| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. تيسير الألوسي

  tayseer54@hotmail.com

 

 

 

الخميس 17/7/ 2008

 

حق التعليم للنازحين والمهجرين العراقيين

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي *

يوما فيوم تتفاقم مشاكل النازحين والمهجرين العراقيين سواء منهم من يقيم في داخل الوطن أم خارجه في بلدان عربية أم أوروبية وغيرها. وما يزيد معاناتهم [فضلا عن تفاقم الضغوط الحياتية] هو عامل الزمن حيث تمضي الأيام والأشهر والسنون عجافا ثقيلة ومطالب الحياة تتراكم لتتنامى معها مطالب وحاجات لا يمكن تلبيتها من دون غطاء مادي وموارد ثابتة للعيش في وقت لا توجد فرص حقيقية ثابتة للعمل حتى في تلك الأعمال الهامشية وبأجور بخسة تستغل ظروف الفاقة والحاجة ومحاصرة الزمن لطالب العمل العراقي...

إنَّ حجم النازحين والمهجرين يصل في حده الأدنى في تقديرات المنظمات الدولية والرسمية العراقية والأجنبية إلى 4.5 مليون نسمة منهم حوالي المليونين في الداخل. أما تركيبة هذا الحجم السكاني الكبير الذي يماثل حجم شعوب من بلدان الجوار التي توجه إليها هؤلاء العراقيون فهي تتألف من تركيبة العائلة العراقية من نساء ورجال وأبنائهم وبناتهم. وبقراءة واقع النزوح سنجد أن نسبة الأعمار حتى 18 عاما تشكل أغلبية تليها نسبة الشبيبة من الفئة العمرية حتى الثلاثين وتتناقص النسبة مع التقدم بالعمر...

الأمر المهم هنا، نلخصه في التساؤل بشأن إجراء الإحصاءات الدقيقة لحركة النزوح واتجاهاتها وأسبابها إلى جانب إحصاءات تقرأ تركيبة النازحين والمهجرين بما يمكـِّن الجهات العراقية وغير العراقية من تشخيص الحاجات ورسم الخطط الجدية المسؤولة في الاستجابة للمطالب ومعالجة المشكلات الناجمة عن هذه الظاهرة القسرية بكل مفاصلها ومفرداتها الإنسانية الطبيعية وغير الطبيعية...

إنَّ من أخطر المشكلات التي ترافق ظاهرة الهجرة الجماعية وبهذا الحجم الكبير مع تقادم عامل الزمن وتفاقم ضغوطه هي تلك المتعلقة بتعليم الجيل الجديد.. إذ يكون الالتحاق بالمدرسة والجامعة من بين أول الحاجات التي يضطر المهجَّر لتركها أمام فروض الحياة ومطالب يومه غير العادي.. فالمعيل في العائلة النازحة في الغالب: أرملة فقدت زوجها في حروب عبثية أو في خضم جرائم الإرهاب والميليشيات والعصابات التي ظلت تحكم الشارع العراقي مذ سنين خمس خلت أو رجل جرت إصابته فما عاد يسطيع عملا يعود عليه بأجر مناسب أو شاب أو شابة بلا شهادة تفيد في عمل معقول أو مقبول... فمن يغطي نفقات التعليم وأجوره؟ ومن يُعنى بهذه الحاجة المهمة الخطيرة؟

لابد هنا أولا وبغاية تصور المعالجة المناسبة من الإشارة إلى أسباب ترك التعليم وهي بالمجمل تعود إلى أمور يتعرض لها النازح أو المهجَّر منها:

1. وجوده في مكان غير عنوانه الدائم وبيته، وعادة ما يكون وضعه غير مستقر في أماكن النزوح سواء كانت في الداخل أم في الخارج لأنه يتنقل في ضوء الإمكانات المتاحة لاستقباله وتعاطي أماكن الاستقبال معه... وتجد النازح المهجَّر اليوم في هذا البيت بهذا الحي أو الضاحية وغدا في بيت آخر بمدينة أخرى بحسب ظروف كدحه من أجل لقمة العيش، أو بحسب فرصة اختبائه من مطارديه وما يتهدد أمنه وحيوات أبنائه وعائلته...

2. عدم تمكنه من جلب الوثائق الرسمية المدرسية والجامعية لأبنائه وبناته لأن عملية التهجير القسري غالبا ما تكون تحت جنح الاضطرار والقسر وسمة الهروب للنجاة بالأبناء في ظروف قاسية لا تسمح بأخذ تلك الوثائق... بسبب عامل الوقت وعامل الحاجة لمبالغ مالية تتضاعف مع حالات الاستغلال والفساد فضلا عن عوامل عديدة أخرى أبرزها طبعا عامل تهديد حياة الإنسان نفسه..

3. عدم توافر إمكانات مناسبة لاستيعاب الحجم العددي الكبير للنازحين في أماكن انتقالهم الجديدة فضلا عن أمور تتعلق بالقرار السياسي وبالقرار الإداري المهني من جهة رفض عملية توطين المهجرين في الأماكن الجديدة ومنعهم من بناء ظروف حياة مستقرة دائمة. فداخليا هناك مشكلات تتعلق بالتركيبة السكانية أو الطبيعة الديموغرافية للمحافظات ومشكلات تتعلق باللغة المستخدمة في المحافظة وأخرى تتعلق بإشكالية الفرز الطائفي والديني أحيانا أو القومي والخشية من تداعيات مثل هذه الأمور... وفي البلدان العربية كسوريا والأردن ومصر والإمارات هناك عقبات ليست سهلة في معالجة تسجيل العراقيين في المدارس والجامعات..

4. يعيش العراقيون في دول الجوار في تجمعات ذات كثافة سكانية كبيرة أمام طاقة استيعابية صغيرة وقدرات خدمية هزيلة فالأحياء الشعبية في مدن دمشق وحمص وحلب وعمَّان والقاهرة وفي أنقرة واسطنبول هي ذاتها في ظروف معاشية صعبة وعلى مستوى المدارس على الرغم من الاستجابة على مستوى القرار السياسي لحاجات مئات ألوف العراقيين في التعليم إلا أن المدارس في هذه البلدان تعاني في الأصل من مشكلة كثافة عدد الطلبة في الفصل الدراسي الواحد فلا مقاعد دراسية ولا إمكانات لتوفير الكتاب المدرسي فضلا عن ضعف إمكانات تلبية حاجات الطلبة من القرطاسية لضعف الموارد المالية للمدرسة غير المستعدة للميزانية الطارئة الجديدة وللعائلة العراقية وميزانيتها الخاوية...

5. الشروط القانونية للقبول بخاصة بشأن التعليم الجامعي للأجانب ومنهم العراقيين حيث لا تستقبل جامعات بعض البلدان الطلبة العراقيين..

6. مشكلة حجر العراقيين في مخيمات لا تسمح لهم بالالتحاق بالمدارس قبل حسم قضاياهم رسميا كما يجري في بلدان أوروبية ما يعني حرمان طلبتنا من التعليم لمدد تصل لسنوات انتظارهم نتائج معاملات لجوئهم أو تثبيت أمسائهم في قوائم المخيمات وبلدان الاستقبال...

من المسؤول عن تلبية حاجة التعليم؟ وكيف يمكننا وضع الحلول؟ إنَّ إجابة شافية وافية تكمن في الحل النهائي لمشكلات القضية العراقية ولكننا في هذه الحال لن نقف عند انتظار الحل النهائي إذ بحساب الزمن فإنَّ خمس سنوات منصرمة تعني أنّ جيلا من الأميين قد وُلِد وقد فـَقـَدَ مئات آلاف الطلبة الجدد فرصهم في التعليم إذ سنويا يبلغ السنّ القانوني للتعليم هذا الحجم من الأطفال ليضيفوا إلى قائمة زملائهم الذين تركوا مقاعدهم وهم في فصول الدراسة الابتدائية (التعليم الأساس) وآخرين غادروا تعليمهم المتوسط والثانوي أو الجامعي.. فمن أحصى هؤلاء أو فكَّر بإحصائهم؟

أجدني أعيد مقترحي السابق في وجوب وجود مكاتب رسمية للمهجرين تـُعنى بتسجيل تفاصيل أحوالهم المدنية وتقديمها للجهات المعنية للمعالجة وتلبية الحاجات ومنها التعليم... وحتى هذا المقترح لا ينبغي أن ننتظر تحققه إذ ينبغي لكل جمعية عراقية تعنى بالثقافة والمعارف وحتى بشؤون الحياة الاجتماعية أن تفتح اليوم قبل الغد سجلا توثيقيا وأن تساعد الكوادر العراقية المتخصصة بشؤون الإحصاء والتوثيق على توفير الاستمارات(الفورمات) المناسبة وتوزيعها بأوسع قدر متاح ورقيا وعلى شبكة الأنترنت على أن تُعاد إلى مركز موحد في دولة الهجرة لتعزيز قراءة صحيحة في توثيق حركة العراقيين بما يلبي حاجاتهم ومطالبهم... وبهذا يكون لدينا المركز الإحصائي والتوثيقي للنازحين واللاجئين أو المهجرين...

من بعد يلزم أن نطالب وزارة التربية والتعليم العراقية في توفير المنهج الدراسي وقرطاسية وافية لجميع مخيمات الداخل وأن تنشئ مدارس مؤقتة وتوظيف من يمكن اعتماده في التعليم الابتدائي حتى إذا تطلب دورات سريعة مستغلين اليوم العطلة الصيفية لمعالجة الأمر في مستواه الداخلي وفي دول الجوار ينبغي رصد ميزانية لطلبتنا تتناسب وحجوم وجودهم دعما لجهود وزارات التربية والتعليم في كل من سوريا والأردن ومصر وغيرها بما يمكنه من توفير الفرصة للطلبة لمتابعة دروسهم ومنع انقطاعهم عنها...

إن عملية إيجاد مكتب التنسيق (في وزارة التربية والتعليم) مع الجهات التعليمية في دول الاستقبال لطلبتنا أمر بات مهمة أكبر من تكليفات فردية أو وظيفية شخصية وصار لزاما وجود دائرة متكاملة المهام تُعنى بمتابعة ظروف دراسة المهجرين.. لحين حسم أمر استقرارهم النهائي... ويمكن بالمرة تشغيل عديد من الكفاءات العلمية العراقية المعطلة للعمل بأجر في تدريس طلبتنا بعد تقويم الشهادات ومعالجة الأمر تنسيقيا سواء بافتتاح مدارس مؤقتة أم بإلحاقهم في مدارس دول الجوار تعزيزا لتلبية متطلبات الجدول الدراسي من تحميله بضغوط مضافة على أن تدفع الأجور من ميزانية طارئة بالخصوص... ومن نافلة القول أن نؤكد على أهمية تعاضد الجهود لتشغيل عراقيينا وإنقاذهم من العوز والكفاف في هذي البلدان وفي تسخير تلك الكفاءات لمعالجة الظاهرة في مجال التعليم وبالتأكيد ربط أبنائنا بوطنهم الأم وتعزيز الشعور بعلاقة متينة وبرعاية واجبة على الحكومة ستعني فرصا للحديث عن تصحيح العلاقة بالدولة العراقية وبإمكان تغير طبيعة تلك العلاقة إيجابيا...

إذن من المهم اليوم قبل الغد أن تنهض الحكومة بتشكيل مكتب متابعة عبر وازرة الهجرة ومكتب تنسيق بوزارة التربية والتعليم وأن يجري تشكيل لجنة لتشغيل الكفاءات العراقية في مدارس مؤقتة تستحدث أو بإلحاقهم بمدارس دول مجاورة تغطية للملاكات التعليمية بميزانية عراقية.

وسيكون ترك ابنائنا وبناتنا بلا تعليم جريمة ووصمة عار لن تمحى فهؤلاء مسؤولين من الدولة العراقية ومطالبهم في الحياة الكريمة ومن ذلك تلبية مطلب تعليمهم أمر يدخل في جوهر مسؤوليات الحكومة اليوم. ولسنا بعد هذا بحاجة للحديث عن أهمية التعليم في حاضرنا ومستقبلنا ومعنى ترك هذي الأجيال بلا تعليم ونهب الأمية والجهل وما يولده من أرضية لكل أمراض البشرية ومخاطر مثل هذا الإهمال والإغفال...

أضع هذه الأفكار بين يدي الوزارات المعنية واللجان المتخصصة في البرلمان العراقي وبين يدي المعنيين بالتربية والتعليم والكفاءات العراقية لكي تعد الخطط اللازمة لتفعيل ما يفيد في معالجة أزماتنا التي صارت تتراكم وتتعاظم على حساب العراقي المنهوب في أملاكه التي غادرها قسرا وحياته التي تُصادر منه كرها.. فهل من خطوة فعلية عمليا أم نلجأ إلى المنظمات الدولية مرة أخرى بحثا عن هوامش حلول!!

نموذج المدرسة المؤقتة:
1. تأجير بناية أو بنايات متقاربة وبحسب الحاجة الفعلية للطلبات التي تقدّم لمكتب التعليم الذي يُنشأ لهذا الغرض..

2. إعلان لتشغيل كفاءات عراقية مناسبة في الإدارة والتعليم بعقود سنوية..

3. تشكيل لجنة متابعة يمكن لموظفيها أن يعملوا في مجالس المحافظات (في الداخل) أو في القنصليات أو مكاتب متخصصة (في بلدان الجوار) وتكون مهامها التنسيق مع وزارة التربية في الوطن وفي البلد المعني أو بتوجه مفتشين عراقيين لمتابعة تلك المدارس...

4. توثق وزارة التربية والتعليم العراقية رسميا لمسيرة هذه المدارس ومتابعة نتائجها وتدقيقها بما يساهم في حل جزء مهم من المعضلة...

وفي مجال التعليم العالي:
الإفادة من التعليم بالمراسلة أو بتوظيف التعليم الألكتروني مع إجراء الامتحانات بالاتفاق مع الجامعات الرسمية لبلدان الجوار وأن يحظى الطلبة الجامعيون العراقيون بإعانات التعليم حتى اكتمال دراستهم.. والإفادة بالخصوص من جهود الأساتذة العراقيين في الخارج مقابل مكافآت عمل مناسبة... وهو أمر سيفيد في ربط الأستاذ العراقي بمهنته وببحوثه العلمية والعملية...
 

17\07\2008


*
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان


 

free web counter