| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. تيسير الألوسي

  tayseer54@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 9/2/ 2010


 
استراتيجية إدارة الحملة الانتخابية
إثارة غبار وتجيير واستغلال للتضليل والتخفي
بقصد إعادة الأحزاب التي رفضها الناخب العراقي

الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي *

لا مجال للشك بأنَّ الشعب يتطلع بشكل ثابت لاستقرار البلاد والسير في طريق السلم والحرية في عراق جديد بحق.. وبالتأكيد فإنّ الحركات الوطنية والديموقراطية تعبر عن هذا التطلع في أهدافها وآليات جهدها بكل مستوياته وأنماطه.. وبشكل أكثر وضوحا يتفق الجميع على رفض الفاشية والعنصرية الشوفينية و(الطائفية) وأدواتها العنفية الدموية البشعة.

ولا مجال للعب في حيوات الناس وتفاصيل يومياتهم ومصالحهم وما ينتظرون من مطالب، ينبغي أن تـُلبى بعد أن استنزفتهم قوى الطغيان والإرهاب طويلا.. وفي ضوء هذه المواقف الواضحة الثابتة يتفق الجميع على أن نموذج البعثفاشية لا يمكن لها أن تعود ولا ينبغي السماح بتسللها بعد أن فعلتها مرات سابقة بأعمال انقلابية فاشية دموية معروفة...

وما خبره الوطنيون الديموقراطيون بتجاريب الأمس واليوم أن أعداء الشعب من قوى حزبية وميليشياوية تمتلك فلسفة "الغاية تبرر الوسيلة" في التسلل فهي بلا ضمير أو مبدأ يمنعها من إظهار وارتداء ما تتخفى به مضمرة أسوأ الشرور.. وهذه القوى هي ذاتها في قدرات التسلل والاختراق سواء كانت قوى الإرهاب أم القوى الطائفية فأدواتهما تبقى ذاتها أيضا ممثلة في آليات الفساد ومافياته المخصوصة... وهنا لابد من القول إنّه ليس من لص سيقول عن نفسه إنه لص ولا من سارق سيعترف بسرقته ولا من مجرم سيفضح حاله ويشهِّر بأعماله وسيفعل كل ما يمكن أن يخفي فعلته وما يطمطمها أبدا...

والمشكلة اليوم باتت معقدة أكثر كون العملية السياسية لا تدار بخيار شعبي مرضيّ عنه. إذ عبر الشعب بوضوح عن رفضه لأحزاب الطائفية التي أدارت السلطة طوال المدة المنصرمة. وعلى الرغم من تصويته الحاسم ضد هذه الحكومة، وعلى الرغم من أن ما ارتكبته من أخطاء وفضائح ومن جرائم تمت في ظل إدارتها، وعلى الرغم من الحجم المرعب المهول لتلك الوقائع والأحداث التي لو جرى جزء يسير منها في أي بلد لاستقالت الحكومة فورا.. إلا أنّ الحكومة أو بالأحرى القوى التي تدير البلاد وتتحكم بالعباد هي ذاتها التي تمضي لاستكمال سطوتها وهي ذاتها التي تسنّ التشريعات لمآربها الخاصة وهي ذاتها التي ترسم الآليات للاحتفاظ بالسلطة والعودة مجددا للتحكم برقاب العباد وثروات البلاد...

وهكذا يقدم السؤال نفسه هل حقا أن حكومة كهذه هي التي تتصدى للبعثفاشية حزبا ولمحاولات الاختراق.. ولماذا أخرت الجهود في منع هذا الحزب من ممارسة النشاط التخريبي والتسلل والاختراق؟ وهيل هي بعد هذا لا تحمل في رحمها وكينونتها اختراقات سواء بالشخوص أم بالفلسفة الإجرامية؟

هنا لننظر إلى التأخير في سنّ عشرات القوانين التي تُعنى بالمواطن والوطن وبآليات العمل وضبطه وببناء مؤسسات الدولة الديموقراطية وهو تأخير مقصود مبيّت بنية تمرير وسائل تجيير صوت الناخب على وفق القانون بـ (تشريع انتخابي) مفصَّل على مقاس أحزاب الطائفية.. ومن باب آخر ليس على وفق القانون بتمرير الانتخابات من دون (قانون أحزاب) ومن دون استكمال قوانين تهيِّئ لانتخاب برلمان كامل بقسميه في مجلس النواب ومجلس الاتحاد وغير هذا كثير ومعروف للمواطن المغلوب على أمره...

ومن أجل النظر بإمعان لمجريات الأمور وآليات إدارة العملية الانتخابية في إطار إدارة العملية السياسية على وفق استراتيجيات مدروسة مطبوخة فإنه على وفق (القانون) وعلى وفق الاجماع الشعبي في منع الأحزاب العنصرية الفاشية وتحديدا في الحال العراقية (البعثفاشية حزبا) يجري استغلال الأمر بخلط الأوراق وتوظيف فكرة تبني استبعاد (البعص حزبا) بالتشويش على أجواء الانتخابات بطريقة منها الضغط على شخصيات أفراد بعينها وعلى حركات عراقية جديدة فضلا عن الكسب في ضوء حملات في خيمة التخويف من بعبع البعثفاشية بوضع الناخب بين خيارين (مقصلتين) أما (نحن: أحزاب الطائفية) أو (البعثفاشية)؟!! باتهام ((كل)) الآخر الوطني الديموقراطي العراقي غير الطائفي ((وبلا استثناء)) بأنه واجهة لتسلل حزب البعث، وبات كل عربي عروبي بل بعثفاشي وبات كل وطني عراقي مستقل هو حربة لاختراق البعثفاشية للعملية السياسية! وهذا أول ضغط على الناخب لإعادتهم لدست السلطة...

ومجددا فإنّ القضية لا تكمن في قضية منع تسلل الفاشست إلى السلطة فهذه قضية أوضح من الشمس للعراقيين ولآليات قانونية بشأنها.. ولكن المشكلة تكمن في أن السلطة هي ذاتها ظلت بيد (قوى طائفية) مررت وجودها عبر آليات الديموقراطية من جهة وهي اليوم تلعب لعبتها لإدارة الانتخابات بطريقة تعيدها إلى تسيّد الأمور مجددا ولسنوات أخرى من العذابات لشعبنا ومن نهب ثرواته بتحويل الأسئلة وتغيير مسارها وبمنع فرص الحوار وتبيان البرامج والحقائق عبر تأخير الحملة الانتخابية بخلاف القانون وما نص عليه بشأن مدة الحملة..

والجهات الطائفية التي تثير الغبار وتذروه في عيون الناس تحاول منعهم من قراءة الحقائق ومن تدقيق الخيارات وتحاول أن تضعهم تحت ضغط متمثل بمبدأ ((لا وجود لبديل عنّا فأما نحن أو تعودون لأحضان طغيان دكتاتورية البعثفاشي)).. وهو أمر ليس غير دقيق حسب بل غير صحيح بالمرة.. نظرا لوجود قوى وطنية ديموقراطية ينبغي فسح المجال للتعريف بها أحزابا وشخصيات وبرامج...

لقد كان توقيت لعبة استبعاد البعثفاشي محسوبة لذر الرماد في العيون في لحظة نحتاج فيها لصفاء أجواء الاختيار فتمّ توقيتها بالشهر واليوم كما يجري ضبط مجراها على إيقاع دعاية انتخابية ضاغطة بتحويل البعثفاشية إلى بعبع رعب وإرهاب للعقل العراقي وطحنه بهذا الضغط في لحظة يحتاج فيها للهدوء وتجنب الضغوط كيما يتبين خياره؛ ولعبت القوى والتيارات وأحزاب الطائفية لعبتها حتى في استغلال الكتابات الديموقراطية التي تفضح جرائم البعثفاشية في ذكرى انقلابهم الدموي الأسود في شباط 1963وغيرها من جرائم..

وهكذا باتت القوى التي تدعم أحزاب الطائفية من خلف الحدود الشرقية تمتلك استراتيجا دقيقا لجهودها اللوجستية التعبوية وباتت هي التي تضبط إيقاع العمل العام وتجيره لصالحها.. فيما القوى الوطنية الديموقراطية تجابه عدم وجود أدوات قانونية بيدها للمبادرة وعدم وجود فرصة حملة انتخابية كافية للتعريف واللقاء بجمهورها في أيام هي الأخرى مدارة من أحزاب الطائفية بأكبر دعاية سواء بحجم الأموال التي تمتلكها أم بحجم الفضائيات والصحف والأدوات الإعلامية أم بحجم استغلال الطقوس الدينية والرموز والشعائر وحتى العواطف الإنسانية!!

هكذا جرت الأمور أوليا حتى الآن. والجريمة الأكبر مرت وستمر بتعزيز خطاب راديكالي عنيف بتعزيز فلسفة الانتقام والثأر بدل فلسفة القانون وآليات دولة المؤسسات وغيرهذا من أدوات مما يكرر فلسفة مدحورة بتوظيف خطاب الاتهام حيث المتهم مجرم حتى تثبت براءته وهي لن تثبت لأنه سيؤخذ بجريرة التهمة حيث اتهامه من (السيد) يعني إصابته في مقتل ولا نجاة له إذ لا فرصة لإثبات حقه وحقيقته في أجواء الاستلاب ومصادرة الآخر...

بمجمل القول: إنّ العراقيين يقادون اليوم إلى انتخابات مهيأة بالتمام لصالح أحزاب الطائفية التي صرفت 300 مليار على الخدمات فيما لم يتسلم مواطن واحد فلسا في جيبه من ميزانيات الدورة الانتخابية المنصرمة ولم يرَ مواطن أو حي أو ضاحية أو مدينة من تلك الخدمات شيئا فما زالت مشكلات الصرف الصحي والمياه والكهرباء والطرقات والهواتف تمتصهم وتستغلهم بلا طائل وجعجعة بلا طحن!

الفساد ليس ما تمتد فيه يد فقيرة جائعة كيما تسد به رمق طفل يتيم بل ما امتدت إليه أيادي أصحاب المليارات في حكومة أحزاب الطائفية ومليارات في جيوب حكومات كثير من المحافظات وأبسط مثال أحوال البصرة وما يتهددها من فناء أبدي وأحوال الناصرية حيث صُرِف على أرصفتها ضعف ما صُرِف على برج دبي! وفلوس (خمس سيد) تبني في طهران وغيرها فيما النجف وكربلاء بلا بناء يستحقه أهلها!!

أيها السادة.. أيتها العراقيات أيها العراقيون ابحثوا عن قوى الديموقراطية وممثليها أحزابا وشخصيات ولا تتركوا العملية السياسية تُسرق لا من تسلل البعثفاشي ولا من اختراق الطائفي واستراتيجياته ومن يقف وراءه.. عراقكم إذا ضاع ضعتم.. والمَهاجر والمنافي لم تكن ولن تكون حلا بديلا عن الوطن بيتا وخيمة وملاذا...

أيها العراقيون المخططات جاهزة وقد بدأ كل طرف يجير الأمور لصالحه منذ زمن فلا تتركوا لعبة استغلال العواطف (طائفيا) أن تسلم مقاليد رقابكم وأنتم الأحرار الأباة للاعب أو آخر ولا تتركوا استغلال العواطف لاستثارة خطاب الانتقام والثأر بذريعة البعثفاشية ولا تحولوا هذا المصطلح إلى بعبع يوجه أصواتكم لمستغل آخر جديد..

فبديلكم أن تزيلوا فلسفة الانتقام لتحل فلسفتكم أنتم فلسفة التسامح والسلم والتعايش الأهلي بروح وطني ديموقراطي يحترم فيه كل عراقي يؤمن بالوطن والناس..

انظروا كيف يعاقب متهم بفلس وجده في الشارع على أنه سارق فيما الحاكم لا يجيب عن مليارات المليارات التي لا يدري أحد بأي اسم وبأي بنك أودعت..

إلى ملايين الأرامل أيتها المرأة العراقية الأبية تذكري من جعلك أرملة واغتال منك رفيق الدرب والعمر ومن يَـتَّم ابنتك وباع ابنك في المزاد ويريد أن يطاول عِرضَك ولن يطول؛ فصوتك سيبقى حرا لا يباع كما شرفك والوطن والناس..

إلى ملايين الشبيبة ها هي الجامعات والمعاهد والمدارس تقذف بكم إلى أرصفة البطالة وها هي الجريمة تُـكرهكم على ترك البلاد إلى منافي القسر والذلّ وها هي الفتاة الأخت والحبيبة الباقية المنسية في الوطن يحاولون دفعها كرها وقسرا إلى زواجات المتعة وإلى كل ما يوفر لهم أجواء يريدونها لخدمة نوازع الشر والنقص فيهم.. ولكن هيهات أن تذهب أصواتكم إلى من أطاح بآمالكم..

إلى الآباء والأمهات الذين لا يجدون ما يقيتون به أبناءهم ويحمون به أسرهم وعوائلهم.. إلى العمال الذين واجهوا أسلحة جيش حكومة الطوائف عندما تحدثوا عن مطالبهم وعن تشكيل نقابات حرة لهم.. وإلى الفلاحين الذين يشعرون بآلام يباس الأرض وجفاف الأنهر ولا مَن يدافع عن حقوقهم في المياه.. إلى كل فئة وطبقة، إلى كل عراقية وعراقي.. لستم بحاجة للبصر الذي ذروا به الغبار كي لا تروا خياركم، أنتم تمتلكون البصيرة بدل البصر وبدل نظر الأعين، أنتم تمتلكون الحقيقة، أنتم تعرفون من سرق المليارات ومن أفسد ونهب وأجرم ولم يدافع عن أمنكم وتدرون من اشترك في إثارة الجريمة تقتيلا فلا تعيدوا أحزاب الطائفية..

أنتم تعرفون نتائج التحقيقات من غير أن تنتظروا إعلانا من الجهات المسؤولة وأنتم تدرون أن الحكومة لم تعلن عن جريمة واحدة فيما تعرفون أنتم المجرمين وأسلحتهم ومصادرها؛ وتعرفون الشبكات ومن نظمها خلف حدودكم الشرقية... فحتى الانتحاري القادم من الواق واق تنظيمه وسلاحه ودعمه وأدواته وخططه هناك حيث الحقد الموجه ضدكم من نظام يسوم أهله الويل ليل نهار في شرق بلادكم فيما يطمطم جرائمه بتصدير الجريمة إليكم..

لا تترددوا في التجديد باختياركم.. أغمضوا عيونكم كي لا يؤذيها غبار الجريمة الطائفية و كل جرائم إيذاء الوطن والناس وصوتوا أفئدتكم وعقولكم المؤمنة بوجودكم أنقياء أباة لا تبيعون صوتا لأن الصوت يبقى ضميركم وشرفكم.. وصوتكم هو يومكم ومستقبلكم وهو وسيلة أمنكم ووجودكم وكل مطالبكم وتطلعاتكم... فتبينوا ما يجري من إدارة للحملة الانتخابية الممنوعة عنكم وعليكم المفتوحة لهم بقصد التزييف بآليات اللعب (القانوني) فهل تتركونهم يفعلون؟

توصية ليست أخيرة وليست نهائية ولكنها مهمة تمتلك الأولوية:
الذي تحدى العنف واختار العملية السياسية هو (الشعب) الذي سيتحدى التضليل ويطهر عمليته السياسية من الاختراق وإلا فإننا نترك للمستغِل أن يواصل استغلالنا والتقتيل فينا... والأولويات التي يراد قيادتنا إليها ليست أولويات شعبنا كما أنها ليست أجندته وخياراته.. وحتى يستطيع الشعب توجيه الأمور بوساطة ممثليه الحقيقيين ينبغي له تعديل الخيار وتجديده جوهريا وبنسبة تحدي جدية مسؤولة لا تنظر نهائيا في قائمة من تحكَّم في السنوات المنصرمة إلا بسياق التجديد والتغيير الجوهري بصوت تام للديموقراطيين وهم البديل الموجود فعلا وهم حوالينا وبيننا فإن تجاهلنا واجب الاختيار الصائب الجديد....

فـــ يومها لات ساعة مندم.
 


* باحث سياسي أكاديمي\ناشط في مجال حقوق الإنسان
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا



 

free web counter