الطَبيبُ البَيْطرِيّ في عُقْرِ رِسالَتِهِ
شذى توما مرقوس
( أَيُّ دَوْرٍ لِلطَبيبِ البَيْطرِيِّ في حَملاتِ إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ )
...... تَمْويهاً وإِخْفاءً لِلمَقاصِدِ العَدَائِيَّة مِنْ إِضْمارِ العَدَاءِ والكُرْهِ لِلحَيَواناتِ واحْتِقارِها وسُوءِ مُعاملَتِها ، وغَيْرِها مِن الأَسْبابِ اللاعادِلَةِ الأُخْرَى ، يُطْلقُ على جَرِيمَةِ إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ تَسْمِيَة ــ حَملات مُكافحَةِ الكِلابِ السَائبَةِ ــ وفي حَقِيقَتِها هي قَضاءٌ وإِبادَةٌ لَها .
فمِنْ خِلالِ حَملاتِ الإِبادَةِ يُخْفِي الإِنْسَان حَقِيقَةَ كُرْهِهِ لأَشْكالِ الحَيَاةِ الأُخْرَى ، وعَدَائِهِ ومُحَاربَتِهِ لِلحَيَواناتِ وعَدَم احْتِرامِهِ لِحَقِّها في الحَيَاةِ ، وأَيْضاً يُغطِّي ضَعْفَهُ في تَحَمُّلِ المَسْؤولِيَّةِ المُلْقاةِ على عاتِقِهِ تُجاهَ الكائِناتِ الأُخْرَى عامَّةً والحَيَوانات بِشَكْلٍ خَاصٍّ لِجَهْلِهِ بِها وعَنْها ، إِنَّهُ يُخْفِي فظَاظَتَهُ وعُنْجُهيَتَهُ وقَسْوتَهُ وضَعْفَهُ في طَيَّاتِ إِبادَةِ الكائنِ الآخَر المُخْتَلِفِ عَنْهُ والَّذِي يَجْهلُ كُلَّ أَوْ بَعْضَ ما يَتَعلَّقُ بِهِ وعَنْهُ ، كما يَقُولُ بإِيمانِهِ كَوْنَهُ الكائِنُ الأَعْلَى مَنْزِلَة ومَكانَةً ........
الحُجَّة القَائمَة والمُتَداولَة والَّتِي تَعفَّنَتْ مِنْ وَحْشِيَّةِ اعْتِصارِها ففاحَتْ رائِحَتُها وأَزْكمَتْ الأُنُوف هي الخَطَر الَّذِي تُشكِلَّهُ الحَيَوانات ومِنْها الكِلابُ السَائبَة على صِحَّةِ الإِنْسَانِ والأَمْراضِ الَّتِي تَنْقُلُها إِلى الإِنْسَانِ العَظيم ، مَرْكز الكوْنِ ، وَكِيل إِلَهِهِ على الأَرْضِ ، مُتناسِين إِنَّ الإِنْسَان أَيْضاً هو مَصْدرُ خَطَرٍ على الحَيَواناتِ في أَفْعالِهِ المُجَرَّدَة عَنْ التَفَهُّمِ والرَحَمةِ وفي وَحْشِيَّتِها ، وأَيْضاً لأَنَّهُ يُشكِّلُ مَصْدراً لِنَقْلِ الأَمْراضِ إِلَيْها ، والأَطِبَّاء البَيْطرِيين والَّذِين عكفُوا فُصُولاً في دِراسَةِ الأَمْراضِ المُشْتَركةِ بَيْنَ الإِنْسَانِ والحَيَوانِ في مَنَاهِجِ الجَامِعةِ يَعْرِفون ذلك جَيِّداً ، فكما يَكونُ الإِنْسَانُ ضَحِيَّة بَعْضِ الأَمْراضِ المُنْتَقِلَةِ إِلَيْهِ عَنْ الحَيَوانات ، أَيْضاً يَكونُ الحَيَوانُ ضَحِيَّةَ بَعْضِ الأَمْراضِ الَّتِي يَنْقُلها إِلَيْهِ الإِنْسَان .
لَوْ كانَ الإِنْسَان حَقَّاً هو المُصْطفى مِنْ بَيْنِ الكائِناتِ لِيُناط إِلَيْهِ مَسْؤولِيَّةَ الأَرْضِ وما عَلَيْها ، فإِنَّ اصطِفاءَهُ ذَنْبٌ فادِح لأَنَّهُ أَكْثَرُ الحَيَواناتِ شَراسَةً وقَسْوَةً وأَنانِيَّةً وأَضْعَفهُم نُبْلاً . كما يُمْكِنُ أَنْ نُلاقي انْتِشاراً لِلكِلابِ السَائبَةِ في بِلادٍ أَنْهَكتْها الحُروبُ وخَانَها الأَمان والاسْتِقرار ، أَيْضاً يُمْكِنُ أَنْ تَكونَ كائِنَةً في بِلادٍ تَسِيرُ بِها قَناعاتُها الدِينِيَّة إِلى رَفْضِ الحَيَواناتِ وتَطْبِيعِ أَفْكارٍ لامُحَبَّبة ولاودِيَّة عَنْها فتَقْتَصُّ مِنْ عَامِلِ التَشْجِيعِ على تَرْبِيَةِ هذهِ الحَيَواناتِ والاقْتِرابِ مِنْ عَالَمِها وتَجْعلَهُ عَامِلاً مُتَعطِّلاً ، ولاعَجَبَ إِنْ كانَتْ ظَاهِرَةُ الكِلابِ السَائِبَةِ في بَعْضِ البُلْدانِ المُتَقَدِّمَةِ ماثِلَةً أَيْضاً ، التَبايُن هو في حَجْمِ الظَاهِرَة وحِدَّتِها وسِعَةِ انْتِشارِها مِنْ بَلَدٍ لآخَر وكذلِك الوَسائِل المُتبَّعَة لِمُواجَهتِها .
إِنَّ جَرِيمَةَ إِبادَة الكِلابِ السَائبَةِ هي لَطخاتُ دِماءٍ في دَرْبِ الإِنْسَانِيَّة المَحْموم بِجَرائم لا تُحْصَى ، إِحْداها تُضَارِعُ الأُخْرَى وتُسابِقها ثِقَلاً ووَزْناً وبَشَاعةً ، فمِن الجَرائِمِ المُرْتكبَةِ بِحَقِّ الطُفولَةِ إِلى اغْتِصابِ حُقوقِ الضَعِيفِ ، جَرائم غَسْلِ العارِ ، الإِساءَةِ إِلى الطَبِيعَةِ والبِيئَةِ ، مُروراً بِمُتَعدِّداتٍ أُخْرَى كثِيرَة كالإِباداتِ الجَماعِيَّة لِعِرْقٍ أَوْ طائِفَةٍ أَوْ تَصْفِيَةً لِلأَفْراد ...... إلخ ، انْتِهاءً بِالتَعدِّي على الكائِناتِ الأُخْرَى وسَرِقَةِ البِيئاتِ الطَبِيعِيَّة لِلحَيَواناتِ وتَقْويضِ مُسْتلزَماتِ عَيْشِها ودَفْعِها لِلفَناءِ والانْقِراضِ ، إِلى إِبادَةِ الحَيَواناتِ وأَقْربِ مِثالٍ عَلَيْها هو إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ ، إِنَّ رَصِيدَ الإِنْسَانِيَّةِ مِن الجَرائِمِ والبَشَاعاتِ لَهو كبِيرٌ وثَقِيل .
طالَما بَقِيَ الإِنْسَانُ مُصِرَّاً على أَهمِيَّتِهِ الخَارِقَةِ وعَظمَتِهِ الوَهْمِيَّة في أَنَّه مَرْكزَ الكوْنِ وأَفْضَلَ الكائِناتِ وأَعْلاها قِيمَةً فلَنْ يكونَ هُناكَ حَلٌّ لِهذِهِ العَقباتِ أَبَداً ، إِنَّ الأَرْضِيَّةَ الصَالِحَة والَّتِي يُمْكِنُ لَمْلَمَتها فَوْقَها وحَلَّها إِنَّما يَكْمنُ في تَعلُّمِ الإِنْسَان التَواضُع ........
التَواضُع فيما يَخُصُّ مشَاكِل الإِنْسَان مَعَ الحَيَوانات يَعْنِي أَنْ يَجْتَهِدَ الإِنْسَان في بَذْلِ احْتِرامِهِ ومَحَبَّتِهِ لأَشْكالِ الحَيَاةِ الأُخْرَى على الكَوْكبِ ، وصِيانَةِ حُقُوقِها وحِمايَتِها مِنْ أَذَاه كإِنْسَان ، وعَدَمِ احْتِقارِها ، أَوْ النَظَر إِلَيْها بِدُوْنِيَّةٍ واسْتِخْفافٍ واسْتِهْزاءٍ ، ففي النِهايَةِ وجُود أَشْكالِ الحَيَاةِ الأُخْرَى إِنَّما يَصُبُّ في مَصْلَحةِ الإِنْسَانِ والكَوْكبِ والطَبِيعةِ ، والأَمْثِلَة لاتُحْصَى على ذلِك ونَذْكُرُ مِنْها هُنا واحِداً فَقَطْ على سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْرِ : نَقْل البذور ونَثْرِها إِلى مساحاتٍ واسِعة .
هذهِ هي نُقْطَة البِدايَة .....
يَعْرِفُ كُلُّ مَنْ دَرسَ الطُبّ البَيْطرِيِّ إِنَّهُ لَيْسَ مشْواراً هَيناً نَظَراً لِشُمولِيةِ وتَعدُّدِ المَجالاتِ الَّتِي يُغطِّيها ويَتَداخلُ بِها ويَتَواصلُ مَعَها ، فهو يُغطِّي مَساحات مَعْرِفِيَّة كثِيرَة ومُتَنوِّعة ويَتَصِّلُ كما يَتَداخلُ بِعُلومٍ أُخْرَى مُتَنوِّعة حَيْثُ تَعدُّد المَجالاتِ : فمِنْ تَعدُّد الحَيَوانات وتَنوُّعها واخْتِلافِ بِيئاتها وطُرُقِ التَعامُلِ مَعَها وظُروفِ مَعِيشتِها إِلى التَواصُلِ بِعِلْمِ البكتريولوجي ، الفايرولوجي ، البايولوجي ، الباراسايتولوجي ، المَناعةِ ، الوراثَةِ ، الإِحْصاءِ ، التَشْرِيحِ والتَشْرِيحِ المُقارِن ، الأَمْراضِ المُشْتَركةِ ، عِلْم الأَدْوِيَةِ ، الأَمْراضِ المُعْدِيَة ، البَاطنِيَّة ، الأَشِعةِ ، عِلْم الأَنْسِجَةِ ، عِلْم الجِراحَةِ ، التَوْلِيد ، إِدارَةِ الحَيَوان ، الصِحَّةِ الغِذائِيَّة ........ وجَرَّاً لِأُخْرياتِ العُلوم .
بَعْدَ سنواتٍ مَضْنِيَّة مِن الدِراسَةِ والتَعَبِ والجُهْدِ يَتَخرَّجُ الطَبِيبُ البَيْطرِيّ ، فهَلْ يَتَخرَّجُ لِيَقْتُل الحَيَوانات أَمْ لِيُعالِجها ويُحْييها ولِيَسْتَعْمِل عُلومَهُ ومَعارِفَهُ في إِيجادِ وسائلَ بَدِيلَة تَنْبُضُ بِالحَيَاةِ لا الفَناء ؟
هذا سُؤالٌ مُخْتَصرُ جَوابِهِ يُعْطِي الدلِيل على عُقْمِ انْخِراطِ الأَطِبَّاءِ البَيْطرِيين في حَملاتِ إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ بَدَلاً مِن التَرْكِيزِ على عِلاجِها ومُكافحَةِ الأَمْراضِ ولَيْسَ الحَيَوان المَرِيض ، والتَعاونِ مَعَ جمْعِياتِ حِمايَةِ الحَيَوانِ ومُنظماتِ المُجْتَمعِ المَدنيِّ الأُخْرَى لإِيجادِ سُبُلٍ كفِيلَةٍ بِحِمايَةِ حَيَاةِ الحَيَواناتِ كُلّها والسَائبَةِ مِنْها أَيْضاً والبدائِلُ فائِضة :
1ــ إِقامَة مَلاجئ لِلكِلاب ، أَوْ اسْتِغلال المسَاحَات الجُغرافية الغَيْر المَأْهُولَةِ بِالسُكان بَيْنَ المُدن إِن وُجِدَتْ لإِسْتِضافَة الحَيَوانات .
2 ــ اتِباع عَملِياتِ الإِخْصاءِ لِذُكورِ الكِلابِ والقِطط ، والتَعْقِيمِ لإِناثِها .
3 ــ تَنْفِيذ بَرامِج التَلْقِيحات لِلحَيَواناتِ السَائبَةِ ( وهُنا أَقْصُدُ القِطط والكِلاب ) .
4 ــ الحَثّ على تَرْبيَةِ الكِلابِ ، وإِلْزامِ المُربِّي بِبَرْنامجِ التَحْصيناتِ الوِقائيَة والتَلْقيحاتِ ضِدَّ الأَمْراضِ ومُتابَعةِ الأَحْوالِ الصِحِيَّةِ لِلحَيَوانِ ، مَعَ تَزْويدِ كُلِّ حَيَوان بِهَوِيَّة صِحِيِّة حافِظةَ لِتِلك البَياناتِ ( العمر ، الفصيلة ، الجنس ، التلقيحات ....... إلخ ) .
5 ــ ( تِبْيان وتَوْعِية )
التَرْويج لِلمَنافِعِ المُتَعدِّدةِ الَّتِي يُمْكِنُ جَنْيها مِنْ تَرْبيَةِ الكِلابِ واقْتِنائها :
الحِراسَة ، مُساعدَة المَرْضَى والمُعوَّقين ، مُساعدَة كِبارِ السِنِّ ، كرَفِيق وعِلاج نَفْسِيِّ لِلأَشْخاصِ الوَحِيدِين أَوْ الَّذِين يُعانون مِنْ ضَائقاتٍ نَفْسِيَّة أَوْ عَاهاتٍ عَقْلِيَّة وِراثِيَّة أَوْ المُعوَّقِين والمُقْعدِين أَوْ مَنْ يَمرُّون بِظُروفٍ حَياتِيَّة صَعْبَة كالانْفِصالِ أَوْ الفُراق أَوْ الطَلاق ..... إلخ ، إِضافَةً إِلى الاسْتِفادَةِ مِن الكِلابِ في حالاتِ الزَلازِل لِلاسْتِدلالِ على الضَحايَا تَحْتَ الأَنْقاضِ أَوْ إِنْقاذِ الغَرْقَى وكذلِك الكَشْف عَن المُخدَّراتِ ، ولانَنْسى الأَثَرِ الإِيجابي القَيِّم في مُهِّمَةِ تَرْبِيَةِ الأَطْفالِ .
6 ــ تَوْجيه دَفَّة الإِرْشادِ والإِعْلامِ الصِحِيِّ البَيْطرِيِّ في سِلْسِلَةِ مُحاضراتِ التَوْعِيَةِ ونَشَراتِ الإِرْشادِ الصِحِيِّ نَحْوَ بَثٍّ يَحُضُّ على تَحْسِينِ نَوْعِيةِ التَعامُلِ مَعَ الحَيَواناتِ والارْتِقاءِ بِها وكيْفِيَّتِهِ ، وطُرُقِ مُواجهَةِ المَواقِفِ الطَارِئة ، وتَصْحِيحِ فِكْرَةِ الأَفْرادِ اللاعادِلَة عَن الكِلابِ ، وتَبنِّي تَوْعِيَةً تُزِيلُ الخَوْفَ والشَكَّ وسُوءَ الظَنِّ مِن النُفُوسِ تُجاهَ الحَيَواناتِ وتَنْحو نَحْوَ تَعلُّمِ السُبُلِ الصَحِيحةِ لِلتَعامُلِ مَعَها ، وهذا يَتأْتى بِبَعْضِ المَعْرِفَةِ عَنْ عالَمِ الحَيَوانِ المَقْصُود التَعامُلِ مَعَهُ ، فالخَوْف يَتَولَّدُ لَدَى الإِنْسَان مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ عَن الطَرَفِ الثانِي المَجْهول سَواءً كانَ إِنْسَاناً آخَر ، أَوْ حَيَواناً ، أَوْ نَباتاً ، أَوْ ثَمرَة ، أَوْ مَدِينةً ، أَوْ طَرِيقاً ما ..... إلخ .
كُلُّ مَجْهولٍ يُثِيرُ الشَكَّ والرِيْبة والخَوْف في النُفُوسِ .
يَكُونُ مِن المُفيدِ جِدَّاً إِقامة دَوْرات تَدْريبيَّة تُقوِّي هذا الجَانب المُهِمّ وتَدْعَمهُ ، وأَيْضاً الاسْتِفادَة من القَنوات السَمْعِيَّة والمَرْئيَّة لِبَثِّ بَرامج هذهِ الدَوْرات ، وكذلِك الوسائِل الأُخْرَى المُتاحة مِنْ انترنيت وغَيْره .
7 ــ حَملات تَوْعِية ، مُحاضرات ...... إلخ ، تَتُمُّ بِعدالَة فَتَخْدِمُ الإِنْسَان والحَيَوان على حّدٍّ سواء مِنْ خِلالِ بَثِّ المَعْلوماتِ الأَمِينة والدَقِيقَة والصَادِقَة عَنْ الحَيَوان .
8 ــ تَعاون السُكان مَعَ جِهاتِ الصِحَّة البَيْطَرِيَّة بإِبْلاغِ الأَخِيرة عَنْ أَيَّةِ مُلاحَظَةً ولَوْ لِعارِضٍ مَرَضِيٍّ بَسِيط يَعْتَرِي أَحَد الحَيَواناتِ في أَماكِنِ تَواجُدِها كي تُبادِر إِلى إِخْضاعِها لِلفَحْصِ والعِلاج والمُتابَعة .
9 ــ مُكافحَة الأَمْراض المُشْتَركة بَيْنَ الإِنْسَانِ والحَيَوان مَعَ اتِباعِ بَرامِج مَسْحٍ مَيْدانِية لِلأَمْراضِ وحَسْرِها عَنْ الانْتِشارِ .
10 ــ كما إِنَّهُ مِن المُفِيدِ جِدَّاً الاسْتِفادَةِ مِنْ خِبْراتِ الدُولِ الَّتِي عانَتْ سَابِقاً مِنْ نَفْسِ المُشْكِلَةِ ووجدَتْ لَها حُلُولاً تَلِيقُ بإِنْسَانِيَّةِ الإِنْسَانِ بَعِيداً عَنْ أَسالِيبِ الإِبادَةِ والَّتِي تَدُلُّ على فَظاظَةٍ ووَحْشِيةٍ لامُبَررَ لَها تُجاهَ الكائِناتِ الأُخْرَى .
11 ـــ يَكونُ مِن المُفِيدِ جِدَّاً التَعاونِ مَعَ المُنظماتِ العَالَمِيَّة لِحِمايَةِ الحَيَوانِ والاسْتِعانَةِ بِها والَّتِي ستُقدِّمُ خَدَماتها بِمَسْؤولِيَّةٍ خالِصَةٍ لِلبَلدِ الَّذِي يَحْتَاجها دُوْنَ أَنْ تَسْتَنْزِفُ مِنْ خَزِينتِهِ المالِيَّةِ سُيولاً فأَغْلبَها يَعْتَمِدُ في أَعْمالِهِ على التَبرُّعاتِ المالِيَّةِ الَّتِي يُشارِكُ فيها المُسانِدون لِهكذا قَضايَا ، وكما كانَ الحَالُ في بالي ( الجَزِيرة الاندونيسية ) فستُخصِّصُ هذهِ المُنظمات طَواقِمَ عامِلَة لَها خِبْراتٌ مُتَميزة وباعُ عَمَلٍ طَوِيلٍ لِمُعاضَدَةِ ومُسانَدَةِ البُلْدانِ الَّتِي أَعْلنَتْ عَنْ حاجَتِها ورَغْبَتِها في تَقَبُّلِ المُساعَدَاتِ .
12 ــ تُهْدَرُ الأَمْوالُ الطَائلَة على عَملِياتٍ غايَتَها القَتْل لِلحَيَواناتِ السَائبَةِ ( حَملات الإِبادَةِ ) ، فلِماذَا لايُمْكِنُ تَوْظِيف واسْتِثْمارِ نَفْسِ هذهِ الأَمْوالِ المَهْدورَةِ لِلقَتْلِ في غايَةٍ مُعاكِسَةٍ مِنْ صَمِيمِ رِسالَةِ الطَبِيبِ البَيْطرِي أَلاَ وهي تَقْوِيَة الجَانِب الصِحّيِّ وحِمايَتِهِ وضَمانِهِ وتَوْفِيرِهِ لِلحَيَواناتِ ، أَيْ الحِفاظ على حَيَاتِها بَدَلِ قَتْلِها ، والاسْتِفادَةِ مِنْ خَدماتِها المَعْنوِيَّةِ والمَادِيَّةِ المَلْموسَةِ في حَيَاةِ الفَرْدِ والمُجْتَمعِ .
كما يُمْكِنُ الإِشارَةِ إِلى جَانِبٍ إيجابي مَلْموس في هذا التَوجُّهِ وهو تَوْفِير فُرص عَمَل بِدَرجات وظِيفِيَّة مُتَنوِّعة تُساهِمُ في التَخْفِيفِ مِنْ زَخْمِ سُوقِ البَطالَةِ ولَوْ بِنِسْبَةٍ ضَئيلَة .
إِلى ماذَا تَرْمي حَملات إِبادَة الكِلابِ السَائِبَة ؟
سُؤالٌ غَايَة في الأَهمِيَّة يَجِبُ على مُنظِّمِيِّ الحَملات طَرْحَهُ قَبْلَ الشُرُوعِ في خُطُواتٍ لاحِقَة .
هَلْ تَرْمي إِلى إِبادَةِ الكِلابِ نِهائِيَّاً والقَضاءِ عَلَيْها كما يُدلِّلُ اسْمها بِذلِك بِحَيْثُ يَتَعرَّفُ الأَطْفالُ عَلَيْها مُسْتَقْبلاً فَقَط ْ في صُورِ القِراءَةِ المَدْرسِيَّة كما يَتَعرَّفُ الأَطْفالُ اليَوْم على بَعْض الأَنْواع والَّتِي انْقرضَتْ بِفِعْلِ قَسْوَةِ الإِنْسَان مِنْ كُتُبِهم المَدْرسِيَّة ؟
هَلْ هذا ماتَسْعَى إِلَيْهِ الإِنْسَانِيَّة في مَحْمومِ سَعْيها ؟
هَلْ تُرِيدُ هذهِ الحَملات إِفْراغ المُدُن تَماماً مِنْ هذهِ الحَيَواناتِ الوَفِيَّة الصَدِيقَة ؟
أَيُّ صُورَةٍ تُرْجَى لِهذِهِ المُدُنِ بِفُقْدانِ إِحْدَى كائِناتِها ؟
شِئْنا أَمْ أَبيْنا الكِلابُ هي جُزْءٌ مِنْ عالَمِنا ، فأَيُّ إِنْكارٍ لِهذِا الوَاقِعِ يَسِيرُ بِنا وإِلى أَيْن ؟ .
أَيُّ بَرِيقٍ لِمَدِينَةٍ تَخْلو مِنْ حَيَواناتٍ عُرِفَتْ على مَرِّ العُصُورِ بِوفائها وصَداقَتِها لِهذا الكائنِ الأَنانيّ المُتَكبِّر ـ الإِنْسَان ـ ؟
تَرْبِيَةُ الكِلابِ لَيْسَتْ تَرَفاً كما يَظُنُّ البَعْض وإِنَّما مِنْ مُترافِقَاتِ الحَيَاةِ الطَبِيعِيَّة سَواءً كانَ الإِنْسَانُ فَقِيراً أَمْ غَنِيَّاً ، تَتَعدَّدُ أَهْدافُ تَرْبِيتِها وتَتَنوَّعُ مِنْ مُؤانِسَةٍ لِلإِنْسَانِ ورَفِيقٍ لَهُ وأَيْضاً كعِلاجٍ نَفْسِيٍّ طَبِيعِيٍّ لِلشَخْصِ الَّذِي يَمُرُّ بِمَراحِل حَيَاتِيَّة صَعْبَة مِنْ مَتاعِبٍ أَوْ إِعاقَةٍ أَوْ مَرَض ..... إلخ ، إِلى اسْتِخْدامِها في خَدَماتٍ مُتَنوِّعةٍ ومَجالاتٍ كثِيرَةٍ نَوْهنا عَنْها أَعْلاه وأَيْضاً في مَقالَةٍ سَابِقَةٍ بِعُنْوانِ ( عَنْ جَرِيمَةِ إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَة ) ، وأَسْتَمِيحُ القُرَّاءَ والقَارِئات عَن التِكْرارِ لِلضَرُورَة فأَحْياناً يَكونُ التِكْرار كفِيلٌ بِإِيصالِ الفِكْرَة بِشَكْلٍ أَوْفر ، حَيْثُ في قَضايا ما تكونُ صَرَامَةُ الِإنْسَانِ صَلِدَة ُ لا يُمْكِنُ اخْتِراقُها أَو تَلْيينها إِلاَّ بِالتِكْرار الَّذِي يَبْغِي حَثُّ المُقابِل على التَفْكِيرِ فيما يَسْتَنْكِرهُ لِمَرَّة ويَراهُ غَرِيباً عَنْ تَقَبُّلاتِهِ ، وبِالتَالِي يَنْمو لِلإِنْسَانِ مَوْقِفاً مُحايداً أَوْ مُوافِقاً أَوْ مُناهِضاً ، فالتِكْرار هو بِمَثابَةِ فُرْصة لإِعادَةِ النَظَرِ في قَضايا نَعْتَقِدُ بِها بَدِيهِيَّة مَحْسُومَة .
في السَنواتِ الأَخِيرَةِ دَخلَتْ عُلُوم الطُبِّ البَيْطرِيّ ( وكذلِك الطُبّ البَشَرِيّ ) تَشْرِيعاتٍ بِقَوانِينٍ تَسْمَحُ بِإِنْهاءِ حَيَاةِ الحَيَوانِ في حالَةِ مُعاناتِهِ الشَدِيدَةِ مِنْ آلامٍ مُبَرِّحَة لا تُطاق نَتِيجة مَرَضٍ ما لايُمْكِنُ عِلاجَهُ ، أَو حادِث ، أَوْ وَطْأَة الشَيْخُوخة ومَراحِلِها الأَخِيرَة ..... إلخ .
أَحَدُ أَغْراضِ هذا القَانون هو تَسْرِيحُ الحَيَوانِ مِنْ أَلَمِهِ وإِعْفائِهِ مِنْ مُعاناةٍ لامُوجِبَ لَها ، وتَتِمُّ هذهِ العَملِيَة تَحْتَ شَرْطِ عَدَمِ تَسْبِيبِ أَيَّ أَلَمٍ لِلحَيَوانِ ، حَيْثُ يُحْقَنُ الحَيَوان بِمُخَدِّرٍ لِيَنامَ نَوْماً خَفِيفاً تَتْبعُها جُرْعَةٌ أُخْرَى مُضَاعَفَة لِيَغُطَّ الحَيَوانُ في نَوْمٍ عَمِيقٍ حَتَّى يَتَوقَّفُ القَلْبُ ويَذْهَبُ الحَيَوانُ آمِناً إِلى مَثْواهُ الأَخِير دُوْنَ أَنْ يَشْعُرَ بِما كان ، نَاهِيك عَنْ قِيامِ الطَبِيبِ البَيْطرِيّ بِهذا بِاحْتِرامٍ تَامٍّ لِلحَيَوان .
تُصَوَّرُ العَملِيَة وكأَنَّها نَوْمٌ عَمِيقٌ مُسْتَمِرٌ يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ ما أَحاقَ بِهِ .
يَنْفُرُ الأَطِبَّاءُ البَيْطرِيين مِنْ اللُجوءِ إِلى هذهِ الطَرِيقَةِ إِلاَّ في حالَةِ انْتِفاءِ كُلِّ بَدائلِ العِلاجِ ، ولاعَجَبَ في ذلك فالأَطِبَّاء في عُقْرِ رِسالَتِهم يَحْرِصونَ على الحَيَاةِ واسْتِمرارِها والعِلاجِ لا إِنْهائِها ، مِنْ هذا تُشَكِّلُ هذهِ العملِيَّة مَحطَة حُزْنٍ وأَلَمٍ في مِشْوارِ رِسالَتِهم وستَبْقَى كذلك حَتَّى تُوفِّرُ البَدائِل .
إِنَّ وظِيفَةَ الطَبِيبِ البَيْطرِيّ لَيْسَتْ تَرأُس حَملات إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ ، أَوْ دَسِّ أَقْراصِ الأستركنين السَامَّةِ في طَعامِها ، أَوْ حَمْلِ بُنْدقِية ومُطاردَتِها لِقَتْلِها ..... إلخ ، فكُلّ ذلِك يُسِيءُ لِلطُبِّ والطَبِيبِ على حَدٍّ سَواء ، لأَنَّ الطُبّ البَيْطرِيِّ وكما سَبَقَ وأَنْ قُلْتُ في مَقالَتي ( نَحْوَ مَنْظُورٍ جَدِيدٍ لِلعلاقَةِ بَيْنَ الإِنْسَانِ والحَيَوان ) : الطُّبُّ البَيْطَرِيِّ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِهْنَة إِنَّما هو فِعْلُ مَحَبَّة وعَطاء : لِلطَبِيعَةِ ، لِلحَياةِ ، ولِكُلِّ الكَائِناتِ قَاطِبَةً وعلى وَجْهِ الخُصُوصِ الحَيَوان وبِالتَالِي لِلأَرْضِ ولِلكَوْنِ ، أَيّ هو رِسالَة عَطاء وتَواصُل ومَحَبَّة مَعَ الكائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَة مَهامَهُ العِلاج وإِنْقاذِ الحَيَاةِ ولَيْسَ الإِبادَة .
فهَلْ يُكافِحُ الطَبِيبُ البَيْطَرِيِّ لِبِناءِ مُجْتَمعِهِ مِنْ خِلالِ عُلومِهِ ومَعارِفِهِ وأَدواتِهِ الطُبِّيَّة وأَدْويتِهِ لِمُعالَجةِ الأَمْراضِ والقَضاءِ عَلَيْها والحَدِّ مِنْها ، أَمْ لِلقَضاءِ على المَرِيضِ فيَحْمل البُنْدقِية ويَمْلأَ جُيُوبَهُ بِالخَراطِيشِ ووسائِلَ أُخْرَى لِيُرْدِي المَرِيض مِنْها والسلِيم قَتِيلاً ؟
كَيْفَ يَسْمحُ الطَبِيبُ البَيْطَرِيّ بِاسْتِغلالِ جُهُودِهِ وخَدَماتِهِ وعِلْمِهِ في حالٍ لايَمُتُّ بِوَصْلَةِ صِلَةٍ إِلى لُبِّ وعُقْرِ رِسالَتِهِ ؟
تَباينَتْ آراءُ الأَطِبَّاءِ البَيْطَرِيين في مَوْضُوعِ حَملاتِ إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَة ، فمِنْهُم مَنْ يَرَى إِنَّها لا تَعُود لِرِسالَتِهِ بِصِلَةٍ ويَجِبُ الانْسِحابَ عَنْها تَماماً ، ومِنْهُم مَنْ يَرَى لَهُ دَوْرٌ كبِيرٌ يُؤدِّيهِ فيها ، ونُدْرَة تَتَحدَّثُ بِانْسِيابيَةٍ عَنْ أَهَمِيَّةِ القَضاءِ عَلَيْها وكأَنَّ الأَمْر طَبِيعيّ في قَتْلِ حَيَواناتٍ كُلّ ذَنْبِها إِنَّها سائبَة .
على الطَبِيبِ البَيْطَرِيِّ أَنْ يَتَوجَّه في مَسْؤولِياتِهِ العَملِيَّة والحُلُولِ المُقْتَرحَةِ تَوجُّهاً عِلْمِيَّاً خَالِصاً يَنْبعُ مِنْ لُبِّ رِسالَتِهِ ولَيْسَ دِينيَّاً .
آن لِلطَبِيبِ البَيْطَرِيِّ أَنْ يُناهِضَ حَملات القَضاءِ والإِبادَةِ على أَيِّ حَيَوانٍ كان ومِنْها الكِلاب فذلِك يُسِيءُ إِلى نُبْلِ وتَسامِي خَدَماتِهِ المُقَدَّمَة لِلإِنْسَانِيَّةِ ولِلحَيَواناتِ والعالَمِ والكَوْكب ، الطُبُّ البَيْطَرِيّ عطاءٌ ومَحَبَّة وخِدْمةٌ خالِصَة لاتَشُوبها أَدْرانُ العداءِ لِلكائِناتِ الأُخْرَى ......
الطَبِيبُ البَيْطَرِيّ الكائِنُ الَّذِي يَعْملُ بِصَمْتٍ وإِخْلاصٍ وتَواضُعٍ آنَ لَهُ أَنْ يَنْتفِضَ ضِدَّ كُلِّ ما يُسِيءُ إِلى خَدَماتِهِ ومَرْضاه وضِدِّ كُلِّ مايُشوِّهُ نُبْلَ هذهِ الخَدَمات .
...... جَوْلَة في الشَبكةِ ــ النِت ــ تَطْرحُ أَخْباراً مُخْجِلَة يَنْدى لَها جبِينُ الإِنْسَانِيَّةِ عَاراً عَنْ جِهاتٍ مُخْتصَّة تَطْرَحُ مُكافأَةً مُغْرِيَّة لِكُلِّ فَرْدٍ يَأْتي بِكلْبٍ سَائبٍ حَيَّاً أَوْ مَيتاً ، وآخَر يُنادي بِأَنَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةٍ لِلقَضاءِ على الكِلابِ السَائبَةِ هي اسْتِخْدام الطُعْمِ المَسْمومِ ، وثَالِثٌ يَشْكو مِنْ نقْصِ أَقْراصِ الأستركنين السَامَّةِ والفَعَّالَةِ جِدَّاً في قَتْلِ الكِلابِ السَائبَةِ ويُطالِبُ الطَرَفَ المَعْني بِتَوْفِيرِها لأَنَّ مالَدَيهِ مِنْها لَيْسَ كافٍ لإِبادَةِ الكِلابِ المُتَواجِدَة في تِلك المُحافَظَةِ عَنْ بِكْرَةِ أَبِيها ، وهُناكَ شَكْوى مِنْ أَحدِ المُواطنين يَظُنُّها المَسْؤول في الجِهَةِ المُتَكفِّلَة بِالحالِ شَكْوى قَيِمَة جِدَّاً ويَجِبُ الانْتِباه لِما وَردَ فيها وأَخْذه بِنَظَرِ الاعْتِبارِ ، فهو يَقْتَرِحُ تَغْييرَ أَوْقاتِ الحَملاتِ وجَعْلِها مَساءاً ولَيْسَ صَباحاً ، لأَنَّ الأَطْفال غَالِباً ما يُشاهِدونَ الكِلاب المُكافَحَة تَتَأْلَمُ وتَتَلْوى وَجَعاً وتَسْبَحُ في بَحْرٍ مِنْ الدِماءِ مُلْقاة في الشَارِعِ ( نَتِيجَةَ تَسْمِيمِها ، أَوْ صَيْدِها بِطَلْقٍ نَارِيٍّ أَوْ خَراطِيش ......... إلخ ) ، أَوْ إِنَّ أَصْواتَ الطَلقَات النَارِيَّة تَمْلأُ الشَوارِع وكُلُّ هذا يُرْعِبُ الأَطْفال ، ثُمَّ هُناكَ آخَر يَكْتُبُ بِحُقْدٍ واضِحٍ عَنْ رُؤْيتِهِ لِكِلابٍ مُسْتَلْقِيَةٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجرَةٍ دُوْنَ أَنْ يُلاحِقَها أَحَدٌ ويَقْتُلَها ..........
في كُلِّ هذهِ الأَحادِيثِ الكلامُ يَدُورُ حَوْلَ كائنٍ وَاحِدٍ هو الإِنْسَان ، لا رائِحَةَ لِكلامٍ يَقولُ عَن الحَيَوانِ وما يُعانِيه أَوْ يَتَصِّلُ بِحَقِّهِ في الحَيَاةِ .....
فهَلْ عَنَّ لِلرُكْبِ السائِرِ بالمُجْتَمع في هذا الخِضم مِنْ الأَحاديثِ خُطُورَة الصُورَة الَّتِي تُؤسِسُ لِسُلُوكِ الطِفْلِ فيما يَتَعَلَّقُ بِتَعامُلِهِ مَعَ الحَيَواناتِ ، ونَوْعِيَّةِ هذا التَعامُلِ مُسْتَقْبَلاً ، وهو يَشْهَدُ قَتْلَ الحَيَواناتِ والاعْتِداءِ على حَيَاتِها كمُتَلازِمَةٍ إِنْسَانِيَّة تَصَرُفِيَّة سُلُوكِيَّة لاغُبار عَلَيْها ماثِلَة حاضِرَة ؟
وأَيُّ يَقِينٍ يَحْمي المُجْتَمعات مِنْ أَنْ لايَتَبلور هذا العُنْف نَحْوَ الحَيَوانات والكائِنات الأُخْرَى فيَمْتَدُّ لِسَاحَةِ الإِنْسَان ويَأْكُلُ نَظِيرَهُ أَيْضاً ؟
مَوْقِعٌ آخَر يَنْشُرُ صُورَةً لِكلْبٍ يَجْلسُ مُخْتَبِئاً نَاشِداً الأَمان في ظِلِّ جِدارِ إِحْدَى الخرائبِ وهو لايَعْلمُ عَن الخَطَرِ الَّذِي يُحدِّقُ بِهِ حَيْثُ بُنْدقِيةُ صَيَّادٍ غادِرٍ مُوجَّهةً صَوْبَ رأْسِهِ مِنْ فَوْق الجِدارِ ، صُورَةً تَفْضَحُ قَسْوَةَ ووَحْشِيَةَ الإِنْسَانِ الَّذِي تَنصَّلَ مِن المَشَاعِرِ والرَحْمةِ .....
وخَبَرٌ آخَر يَجُودُ بِصُورَةٍ تَحْكِي عَن الجُهُودِ المُخْلِصَةِ الَّتِي يَبْذُلها عُمَّالُ البَلدِيَّةِ في جَمْعِ الكِلابِ المَقْتولَةِ فنَرَى في الصُورَةِ عامِلين أَحَدُهُما يَمْسكُ بِالأَطْرافِ الخَلْفِيَّة لِلكْلبِ والآخَر بِالأَمامِيَّةِ لِيُأْرجِحانَهُ في الهواءِ ويَقْذُفانِ بِهِ إِلى سَيَّارةِ جَمْعِ القُمامَةِ والقَاذوراتِ ......
بَلْ تَعدَّى الأَمْر إِلى اسْتِغلالِ ذلِك في المُبارياتِ الانْتِخابِيَّة ، فهذا يُعْلِنُ عَنْ بِدْءِ حَملاتٍ مُكثَّفَةٍ لإِبادَةِ الكِلابِ وذاكَ يُعْلِنُ عَنْ تَوْفِيرِ مُسْتَلْزماتِ الحَملاتِ وتَبنِّي بَرامِجَ فَعَّالَة لِذلِك .
يُداهِمنا خَبَرٌ آخَر عَنْ انْطِلاقِ حَملاتٍ مُكثَّفَة لإِبادَةِ الكِلابِ خِلال شَهْرِ الصَوْمِ وتَأْكِيداً لِمَزْمورِ الرَحْمَةِ الَّذِي يَتَغنَّى بِهِ المُؤْمِنون ، وهم غافِلونَ أَوْ مُتغافِلونَ عَنْ الآتي : ـ
الإِبادَة كلِمَةٌ تَنْقُضُ الأُخْرَى ( الرَحْمَة ) وتُعَرِّي زِيفَ الإِدْعاءِ بِها .....
ثُمَّ نَقْرأُ عَنْ مُدِيرِ إِحْدَى الحَملاتِ وهو يَتَباهى بِقَتْلِهِ بِضْعَةَ آلافٍ مِنْها ، وناشِطٌ آخَر يُقدِّمُ مُحاضَرات لِلسُكانِ تُرْهِبُ مِنْ أَضْرارِ الكِلابِ وخَطَرِها على الإِنْسَانِ كي يَتَعاونوا في القَضاءِ عَلَيْها ، ويُزِيدهُم فَوْقَ رُعْبِهم رُعْبَاً مِنْها وتَحاشِياً لَها ، وظُلْماً وتَجَنِيَّاً عَلَيْها ، ثُمَّ كُرْهاً لَها .........
أَلَيْسَتْ هي الفِتْنَةُ بِعَيْنِها حِيْنَ يُحرِّضُ ناشِطٌ ما السُكانَ ضِدَّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكالِ الحَيَاةِ الأُخْرَى ويُحْشِدُ الجُمُوع لِلتَعاونِ في إِبادَتِها ؟
أَلَيْسَ فيما يَفْعَل اعْتِراف بِالخَللِ أَوْ المَرَضٍ السارِي في أَوْصالِ المُجْتَمعِ الَّذِي يَنْتَمي إِلَيْهِ ، وشَكْلٌ مِنْ أَشْكالِ الكُرْهِ لِلحَيَواناتِ ، واسْتِخْفافِهِ بِقِيمَةِ الحَيَاةِ ، وضَرْب إِسْفِين التَخلُّف والجَهْلِ عمِيقاً في تُرْبَةِ بِيئَةٍ مَوْبوءَةِ بِالأَفْكارِ اللاصَالِحَةِ اللامَسْؤولَة ؟
وآخَرٌ يَنْشُرُ مسْوَّدَةَ مَشْروعٍ مُقَدَّمٍ لِلجِهاتِ المُهْتَّمَةِ بِحَملاتِ الإِبادَةِ وكَيْفَ يُمْكِنُ مُعالَجتَها بِطَرِيقَةٍ حَضارِيَّة وإِنْسَانِيَّة لا يُضْطَّرُ فيها لإِعْدامِ الكِلابِ وغَيْرِها مِن الحَيَواناتِ ، وحِيْنَ تَقْرأُ مسْوَّدَةَ المَشْروعِ تَقْرأُ حَدِيثاً عَنْ ضَرُورَةِ تَوْفِير فُرْقَة شُرْطَة مُدرَّبَة على الرِمايَةِ بِهكذا عَدَد مِنْ الأَشْخاصِ والبَنادِقِ والتَجْهِيزاتِ ، وإِطْلاقِ حَملاتِ المُكافَحَةِ بِالمَصائدِ والسُمُومِ والخَراطِيشِ وغَيْرِها ، وإِعْلانِ المُكافأَةِ لِكُلِّ آتٍ بِحَيَوانٍ سَائبٍ مَيتاً أَوْ حَيَّاً ، وبِناءِ مَحطاتِ إِعْدامِ الحَيَواناتِ كما تَوْفِيرِ المَوادِ الخَاصَّةِ بِقَتْلِ الكِلابِ والقِطط .....
يالِلرَحْمَةِ !! ويالِلطُرُقِ الحَضارِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي يَتَضمَّنُها المَشْروع !!!
وإِذْ بِمُنادٍ آخَر يَنْصَحُ الأَفْرادَ بِعَدَمِ اقْتِناءِ الإِناثِ وتَرْبِيتِها لأَنَّهُنَّ المُنْجِبات ( وكأَنَّ الإِناث هُنَّ وَحْدَهُنَّ السَبَب في التَكاثُرِ ، ويَتَجاهَلُ حَقِيقَة أَنَّ الحَمْل هو إِخْصابُ عَطاءٍ أَيْ فِعْلٌ مُشْتَركٌ بَيْنَ الذَكرِ والأُنْثَى ، الأُنْثَى تُعْطي البُويضَة والذَكر يُعْطي الحَيْمن ) .
أَيْضاً مَنْ يُعْلِنُ عَنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ إِطْعامِ الكِلابِ والقِططِ السَائبَةِ إِنَّما يُحرِّضُ بِقَوْلِهِ الأَفْراد بِفَرْضِ حِصارِ الجُوعِ عَلَيْها .......
نَاشِطٌ آخَر يَقولُ إِنَّ قَتْلَ الكِلابِ تَحوَّلَ هِوايَة ويَتِمُّ بِوَسائل مُتَعدِّدَة ومِنْ بَيْنَها ضَرْبُ الكلْبِ على رَأْسِهِ بِعَصا غَلِيظَة أَوْ بِقِطْعةٍ حَدِيدِيَّة و ...... و ........ وغَيْرها حَتَّى يَموتُ وكُلَّها طُرقٌ تُؤثِّرُ في نُفُوسِ الأَطْفالِ تَأْثِيراً سَيئاً .
إِنْ كانَ في كَمِّ الأَخْبارِ هذهِ ولَوْ ظِلٌّ لِلرَحْمَةِ والتَفَهُّم الإِنْسَانيّ وإِن لُمَاماً فلْيُدَلُّ عَلَيْهِ ، أَمْ إِنَّ قُلُوبَ المُدافِعينَ عَنْ حِمايَةِ الحَيَوانِ صَلِدَةٌ قَاسِيَة لاتَلْمِسُ الرَحْمَةَ الفَيَّاضَة في كُلِّ ماوَردَ مِنْ أَخْبار ......
مَنْ يَقْرأُ بِوَعْي وعَدالَةٍ يَسْتَنْتِجُ الكَمَّ الهَائل مِنْ سُوءِ الفَهْمِ الَّذِي يُداخِلُ علاقَةَ الإِنْسَانِ بِالحَيَوانِ ، أُكْتُبْ فَقَطْ في نَافِذَةِ البَحْثِ لِغُوغل ــ حَملات إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ ــ وستَقْرأُ مايُوجِعُ القَلْب ومايَنْدَى لَهُ الجَبِينُ خَجَلاً .
أَيْضاً نتَبَيَّنُ كبِيرَ سُوءِ الفَهْمِ لِدَوْرِ الطَبِيبِ البَيْطَرِيِّ مِنْ قِبَلِ الأَفْرادِ والمُؤْسساتِ ، ( ولِنُدْرَةِ مَرَّاتٍ مِنْ قِبَلِ الطَبِيبِ البَيْطَرِيِّ نَفْسه ) ، وأَضَعُ هذا بَيْنَ قَوْسينِ كَوْنَه قَدْ يُشِيرُ إِلى حَالاتٍ مُقَنَّنة لايُمْكِنُ إِفْرادَها إِلاَّ على بِضْعٍ ولَيْسَتْ عَامَّة.
ولِلأَسفِ رَكِبَ هذا البِضْعُ أُسْوَةً بِعُمومِ الأَفْرادِ مَوْجَةَ مُلاحَقَةَ الحَيَواناتِ البَرِيئَةِ إِلاَّ مِنْ ذَنْبِ كَوْنِها حَيَوانات في عُرْفِ مَنْ يَصِمُونَهُ ذَنْباً لإِبادَتِها مُكْرَهِين تَحْتَ ضَغْطِ الزَخْمِ الشَعْبِيِّ المُؤْيِّدِ ، وفي حالاتٍ أُخْرَى نَرْجُوها نَادِرَة تَناسِياً ، أَوْ جَهْلاً ، أَوْ عَدَم الْتِفاتٍ أَوْ انْتِباهٍ لِجَوْهِرِ الرِسالَةِ الَّتِي يَحْمِلونَها .
انْخِراطُ الأَطِبَّاءِ البَيْطَرِيين في هكذا حَملات يُزِيدُ الطِينَ بَلَّة ، ويُعِينُ على غَطِّ أَفْرادِ المُجْتَمعِ في تَصَوُّراتٍ خَاطئَةٍ عَن الحَيَواناتِ ( وهُنا نتَحدَّثُ عَن القِططِ والكِلابِ على وَجْهِ الخُصُوصِ ) ، ويُزِيدُ في الرُعْبِ مِنْها ، ويُغَذِّي مَشَاعِرَ العَدَاءِ والكرَاهِيَةِ لَها فَيُعْدَمُ الحَلُّ في مَهْدِهِ ويُؤْجِّجُ المُشْكِلَة تَفاقُماً .
هُناكَ أَصْواتٌ كافِيَة مُناهِضَة لِحَمْلاتِ الإِبادَة ( مِنْ أَصْدِقاءِ الحَيَواناتِ ومِن الأَطِبَّاءِ البَيْطَرِيين ....... وغَيْرَهُم ) ، لكِنَّها أَصْواتٌ خَافِتَةٌ هَامِسَةٌ لاتَقُضُّ سُكُونَ المُخَطِّطين لِلحَملاتِ ، ولاتَصِلُ هَمسَاتَهُم العادِلَة والحَقِّةِ لِلجَمِيعِ ولِلمُجْتَمعِ .
أَيْضاً يَتِمُّ تَغْييب الحَقِيقَة عَنْ بَالِ الأَفْرادِ عَامَّةً حَوْلَ أَعْمارِ الكِلابِ والَّتي تَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الفَصِيلَة ، ويُمْكِنُ مَدَّها بَيْنَ السَبْع إِلى العِشْرِين عَاماً .
كلْبٌ في السَادِسَةِ عَشَر مِنْ العُمْرِ يُماثِلُ إِنْسَاناً تَجاوَزَ المِئةَ عَام لَوْ أَجْرينا مُقارنَةً عُمُرِيَّة َ بَيْنَ الكلْبِ والإِنْسَان .
فلَوْ جَمَعْنا حَيَاة أَرْبَعةَ أَوْ خَمْسَة كِلابٍ مُعمِّرَةٍ بِعُمْرِ عِشْرِينَ عَاماً لسَاوَتْ حَيَاةَ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ مُعَمِّرٍ . ( لِزِيادَةِ المَعْرِفَةِ عَنْ هذا يُرْجَى البَحْث في المَصادِرِ المُخْتَصَّة وغُوغل ....... وإلخ ) ، المَرام مِنْ ذِكْرِ هذا هو تِبْيانُ قصَرِ حَيَاةِ الكلْبِ .
كُلُّ الَّذِين يَشْكونَ مِنْ تَواجُدِ الكِلابِ والقِططِ السَائبَةِ قُرْبَ الأَسْواقِ والتَجَمُعاتِ السَكنِيَّة حَيْثُ الإِنْسَان لَمْ يَتَواردوا خاطِراً بِعَيْنِ الاعْتِبار : لِماذَا تَتَواجدُ حَيْثُ يَقولون ؟
أَلمْ يُساوِرهُم خاطِرٌ ما يَقول : رُبَّما لأَنَّها حَيَوانات اجْتِماعِيَّة تَنْشُدُ الحَيَاةَ قُرْبَ صَدِيقِها الإِنْسَان وتَثِقُ فيهِ ، وأَيْضاً لأَنَّها تَبْحثُ عَن الطَعامِ ......
أَمَا تَوارد إِلى ذهْنِ مُنظِّمٍ مِنْ مُنَظِّمي الحَملات هذا ؟
بِقَليلٍ مِنْ حُسْنِ التَعامُلِ مَعَ هذهِ الحَيَواناتِ الَّتِي تَشْعُر بِما يَحْمِلهُ الآخَرون نَحْوَها مِنْ تَقَبُّلٍ ، أَوْ كُرْهٍ ، أَوْ مَحَبَّةٍ يُمْكِنُ نَقْضَ جانِبٍ مِنْ المُشْكِلَةِ القَائمَةِ ، وبِالمُتابَعةِ الصِحِّيَّة يُنْقضُ الجانِب الآخَر حَتَّى تَتَقوَّضُ تَماماً .....
ماذَا يُرِيدون مِنْ حَيَواناتٍ بَرِيئةٍ تَبْحثُ عَن الطَعامِ في القَاذوراتِ وهُم يُحاوِلون مَنْعَها حَتَّى عَنْ هذا ؟
أَيُّ إِنْسَانِيَّةٍ ورَحْمَةٍ يَتَحدَّثونَ عَنْها ، فأَيُّ ذَنْبٍ يُجازُ بِهِ أَنْ تُقْتلَ وتُباد ؟
إِنَّ الكِلابَ السَائبَة وكذلِك القِطط وبِما إِنَّها تَتَحمَّلُ مَسْؤولِيَّة عَيْشِها لِوَحْدِها تَضْطَّرُ لِلكِفاحِ مِنْ أَجْلِ طَعامِها ، ومِن الطَبِيعيِّ أَنْ تَغْدو عُدْوانِيَّة حِيْنَ يُحاوِلُ المُقابِل مَنْعِها عَنْهُ فالجُوع طَرِيقٌ لِلمَوْت ........
الإِنْسَان أَيْضاً يَكونُ عُدْوانِيَّاً ومُسْتَعِّداً لِلكِفاحِ مِنْ أَجْلِ طَعامِهِ في ظُروفٍ مُخْتَلِفَة كالمَجاعاتِ ، الحُروبِ ، الفَقْر ، التَحدِيات اليَوْمِيَّة ....... وإلخ .
بَيْنَ الكَمِّ الهائِلِ مِنْ هذهِ الأَخْبار المُحْزِنَةِ المُخْجِلَة لَمعَتْ بِضْعُ إِضاءاتٍ تُشِيرُ أَنَ الأَمْلَ لَمْ يَمُتْ بَعْد ، ورُبَّما سيَكونُ في المُسْتَقْبلِ مكانٌ لِحَلٍّ عادِلٍ وصَالِحٍ مِنْ خِلالِ تَعْلِيقاتٍ يَحْتَّجُ فيها قَارِئٌ ما على عَملِيَةِ إِخْصاءِ وتَعْقيمِ الكِلابِ كوْنها قَدْ تُمَهِّدُ لإِبادَة ، وثانٍ يَصِفُ الكِلابَ حَيَوانات تَسْتَحِقُ كُلَّ الاحْتِرامِ لأَنَّها الصَدِيق الوَفيّ المُخْلِص لِلإِنْسَانِ واقْتَرحَ بِما أَنَّ جُغْرافيَة البَلدِ تَتَمخَّضُ عَنْ صَحارى واسِعة تُتاخِمُ حُدُود المُدُن فلِماذَا لايَتِمُّ نَقْل الكِلابِ السَائبَةِ إِلَيْها بَدَلاً مِنْ قَتْلِها وتَشْكِيلِ مَحْميَّات طَبِيعِيَّة فيها لِلحَيَواناتِ البَرِيَّة والسَائبَةِ ......
مُعلِّقٌ آخَرٌ اسْتَنْكرَ قَتْلَها وإِبادَتَها ، ورابِعٌ كانَ يَعْتَرِضُ على الطُرُقِ الوَحْشِيَّة الَّتِي يَتِمُّ بها قَتْل الحَيَواناتِ مَثَلاً ضَرْبَها على رَأْسِها بِقَضِيبٍ حَدِيدِيّ ، أَوْ بِهراوَة ، أَوْ عَصا خَشَبِيَّة غلِيظَة ، أَوْ بِأَلَةٍ حادَة ، أَوْ ........
وكانَ هُناكَ اعْتِرافٌ مُخْلِص يَسْتَحِقُ الإِشَادَة بِهِ مِنْ مُدِيرِ إِحْدَى حَملاتِ الإِبادَةِ يُعْرِبُ فيهِ عَنْ نَدَمِهِ لِقَتْلِ هذهِ الكائِنات ويَرَى إِنَّ هذا خَطأٌ بَالِغٌ لايَجُوزُ اقْتِرافَهُ .
مِنْ مُلاحظَتي النَاسُ فِئتان ، هُناكَ فِئةٌ أُولَى تَقولُ كي يُحَقِّقَ الإِنْسَان إِنْسَانِيَّتَهُ الحَقَّة يَكونُ الطَرِيقُ إِلى ذلِك بِتَعلُّمِهِ حُسْنَ التَعامُلِ مَعَ أَخِيهِ الإِنْسَان الآخَر ، ثُمَّ وبِالتَدْرِيجِ وبِزِيادَة الوَعِي يَفِيضُ سُلُوكهُ هذا فيَرْتقي لِيَشْمل الكائِنات والكَوْكبِ والطَبِيعَةِ .
أَمَّا الفِئةُ الثَانِيَة فتَعْتَقِدُ بِأَنَّ الطَرِيق إِلى الإِنْسَانِيَّة إِنَّما يَبْدأُ مِنْ تَعلُّمِ الإِنْسَانِ حُسْنَ التَعامُلِ مَعَ الكائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَةِ عَنْهُ ومِنْها الحَيَوانات لِتَكونَ المُحَصِّلَة النِهائِيَّة الطَبِيعِيَّة هو تَحَسُّن علاقَاتِهِ بِأَخيهِ الإِنْسَان والارْتِقاءِ عالِياً بِوَعْيهِ ، أَيْ إِنَّ الطَرِيق إِلى الإِنْسَانِيَّة إِنَّما يَبْدأُ مَعَ الحَيَواناتِ المُخْتَلِفَةِ عنَّا ، فالإِنْسَان لايُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَتَعلَّمَ مِمَّا يُشَابِههُ بَلْ مِمَّا يَخْتَلِفُ عَنْه كما سَبَقَ وأَنْ بَيَّنْتُ في مَقالَتي ــ مُصارَعةُ الثِيران ــ : ـ
لايُمْكِنُ أَنْ نَتَعَلَّم مِمَّا يُساوِينا ويُشْبِهُنا ، بَلْ مِمَّا يَخْتَلِفُ عَنَّا ، ولايُمْكِنُ أَنْ نُدْرِكَ حَقِيقَتنا كَبَشَر إِلاَّ في عُيُونِ الكَائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَةِ عَنَّا .
أَنا أَعْتَقِدُ بِصِحَّةِ مَلاحظَتي الأَخِيرَة فمَنْ لايَتَعلَّم مِن الحَيَواناتِ بِمَحاسِنِها لايُمْكِنُ أَنْ يَبْنِي عالَماً سَلِيماً ومُعافَى ونَاضِجاً لأَنَّ الإِنْسَان يَتَعلَّم مِمَّنْ يَخْتَلِفُ عَنْهُ لامِمَّنْ يُشاكِلُهُ ، بِعِبارَةٍ أُخْرَى الحَيَوان هو المُخْتَلِف عَن الإِنْسَانِ لأَنَّ عالَمَهُ لَهُ مُعْطِيات أُخْرَى بَيْنَما عالَم الإِنْسَانِ هو المُشَاكِل لأَخِيهِ الإِنْسَان ، ولِذَا فالفَائِدَة العُظْمَى تَأْتي مِنْ خِلالِ تَحْسِينِ علاقَةِ الإنْسَانِ بِالكائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَةِ عَنْهُ وخُصُوصاً الحَيَوانات .
أهِيبُ بِإِخْوَتي وأَخواتي مِنْ الأَطِبَّاءِ والطَبِيباتِ في قِطاعِ الصِحَّة البَيْطَرِيّ مِنْ كُلِّ البُلدانِ الَّتِي تُمارَسُ فيها حَملات إِبادَةِ الكِلابِ السَائبَةِ وكذلِك القِطط ، أَنْ يُصِيخوا السَمْعَ لِنِداءِ النُبْلِ الكامِنِ في لُبِّ ضَمِيرِ رِسالَتِهم الجَلِيلَة فيُناهِضوا هذهِ الحَملات ، وإِرْشادِ الجُمُوعِ إِلى البَدائلِ ِ الأُخْرَى الحَضَارِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ الكثِيرَةِ والمُتاحَةِ مَعَ المُطالَبَةِ بِتَوْفِيرِها والسَعِي إِلَيْها ، فبَدلاً مِنْ تَوْجِيهِ صَرْفِ الأَمْوالِ والجُهودِ والوَقْتِ لِشِراءِ الأَسْلِحةِ والسُمومِ والمَصائدِ وغَيْرِها لإِبادَةِ الحَيَواناتِ ، يَتِمُّ تَوْجِيهها في البَدائلِ الأُخْرَى الحَضَارِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ مِنْ مُعالَجَةٍ وتَوْفِيرِ الحِمايَةِ الصِحِّيَّة وتَعْزِيرِ الجَانِبِ الوِقائيّ ...... إلخ من بَدائلٍ أُورِدَ بَعْضَها في المَقالَةِ .
لَقَدْ أَثْبتَت حَملات الإِبادَة وعلى مَدَى السِنين السَاحِقَة فَشلَها الذَرِيع في مُعالجَةِ واحْتِواءِ ظاهِرَة الكِلابِ السائِبَة ، حَلَّ الآوان لِلاتِجاهِ بِطَرِيقٍ آخَر في المُعالجَةِ واخْتِبارِ البَدائلِ ، والتَوقُّفِ عَنْ إِبادَةِ الحَيَواناتِ والحِفاظِ عَلَيْها كثَرْوة ، وعَدَمِ تَشْوِيهِ الكَوْكبِ بِالغُرورِ البَشَرِيِّ والتَعنُتِ اللامُجْدي الَّذِي يُزيد الأوضاعَ سُوءً والمَشاكِل تَفاقُماً .
مَحَبَّة وتَقْدِير لِكُلِّ القَارِئاتِ والقُرَّاء .
عن لسان العرب :
المُكافَحة : المُضاربة والمُدافعة تلقاء الوجه .
المُكافَحة : مُصادفَة الوجه بالوجه مفاجأة .
كافَحَه مُكافَحةً وكِفاحاً : لقيه مواجهة .
كفَحه بالعصا كَفْحاً : ضربه بها .
أَكْفَحْته بالعصا أَي ضربته .
قال الأزهري : كَفَحْتُه بالعصا والسيفِ إِذا ضربته مواجهة .
الأحد 26 /8 / 2012 ـــ الأربعاء 29 / 8 / 2012