| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سميرة الوردي

كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأثنين 30/7/ 2012

     

الى ولدي..

سميرة الوردي

جفاني النوم كالعادة  منذ أن فارقتك قبل اكثر من اثنتي عشرة سنة  ، ولم ألتقيك منذ ذلك الحين ، إننا المخدوعون بأن العدالة لابد أن توجد على هذه البقعة الصغيرة من الكون ، حبيبي ويا من مزقني قلبي كلما فكرت بك تركض أمامي  صبيا لامعا بأفكارك وأحلامك ، هربنا من وطننا ، على أمل أن نستوطن أرضا وناسا أعدل من حكامنا وأكثر أمنا وأمانا من أوطاننا ، بلداناً نسمع ونقرأ في اعلامها وفي كراريسها لوائح حقوق الإنسان والعدالة والحرية التي يعيشونها ،واحتضانهم لمن يلجأ هاربا من التعسف وضيق الحياة وانعدام الإنسانية في أوطانهم . خرجنا وكلنا أمل بالعودة للوطن .

حروب داميات ثلاث عشناها في وطننا الحبيب ( لا ناقة لنا فيها ولا جمل ) ، وانقلابات ما أن نصحى من واحدة حتى تتلوها أخر، فقدنا فيها أحبتنا وافضل شبابنا ، ومن خوفنا عليكم وقد بلغتما سن التجنيد شددنا الرحال وتركنا حتى مفاتيح الديار كي نضمن سلامتكم وحياتكم ، الى بقاع لا نعرفها ، وليس لنا فيها أحد ، من بقاع هذه الأرض .

لم يعد يربطني بك سوى الهاتف النقال والذي يفزعني خوفي من أن تضيعه فتنقطع أخبارك عني ولكن مما خفف عني وجود الأنترنيت والإتصال عبره .

إنه فجر اليوم العاشر من رمضان ، وقد جفاني النوم كالعادة ما إن خطرت على بالي ، فتحت النت وبحثت عنك في ثناياه وبدلا من وجودك ومحادثتك لتقلل من غربتي وغربتك وجدت رسالتك هذه :

(29 يوليو 12:51 صباحاً 

احبتي ... لا تزعلون لكن آن الاوان لاقول لكم وداعا.... شكرا لكم فقد تعلمت منكم الكثير ولطالما هونتم عليّ غربتي الحقيرة .... لكن يبدو ان الامل بدأ يخبو في غد نحس فيه بقيمة الانسان ..... تمنياتي لكم بالسلام وبالامان وبالحرية وبالحياة الكريمة التي تليق بكل انسان وببلد تتوفر فيه الخدمات كما في سائر البلدان .... وبلحظة من التأمل واعادة النظر في اسلوب تعاملنا مع الاخرين وفهمنا للحياة .... قد تشاء الصدف ان التقي ببعضكم يوما في هذا العالم الذي يبدو شاسعا احيانا ولا يتسع لشخصين احيانا اخرى ....... دمتم بخير ..... )

أفزعتني حقا وأرجعتني الى بداية الغربة والفراق مع فقدان الأمل بحقوق الإنسان ومصداقية العالم الحر عالم الوعي والثقافة .

انكشفت بواطن أمورهم، وافتضحت مكاييلهم المختلفة للأمم والشعوب ، وكل حسب مطامعهم وأهوائهم ، إنه عالم  كاذب خادع لامع مبهرج ولكنه أفضل من عالمنا الأكثر سوادا وحزنا ، إنه عالمهم ، ونحن رهط خدعنا أنفسنا بهم لاننا لم نجد أفضل منهم ، أصبحت أوطاننا في مهب الريح تقتلعها عواصف التهديد والوعيد ، لقد تغذى غول الطائفية والقومية على أشلاء أهلنا وأوطاننا ولم تعد معاهدة سايكس بيكو تفي بالغرض فهم الآن يدورون ويدورون ويبحثون عن سايكس بيكو جديد للربيع الدموي ، وستزداد غربة شعوبنا العربية عن بعضها وستزداد غربة أحبتنا وبدلا من انشغالهم بالعمل والبحث الدؤوب عن أفضل سبل الحياة ، سنبقى نذرف دموع الحزن على موتانا وأحبتنا ، إنه زمن لم تجد فيه شعوبنا سوى الموت الزؤام بديلا عن الخدمات والبرامج التنموية الواعدة .

free web counter