| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

شيرزاد شير

 

 

 

الثلاثاء 22/7/ 2008

 

أبو حربي (رجل الأيام الصعبة)
والفانوس الذي كان ينير درب الأنصار

شيرزاد شير
شوان، (ابوجوان)

لم يحالفني الحظ أن أتعرف عليه عن قرب ولم اعرف عنه شيئا خاصا سوى انه سيبقى في عيوني ذلك القائد والرمز الشامخ والمتميز من رموز الحركة الأنصارية الباسلة الذي لازلت أحتفظ في قلبي مكانا صغيرا له، ذلك الانسان الذي تشرفت باللقاء السريع به في أحلك الظروف، حينما كانت همم وشجاعة الأنصار الشيوعيين العراقيين تناطح الجبال وتتصارع مع المستحيل!
كان ذلك في أواخر عام 1980 ... كنت ضمن مجموعة من الشباب المتحمس العائدين من الدراسة في الخارج للالتحاق بتلك الجموع الثائرة من الشيوعيين الذين صمدوا للنهاية، مسطرين الملاحم ورافعين السلاح بوجه الفاشية أثر الهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي في اواخر السبعينات ...
توجهت مجموعتنا المسلحة والمكونة من حوالي عشرين رفيقا من مدينة قامشلي الى قرية حدودية، حيث كانت تلك المحطة الأخيرة للانطلاق بإتجاه الحدود التركية ... التقينا هناك بقائد آخر، سيبقى يعيش في ضمير وذاكرة الأنصار الشيوعيين وكل من تعرف عليه يوما ما، ومن يكون هذا الرفيق الخالد ان لم يكن البيشمركة المخضرم والضابط العنيد أبو ازدهار (احمد الجبوري) ...
فبعد اجتياز الأسلاك الشائكة وعبور الطريق الدولية بين بلدتي الجزيرة ونصيبين التركيتين تخطينا مسافة عدة كيلومترات و من ثم تلة بإتجاه نهر دجلة في عمق الأراضي التركية... كانت مفرزتنا من ضمن اولى المفارز التي أبدت استعدادها للعودة من الخارج بعد انهاء الدراسة هناك ولم نكن نهاب شيئا، لأننا كنا كتلة من الحماس والشوق للوطن وللرفاق الذين كانوا ينتظروننا في جبال كوردستان، وأدلتنا كانوا عناصر متمرسة من اكراد المنطقة ومن رفاقنا في "حزب كوك" التركي، الذين لا يمكن لمنصف أن يمحو اسمائهم من سجل مفارز الطريق الحافل بالمآثر لأبطال العبور والوصول الى قواعد ألأنصار على الحدود العراقية التركية...
طبعا، لا نهاية لهذا الحديث، ولكن الوقت كان يمر سريعا وكان علينا ان نصل الى النهر بأسرع ما يمكن ونعبره ونسير ونهرول الى الأمام ... وكان كل ذلك نسخة من ماراثون يصعب على المرء قياس مسافته، وحينما كنا نسأل الدليل، ونحن المثقلين بالسلاح والعتاد وألبستنا قد التصقت بأجسادنا، عن المدة المتبقية من الطريق، كان الجواب حاضرا- بضعة دقائق فقط !!! ولم تكن تنتهي تلك الدقائق!!!
لقد خرجت عن الموضوع قليلا ولكن كان ذلك ضروريا لسرد مايليه ... ليس سهلا علي وبعد كل هذه الفترة مضت ان أنقل عبر هذه الأسطر القليلة صورة كاملة عن تلك الساعات الحرجة والمليئة بالمفاجئات التي كانت تبرز امامنا هنا وهناك، أو عن جو المفرزة بشكل عام او عن سلوك كل من كان معنا ... كانت في آن واحد بحق دراما وكوميديا وقصص وحكايات لا نهاية لها ...
ولكن، من الأحداث التي لن أنساها وأنا في الحياة، هي تلك الدقائق المعدودة التي التقينا فيها بالرفيق أبو حربي ورفاقه في كهف على الطريق ... واولها حينما عانقنا فردا فردا بحرارة واطمآن علينا وعلى سلامة وصولنا الى قاعدته الشهيرة ... من الواجب هنا ان اشير الى أن جو اللقاء به وبرفاقه كان دافئا الى حد تصورته راعيا، يبحث عن أفضل ما يمكنه ان يقدمه لخرافه ... كانت عيونه تشع ايمانا وقناعة واخلاصا ونكرانا للذات ... وبعد أن وفر لنا كل مستلزمات الطريق المتبقي جلس بجنبنا وأخذ يمازحنا ولم يفارقنا ولو للحظة واحدة الا بعد آن الآوان للإنصراف وتكملة المشوار ...
ولم ألتقي به فيما بعد ... ومع ذلك بقي اسم (ابوحربي) مطبوعا في ذاكرتي كرفيق من طراز خاص ومن صنف نادر من الرجال، ومن تلك الطينة التي تبقى نقية وصافية كصفاء تلك الليالي المظلمة ... فكان بحق نجما ساطعا من نجوم الأصرار والتحدي التي عززت الثقة بقرب يوم الخلاص وإنتصار قيم ومبادئ العدالة الاجتماعية ...
نم يا رجل الأيام الصعبة نوما هانئا، فكم من الليالي كنت كالفانوس الذي كان ينير درب الأنصار لكي يصلوا الى بر الأمان ...
الذكر الطيب لك ولرفاقك الذين سبقوك الى عالم الخلد مرفوعي الرأس، حاملين هموم شعبهم على اكتافهم ...

free web counter