليس لدينا من العلامات المميزة الدالة على بلاد مابين النهرين أكثر من أشجار النخيل
فاكتسب العراق صفة أرض السواد من كثرة غابات النخيل واسوداد خضرتها
وصل تعداد النخيل في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي أكثر من نفوس العراق
وأكثر من ذلك : كتب أحد موظفي دائرة زراعة البصرة إلى الحكومة الملكية قبل ستين عاما
يطلب تقليل زراعة اشجار النخيل
من أجل زراعة الأرض بأشجار أخرى (كان في البصرة حينذاك 13 مليون نخلة من مجموع نخيل العراق البالغ 30 مليونا!!)
***
لم تعد يد الانسان كما في السابق رحيمة على الطبيعة العراقية
كيف ذاك والانسان نفسه يقتل أخاه الانسان!؟
والنتيجة أن نخيلنا أخذ ينقلب على رأسه لكثرة ماعاش من أحداث مأساوية!
زائدا عبث الانسان بالطبيعة وقذف المياه الثقيلة في نهر الفرات من قبل دائرة المجاري المجاورة لمجزرة الناصرية
(كونت ترسبات لمركبات عضوية وتسببت بتغيير لون المياه في منطقة محددة من النهر إلى اللون الأسود، كما كانت سببا للعديد من الأمراض لاهالي المنطقة، وادت هذه المياه الملوثة الى نفوق عدد من المواشي وقتل العشرات من أشجار النخيل والنباتات الأخرى بسبب تلويثها!)
اين هي القوانين التي تحمي الأنهار وتمنع تلويثها في بلاد الشرائع الأولى!؟
تحيل صورة النخلة المقلوبة على رأسها سيميولوجيا إلا إلى مجازر النخيل المشابهة في الدجيل
بعد محاولة اغتيال الطاغية سنة 1984 وماتلاها من أوامره بجرف وتدمير الأشجار والنخيل
انتهت الجريمة بالاعدام
إنتصر البشر وأشجار النخيل على الانسان الشرير
***
كان بكر صديقي يقول حسبما ينقل زكي خيري في كتابه مذكرات شيوعي مخضرم (لن يحكم الشيوعيون العراق حتى لو طلعت نخلة في النرويج!!)
شيء رائع أن يفهم العسكر العراقي طبيعة المناخ في الدول الاسكندنافية!
لكن هذه عنجهية أكثر منها فهما في أطالس البلدان
لا تنمو أشجار النخيل في هذه البلاد بسبب المناخ كما لا يخفى
لكن يعلم الله كيف سيرعى الشعب النرويجي والحكومة تلك الشجرة المباركة إن وجدت
أقيم في النرويج منذ نهاية 1993 وكل عشبة
كل شجرة صغيرة وكبيرة مسجلة في المؤسسات ولها حقوق على الشعب والحكومة
وسنت لها قوانين تحميها من يد الانسان الذي لا تأخذه رحمة بالطبيعة لأنه لا يقدر أهميتها كثيرا
***
تصادقت مع الآلاف من أشجار النخيل في شرق البصرة إبان الحرب العراقية الايرانية حينما كنت جنديا
غابات النخيل عاشت ويلات الصواريخ العراقية والايرانية وكتبت مرة أن شظية صغيرة تكفي لإزهاق روح نخلة عملاقة
تذوقت أصنافا لاألذ منها وأشهى من تمور البصرة
وكانت البصرة مدينة التمر الأولى في العالم ( 350 نوعا)
قبل أن تخرج تمورها منذ ثمانينات القرن الماضي من السوق العالمية
وأمست تأكل من تمر كربلاء وديالى
ويأكل العراقيون من التمر الايراني والاماراتي والسعودي
وتهرب فسائل البرحي إلى إيران لغرض إعادة إعمار هذا البلد دون العراق !
***
ثمة مشهد محذوف في الصورة العجيبة وهي الجذور!
أين اختفت جذور النخلة فيما بقي عجزها الخاوي كمثل كراسي الدكتاتوريات العراقية!
يقف أحد الفلاحين أمام النخلة المقلوبة مستغربا جزعا لمشهد القلب
فلم تعهده عيناه ولاذاكرته ولاأولاده
ويبقى في هذه الآونة أن نخيل الدول المجاورة أحسن حالا من نخيل العراق !؟
لاتنقلب النخيل على رؤوسها في بساتين جيراننا!
***
حكى لي صديق كردي سافر إلى العراق مارا عبر الأراضي التركية عبر تركيا
فوصف حال أراضيها الخضراء الممرعة والفلاحين المنهمكين بالفلاحة
يقول : ولما دخلت الأراضي العراقية وجدت العكس
أرض جرداء اللون كالحة سبخاء
وتحول العراق الأخضر إلى أكبر مستورد للخضروات
لاتمر في البصرة ولم تعد الموصل سلة الخبز العراقية !
***
لكن أي مارد خرج من أساطير الجدات وحكاياتهن
رفع النخلة من ساقها وقلبها على رأسها في استكانة التاريخ واستمرار العاصفة!؟
أي لامبالاة حكومية بالطبيعة العراقية
أية فضيحة!؟
إرحموا عمتكم النخلة كما قال النبي محمد
وهذا الكلام موجه إلى الأحزاب الاسلامية التي تدير دفة الحكم في الناصرية البائسة
إن مقذوفات المياه الثقيلة في فرات الناصرية يلقي باللائمة على السلطات المحلية، لأنها أخفقت عن تخصيص المال اللازم للقروض الميسرة للفلاحين بغرض العناية ببساتين النخيل، ولم تمنع تلويث الفرات، فيما انشغلت الحكومة بالصولات والجولات دون كري الانهار.
***
في الزمانات تكاد لاتخلو نخلة في الناصرية من عش لعصفور وبلبل وفختاية!؟
والكل كان يغني حتى الغراب النزق!
اليوم أسأل أهل الدار : (بعدما تكسر البيض وتهدمت الأعشاش)، إلى أين هاجرت الطيور!؟
إلى نخلات قريبة أم إلى أرض بعيدة
حالهم في ذلك كحال العوائل المهجرة في أرض السواد وخارجها!؟
متى نحترم الطبيعة ونتعلم منها متى تخضر الحقول ويجري الرافدان الخالدان نظيفين طاهرين كما كانا منذ آلاف السنين!؟


12.5.2008



 



 

Counters