| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

شوقي العيسى

Shoki_113@hotmail.com

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 13/2/ 2013



مظلومية ابناء رفحاء
(2)

شوقي العيسى *

بعد ان تطرقنا في الجزء الاول حول مظلومية ابناء رفحاء حول كيفية خروج ابناء العراق في الانتفاضة الشعبية عام 1991، وكيف كانت المؤامرة على اخماد تلك البذرة التي زرعت من قبل ابناء العراق حتى آلت اليه الامور والمطاف الى ان يوضعوا في مخيمات داخل السعودية ، وقد تطرقنا في الجزء الاول الى معاناة ابناء رفحاء في حفر الباطن.

في هذا الجزء نسلط الضوء على معسكرات او مربعات الارطاوية في المملكة العربية السعودية والذي دام امده للفترة من 1991 – 1993 . حيث تم اغلاق معسكرات الاسرى في حفر الباطن بعد شهرين من وصولنا اليه اي من نهاية آذار حتى حزيران 1991 ، تم نقلنا الى معسكرات الارطاوية.

نبذة مختصرة الارطاوية
هي عبارة عن اشباك في الصحراء يحيط بالمربع اسلاك شائكة ويوجد حراس من كل جهة ومكان فالمكان انما هو سجن بالمعنى الحقيقي ، المختلف عن معسكرات حفر الباطن هو ان الاسلاك الشائكة اكثر ارتفاعا تصل الى ثلاث امتار، من ناحية المواد الغذائية فكانت المربعات فيها مطابخ يعمل فيها العراقيين بشكل مجاني خدمة للاخرين.

المظلومية الاولى التي واجهناها في الارطاوية هي تحويل المسؤولية من قبل القوات الامريكية والتحالف الى القوات العسكرية السعودية وللمتأمل في ذلك اليك بعض الاشارة على تلك المعجزات التي هزت التاريخ فتم استلامنا من قبل السعوديين وارادوا ان يحتسبوا العدد فاجلسونا في مكان خال من الناس وكنا مجموعة لاتتجاوز المئة شخص وبدأوا يحسبون بالطريقة التالية كنا نجلس اثنان اثنان فياتي العسكري ويحسب (( يوز يوزين ثلاث ايواز...)) فاخطأ بالعد واختلف مع رفيقة وحاول صاحبه ان يقوم بالمهمة العظمى ولم يفلح في ذلك حتى انتهت الساعة الاولى ولم نصل الى حل اخبرناهم بعددنا فلم يصدقوا فينا واخيرا انتهت على خير بعد معاناة في الشمس المحرقة.

للامانة كانت حافلات الارزاق تغدق علينا في صباح كل يوم حتى احسسنا باننا امثال الحيوانات مع اعتذاري لجميع الاخوة الاكارم فالمنظر اشبه بذلك. في زحمة تلك اللحظات كنا مقطوعين عن العالم الخارجي انقطاع اشبه بالتام عدا اجهزة الراديو نستمع فيها الى اخبار العالم ومادار في العراق.

لم يروق لنا ذلك حيث المصير المجهول واخبار اهلنا مقطوعة تماماً فعمد ابناء الارطاوية الى الاعتصام المشهود بطريقة نحن لم نشهدها ، احتار العسكريون السعوديون حتى تم ايصال صوت من قبل ابناء الارطاوية الى الاعلام الغربي امثال راديو مونتكارلو والبي بي سي والسي ان ان في فضيحة اعلامية شهدتها السعودية في التعتيم الاعلامي على لاجئين عراقيين هربوا من بطش نظام صدام الى القوات الامريكية والمتحالفة معهم ، وعلى اثر ذلك توجه نظر الاعلام الغربي على معسكرات اللاجئين في الارطاوية والسبب في عدم عودتهم للعراق ولماذا المللكة العربية السعودية لا تسمح لهم بالعيش داخل مدن السعودية كلاجئين يتمتعون بحقوق الانسان اللاجيء ولكن كان هناك رفض واصرار من قبل السعودية بشكل كبير حيث صرح وزير الدفاع والمفتشية العامة في رد على اسئلة الصحفيين حول استيعاب هذا العدد داخل المدن السعودية فقد قال " هؤلاء العراقيين لانرغب بتواجدهم على ارض المملكة والذي يرغب في اخذهم فنحن من نساعده على ذلك" وهذه مظلومية جديدة تضاف الى سلسلة المظالم ان احد الدول التي تدعي الاسلام والعروبة ترفض رفضا قاطعا بعدم استقبال اللاجئين العراقيين على اراضيها، ولم يقف الموقف الى هناك فقد وقفت كافة دول الخليج العربي نفس الموقف بعدم استقبالنا بل ابتعد اكثر من ذلك في غالبية الدول العربية ماعدا سوريا التي استقبلت عددا قليلا من اللاجئين ممن كان لديهم اقارب في سوريا وهذا الموقف السوري الشجاع بقيادة البطل حافظ الاسد رحمه الله لن ينساه العراقيون ابداً، ثم بدأت ايران في استقبال عدد من اللاجئين العراقيين. ورغم تسليط الضوء اعلامياً على مخيمات اللاجئين العراقيين الا ان الحلول ليست متوفرة في اخراج تلك الاعداد من البؤرة التي تواجدوا فيها ماخلا وجبة تم سفرهم الى امريكا عام 1992 ثم بدأت اجراءات الامم المتحدة تخطو خطوات السلحفات.

كانت المخيمات تحمل اعدادا كبيرة من العراقيين بحيث يصل عدد الخيمة الواحدة مابين 8-12 شخص وهنا تتدخل قضية التعامل والمزاجية داخل الخيمة الواحدة وكيف ان شخص يريد ان ينام والاخر مستيقظ وهذا يريد ان ياكل وذاك لا وما الى ذلك من اختلاف في الرؤى والموازين كافة حتى نشأت صراعات ونزاعات من شدة الاحتقان النفسي الذي نعانيه. حتى وصل الحال في اشتداد الازمات داخل المربعات ونشبت معارك استخدمت فيها الالات الجارجة كالسكاكين والقامات والاوتاد وما الى ذلك ممن كان همهم النزاعات من شيء او غير شيء والادهى من ذلك عندما تنشأ هكذا معركة لم يتم التدخل في ايقافها من قبل القوات العسكرية السعودية حتى تنتهي بجروح بالغة.

كان هناك قلة في الملابس التي نلبسها ماعدا البدلة التي سلمت لنا في مخيمات الاسرى باللون البرتقالي وبعدها وزع السعوديون ملابس داخلية من النوع الطويل الشورت والفانيلة الطويلة مع حدرية بيضاء فترى المخيمات تلبس هذا الزي وبدون اي حرج لاننا لا نملك الملابس الواقية حيث كل شخص تمزقت ملابسه التي خرج فيها من العراق وعلى مدى سنتين تقريبا كنا نعاني من قلة الملابس.

كنا نبدأ يومنا بطابور على الحنفيات لنملأ الماء المالح للغسل ، وطابور اخر لنملأ الماء الصالح للشرب ، وطابور اخر لوجبة الافطار والغداء والعشاء بالاضافة الى طوابير التواليت والحمامات فحدث ولا حرج. هكذا بالاضافة الى ان كل مربع فيه اربع مكبرات للصوت تبث من خلاله هيئة الاغاثة الاسلامية القران الكريم على مدى 24 / 7 وكاننا جئنا من المريخ ولم نسمع في القران من قبل حتى عندما نتحدث مع بعضنا نتحدث بصوت عال جدا ليسمعنا المقابل.

في الارطاوية بدأت المعارضة العراقية تتسكع على ابواب المربعات أملا في جمع عدد ممكن وادراجهم في سجلاتهم وكانت العروض تترأ من هذا وذاك في الترويج لهم ولكن كانت غالبية العراقيين ترفض التعاون معهم لانهم خارج الاشباك ونحن داخل الاشباك فلا يوجد ضمان لهؤلاء لكشف ما مدى التزامهم بتعهداتهم ، وكان في كل يوم يأتي وفداً من نوع الاسلاميين والعلمانيين والشيوعيين وحتى البعثيين من الجناح اليساري لحزب البعث الا ان الغالبية العظمى رفضت التعامل مع الجميع من تلك المعارضة العراقية ، وهنا لابد من اشارة الى ان اولئك الساسة من المعارضة العراقية هم انفسهم من يجلس في المنطقة الخضراء ويتسلم زمام الامور وغالبيتهم كنا ولازلنا ننظر اليهم بعين الاحتقار حيث انهم منعمين ومرفهين ونحن كنا في اوج العوز والحاجة الى متنفس او ملجأ او حتى خبر من ذوينا.

لا شك ولا ريب ان الذي ادرجته هو جزء بسيط جداً من معاناة اخواني الاعزاء في مخيمات الارطاوية وكما اسلفت في الجزء الاول ان كل شخص لدية معاناة من نوع اخر. وخلاصة القول ان الارطاوية كانت سجنا حقيقيا لمسناه وعانينا منه على مدى سنتين.

الى اللقاء في الجزء الثالث



* رئيس تحرير رابطة الكتاب العراقيين
www.iraqiwi.com


 

 

free web counter