| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 11/10/ 2008

 

قصة قصيرة

 أيضاً كالآخرين
( أو )
تَحْفر وتَطْمر

شذى توما مرقوس

....... العَجُوز ( ص) قضَتْ ساعات طَويلة في التَلَصُّصِ على جارتِها ( س ) الغريبة عن هذهِ الدِّيار والقادمة من بلادٍ تختَلِفُ كل الاختِلاف، بلاد لم تَعْرِف كُل هذا التطور التكنولوجي الموجود في هذهِ الدِّيار ...... ذاك التَلَصُّص كلَّفَها الكثير من التَوَتُّرِ حتى أرتخَتْ أَعصابها وتعِبَتْ ......... هي مُنْذُ ساعات تُراقِبُ جارتها ( س) الموجودة في حديقةِ الدار تَحْفرُ وتَطْمرُ وتُعِيدُ ترتيبَ التُّرْبة ونَبْشها وتَقْلِيبها حتى تراءى لها بل وتأكَّدَتْ من أنّ هذهِ الجارة الغريبة قد قَتَلَتْ شخصاً ما وتحاوِلُ أن تُخْفِي آثارَ جَرِيمتِها فتَطْمرُ من قَتَلَتْهُ في الحديقةِ ...... فَكَّرَتْ العَجُوز مع نَفْسِها " هذا وارِد جداً وشائع ، الكثير من الغُرباء يَرْتَكِبُونَ جرائمَ مُتَنَوِّعة عَنِيْفة ، لقد تَعَوَّدُوا العُنْف في حَياتِهم ونَشْأتِهم ، لكِنّها ستتأكَّد أكثر فهي لاتُريدُ أن تُدْلِي ببَيانٍ خَاطِئ للمعنيّين ، كما إِنّها لا تُريدُ أن تَظْلِم جارتها هذهِ وتُلقي التُّهمَ جِزافاً بحَقِّها ، عليها أنّ تتأكَّد من الأَمرِ . " ........ غَيَّرَتْ زوايا الرُّؤيَة لديها وكذلك المكان ...... لكِنّها في كُلِ مرَّة رأَتْ المشاهِدَ ذاتها ، فعملية الحَفَر مُتواصِلة لجَعْلِ الحُفْرَة الثانية أكبر وأكبر لتَسِع قامةً بَشَرية بعد أن انْتَهَتْ من الحُفْرَةِ الأُولى وطَمَرَتْ فيها ما طَمَرَتْ وسوَّتْ التُّرْبة فوقها بعِناية ، ثُم أن الجارة ( س ) دَخلَتْ إِلى المنزلِ وخرجَتْ منهُ بعد بُرْهَة مُشَعَّثة الشَّعَرِ تَجُرُّ خلفها بجُهدٍ كبير شيئاً يبدو كقامةٍ إِنسانية قصيرة أو رُبَّما ما تبقى منها أنّ كان قد تَمَّ تَقْطِيعها ، ملفوفة بمُلاءة أو غِطاء أو مِلْحفة أو شيء من هذا القبيل ، داكِنُ اللَّوْنِ ، رُبَّما أَسود ، إِنّها لاتستطيعُ الجزم ، قد يكون أَزْرَقاً أو أخْضَراً يَتَدَحْرَجُ نحوَ السواد ... أَلمَّت بجسدِها ارْتِعاشة قوِيَّة وهي تَشْعُر إِنّها أَمام جَرِيمة قَتْل وبحَرَكةٍ سَرِيعة لم تكُنْ مأْلُوفة لجسدِها النَحِيل العَجُوز غَيَّرَتْ زاوية الرُّؤيَة لديها من جهةٍ لأُخرى وحرَصَتْ التخَفِّي عن انظارِ الجارة ( س) كي لا تُثيرُ شُكُوكَها فتَهْرُبُ بجَرِيمتِها وتَتَمَلَّصُ من العُقُوبَةِ ورُبَّما تحاوِلُ ( س ) قَتْلها ، كُل الإِحتمالات وارِدة ومُمْكِنة ......!! ثُمّ عادَتْ فنَظَرَتْ بمِنْظارِها المُكَّبِر وبعدها غَيَّرَتْ نظارتها وهكذا دواليك ..... لكِنّها في كُل مرَّة أقْتَنعَتْ أكثر إِنّها أَمام جَرِيمة حقيقيّة تُحاوِلُ القاتِلَة تَغْطِية آثارها ومَحَوْها ، إلا أَنّها لم تَفَهمْ إِصْرار هذهِ القاتِلَة الغَبِيّة على مُحاولةِ إِخْفاءِ آثارِ الجَرِيمة في وضحِ النَّهار وليس تَحْتَ خيمةِ اللَّيْل ....... ألمْ يَخْطُر ببالِها إن ذلك سيُثيرُ شُكُوك الجيران فيَنْتبِهوا لمُحاولتِها هذهِ ولكِنْ رُبَّما فَكَّرَتْ أن تستفيد من أنشِغال البَشَرِ عادةً في النَّهارِ بأَعمالِهم ومدارسهم ومسؤولياتِهم وهكذا هي أيضاً كالآخرين تَعْملُ في حديقةِ بيتها وتَزْرَعُها ، قد تكون خُدْعة ذَكِيَّة لو فُسِّرت بهذهِ النِيَّة ....... وبعد تَرَدُّدٍ طَوِيل وحَيْرَة وتَفْكِيرٍ عَمِيق وجدَتْ أن بلاغاً عن هذا الحال لهو ضَرُوري ومُلِحّ ، تَّمْتَمَتْ مع نَفْسِها بخَوْفٍ الرقم المطلُوب فاتَّصَلَتْ وأَعلمَتْهُم بما رأَتْ وزَوَّدَتْهُم بالعنوانِ كاملاً ....... تَلَعْثَمَتْ كثيراً حين تحَدَّثَتْ عن الجَرِيمةِ خَوْفاً لكِنّها برغمِ ذلك شَعْرَتْ براحةٍ تَسْري في كيانِها بعد إِغلاقِ الخط فلقد أَدَّتْ واجبَها كاملاً ولن يُبَكِّتْها ضَمِيرها على شيءٍ وقد فعلَتْ ما يجبُ فِعلهُ وما تُمليهِ عليها شروط المُواطنةِ الصَّالِحة ، وبعد أن أَخَذَتْ نَفَساً عَمِيقاً تابعَتْ مُراقبة جارتها ( س ) ووجدَتْها لا زالت مُنهمِكة في تَعْمِيقِ الحُفْرَة وذلك الشيء الذي يُشْبِه جُثَّة إِنسان لازال مُمَدَّداً إِلى جانبِ الحُفْرَة ........

*********************
...... وفي حديقةِ الدارِ الرابِضة على بُعدِ بِضْعةِ منازل من منزلِها كانت جارتها ( س ) الغريبة عن هذهِ الدِّيار مُنْهَمِكة في تَعْميقِ الحُفْرَة لتَطْمر زِيرَها الكبير الجميل المَحْشُوُّ حتى فوهتهِ بالجُبْنِ الأَبْيَض والثُومِ بعد أن انْتَهَتْ من طَمْرِ زِيرها الأول الصغير ...... لقد صنعَتْ كُل شيءٍ تماماً كما تَعَلَّمتْهُ في بلدِها الذي جاءَتْ منهُ حيثُ كانت تُقطِن في قريةٍ جميلة وتعيشُ حَياةً بَسِيطة ....... لم تتَعلَّمْ في حَياتِها أَشياء أكثرُ أهَمَّيةً من تحضيرِ الطّعامِ وإِعْدادِ الأَطْباقِ الشَهِيّة الطَّازجة المُمْتَزِجة بمَذاقِ الطَّبِيعة الأصيل النَّقِيّ وتَنْظِيف المنزِل ........ إلخ ، حَياة بَسِيطة بعيدة عن كُل التعقيد الذي يحكون عنهُ ....... أرادَتْ أن تَسْتَمِرَّ في بساطتِها التي وَرِثَتْها عن موطنِها ، لا تُريد للتعقيدِ أن يَدْخُل حَياتها ويُسبِّبُ لها الصُداع ، إِنّها تخافُهُ وهي أَضْعَف من أن تَقْوَى على مواجهتِهِ ، فإِنّ دَخَلَ حَياتها سيُحْطِمها بالتأكيد ، تُريد أن تَحْيَا كما كانت في بِلادِها فهي لاتَعْرِفُ غير ما تَعَلَّمَتْهُ فيها ولاتريدُ أن تتَعلَّم شيئاً من التعقيدِ ......... ستُفاجِئُ زوجها بهذا الطَّبَقِ الشَهِيّ من الجُبْنِ حالما يَغْدُو جاهِزاً ، بالتأكيد سيُسعِدهُ ذلك جداً وخصُوصاً حين يَعْلَمُ إِنّها قد صنعَتْ هذا الجُبْن اللَّذيذ الأَبْيَض بنَفْسِها من حلِيبٍ اشْتَرَتْهُ طازجاً من إِحدى المَزارِعِ البعيدة ......

***********************
انْتَهَتْ للتوّ من طَمْرِ زِيرها الكبير وسوَّتْ فوقهُ التُّرْبة بعِناية بينما دُقَّ جرس البابِ فأَسْرَعَتْ ( س ) بشَّعَرِها المُشَعَّثْ ويديها المُصطبِغتين بالطِّينِ وملابِسها المُعَفَّرة بالتُّرابِ تتَصبَّبُ عَرَقاً وفتحَتْ البابَ للقادمين ، وندت عنها صَرْخَة حين رأَتْ هؤلاء الرجال أَمامها وعيونهم مُرَكَّزة على ملابسِها ويديها وشَعَرِها ، مَنْظَرها يُثيرُ الشُكُوك وبحَرَكةٍ لا إِرادية قامَتْ هي أيضاً تتَفحَّصُ ملابِسَها ويديها وشَعَرها وكأَنَّها تَبْحثُ عن جوابٍ لحضُورِ هؤلاء ...... دَخَلُوا الدار وجالوا فيها ثُم خرجوا إِلى الحديقةِ بنظراتِهم المُمتلئة شَكّاً ، وأشارَ أَحدُهم بانتِصار إِلى أَدَواتِ الحَفَرِ المُلقاةِ في الحديقةِ فأَسْرَعَ الثاني على الفورِ يتَفحَّصُ التُّربة ومكان الحَفَرِ ويتقاسمُ مع رفاقِهِ بعض الكلماتِ بلغةِ هذا البلد التي لاتفْهمَها ولاتتَحَدَّثُ بها ، وفي غَمْرةِ أنذهالِها لَمَعت في ذِهْنِها أَسْباب حضُورِهم لمنزِلِها وفهِمَتْ المقصود ...... فهرعَتْ نحو الهاتف وصرخَتْ فيهِ : ــ
* آلو ..... أبو ( .... ) في بيتِنا شُرطة ، أحضرْ حالاً يظنُّونّ أننّي قد قتلْتُك وقطعْتُ رأْسَك ودفنْتُك في الحديقةِ ، تأكَّدْ يا أبو أَولادي لن يَأْتِي اليَوم الذي أَفْعلُ فيهِ ذلك مهما عَذَّبْتَني وضَرَبْتَني وآذَيْتَني ، أَرْجُوك اجلبْ معك كُل أَبْنائنا وبناتنا وزوجاتهم وأزواجهم وأحفَادنا وكل أَفرادِ عشيرتنا ممن يَمُتُّون لنا بصِلةٍ ويعيشون هُنا في هذا البلد حتى أتبرَّأ من التُّهمَة المَنْسُوبة إِليَّ ، أحضرْ حالاً أنا في خطرٍ ، أنا في ورطة ، تحضير الجُبْنِ سيتسبَّبُ في هلاكِي ودُخُولي السِّجْن ، حُبُّك سيُكَلِّفني حَياتي ...... النَّجْدَة ...... حُبُّك مُكَلِّفٌ جداً .



الأحد 27 ــ 4 ــ 2008



 

free web counter