الخميس 10/12/ 2009
كلمات -285-الناصرية : معرض تشكيلي واحد مقابل (600) جامع وحسينية..!!
طارق حربي
غطى الظلام مدينتي بعد التغيير وكان الشعب العراقي يتطلع إلى كل مافي كلمة التغيير من معنى!، لكن ليس كل ماتسعى إليه الشعوب في كفاحها ضد الطغيان يأتي بين ليلة وضحاها، وسرعان ماانغلق أفق العراق بالمناسبات الدينية : نبتت - بعد طول حرمان - الحسينيات والجوامع في أرض الرافدين كالفطر، وها نحن منذ التغيير حتى اليوم لامستقبل لنا بل ماضي نستعيده ونلوكه، نزور المقابر وننتظر المناسبات الدينية التي تخرج فيها أحزاب الاسلام السياسي كل ذخيرتها الطائفية، عطلت الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، انحطت الثقافة إلى الحضيض وشؤون الطفل والمرأة، التي لايخجل أصحاب الشوارب واللحى والعمائم و(العكل) من الجلوس أمام النساء وتركهن في المقاعد الخلفية!، وهو مانشاهده في صور المناسبات والاحتفالات وأكثرها بطبيعة الحال دينية!
إن وجود (600) جامع وحسينية في محافظة ذي قار تؤذن في وقت واحد تقيم السرادق وتدق الطبول في المناسبات الطائفية، يطرح أكثر من علامة استفهام : هل أن كل شعب ذي قار يؤمن بالله ورسوله وآل بيته والطقوس الشيعية فعلا!!؟، أم أن الكثير من الفئات الاجتماعية تسعى إلى الاستقلالية وترغب بالخصوصية كبشر بعد سقوط الدولة الشمولية، التي رأت إلى الشعب العراقي قطيعا تسوقه كيفما تشاء : إلى محارق الحروب ومهازل الاستفتاءات والمظاهرات المناوئة للامبريالية والكيان الصهيوني والرجعية العربية، وتوزيع ثروات الخليج على الشعوب المحرومة!!
لاشك أن هذا العدد الهائل من دور العبادة يعتبر حواضن لاتنتج غير الخرافات والعقائد المتطرفة (الحسني الصرخي وجماعته نموذجا)، إن دعمها وتمويلها يجعل الخلل فاضحا في ميزان العدالة الاجتماعية، وهي مايجب أن ترعاها الحكومة المنتخبة من الشعب والدولة ذات العقيدة العراقية، عبر احتواء جميع أطياف المجتمع العراقي لاطائفة بعينها، ومن الكثير المهمل من قبل الحكومة المحلية أضرب مثلا واحدا على الاهمال المتعمد بنادي الناصرية الرياضي الذي توالت خساراته - مع شديد الاسف - أمام الفرق الاخرى، لانعدام الرعاية اللازمة له من تجهيزات رياضية وملعب يليق بتأريخه، فأعضاؤه يزاولون التدريبات في الأرض العارية في ظاهر مدينة الناصرية، فيما يتصدق المسؤولون بفتات نثرياتهم، وكان يجب على الحكومة المحلية تخصيص الاموال اللازمة لهذه الفعالية التي تشيع الفرح وروح التنافس الشريف بين فئات الشباب خاصة، ويعلي شأن المحافظة ومعنويات شعبها.
إن افتتاح المعرض السنوي الثالث للتشكيليين العراقيين في الناصرية يوم أمس من أسعد الاخبار للمهتمين بشأن محافظة ذي قار، فقد كسر طوق العزلة المضروب على مدينة المبدعين والحرف الأول، لكن تحتاج هذه الخطوة إلى دعمها والاستمرار بها إلى مهرجانات موسيقية وغنائية وترفيهية وعائلية، والاحتفال بالمناسبات الوطنية وأعياد الطبيعة والطفولة والمرأة، وعلى منظمات المجتمع المدني وهم طليعة المجتمع وليس (الاحزاب الدينية) أن تكون لديها وسائل ضغط وتشريعات مناسبة، لتقليل الاحتفالات الدينية التي لاتجلب للمواطنين غير اللطم والبكاء والنحيب ووجع الراس، والعمل على تنمية الروح المحبة للسلام، وهي دعوة لكي تكون هنالك 600 حفلة موسيقية ومعرض تشكيلي ومخيمات كشفية وعيد الشجرة والطفل والام و14 تموز ومناسبات سومرية وآكادية، حتى ينحسر شيئا فشيئا دور استعراضات الرياء والنفاق واللطم وشج الرؤوس والدماء من شوراع الناصرية العزيزة، وتختصر دور العبادة إلى جامع واحد للشيعة وآخر للسنة ومندي للصابئة وربما لليهود وغيرهم، وبهذه الطريقة ينقشع الظلام وتنكسر العزلة القاتلة عن قلوب وأرواح شعبنا المظلوم والمهمل في العهدين، ويكون لمدينة الحرف الاول اشعاع النور والفرح والسلام.
10/12/2009