|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 23/12/ 2009                                                           صالح البدري                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الفراشة ..؟

صالح البدري

الى/ ع

رآها .. ولكن أين ؟
كأنه يطير فوق السحاب أو ربما وسط الضباب ، أو على موجة من الأحلام . إنه لا يدري ؟
كان كل شيء زاهياً ، وبأطياف ألوان قوس قزح . هي التي كان يحلم أن يلتقيها في كل صحوة أو إغماضة عين . بالمصادفة أو مع سبق الأصرار والأنتظار والترقب . بقامتها الهيفاء الجميلة الطويلة كجذع نخلة ، ليضع رأسه المُتعب في حضنها الدافئ الرحيم . ويداعب خصلات شعرها الطويل الماسي الناعم ، وتداعب خصلات شعره التي صبغ بعضَها ، لونُ الثلج ، وتملأ صورتها عينيه وقلبه . حاضره ومستقبله .
وإلتفت إليها بكل الحنو. وإلتفتت إليه بدلال وغنج وإثارة ، فرأى في إلتفاتتها ، كل دفء العالم وأمانه . فتطاير شعرها خلال إلتفاتتها كسحابة من ذهب ، كشف عن لوح بريق من حولها كخلفية ذهبية ، وخطت الى إمام كناقة شاردة في صحراء عمره القاحلة . أو كغزالة مرعوبة من مطاردة صياد لها في أخاديد صخور جبل قاس .
قرر أن يتبعها . لم تنطق هي بحرف . ولم تصده عنها وكأن نظراتها تقول له : هيا إتبعني ، إمسكني ، إحتضني ؟
وزادت خطواتها سرعة وديناميكية ، فحث هو الخطى وزاد من الحماس في تتبعها ، وأخذت هي تركض ، وتركض وتركض . عيناها بأتجاهه ، وهو يركض ويركض ويركض . وعيناه بأتجاهها وهما متعلقتان بها . وقلبه كذلك ، خافقاً من الفرح والشوق إليها ، وقد نبتت له جناحان ورديان شفافان .
مرا وسط صخور ناتئة حادة ، وأشواك وعواسج قاسيين . بعد أن إجتازا مساحات ساخنة ، بل ، وملتهبة من الرمال والحصى ، حتى وصلا حافة قمة جبل حاد الأرتفاع ؟
فجأة ، نبت لها جناحان أبيضان براقان كجنا حي فراشة بيضاء . وأخذت تطير رويداً رويداً ، وهو يركض خلفها ينوي اللحاق بها . ولم يأبه للصخور والأشواك التي أدمت قدميه الرقيقتين ، حيث سال دمهما فوق الصخور والحصى والأتربة .
كم تمنى هو ، لو تنبت له جناحان مثل جناحيها أو مثل قلبه ، لكنها إبتعدت عن المكان . ولم ير إلا طيفاً أو شبحاً في السماء يبتعد وسط سراب خانق موحش ، حتى وقف على حافة الجبل متطلعاً إليها ومتـرقباً عودتها بعد إنتظار قروني . لكنها إبتعدت .. وأبتعدت .. وأبتعدت . ....
وتلقفها الأفق البعيد .. ثم غابت ، مثلما حضرت . بعد أن حضرت ، ثم غابت . وقتها ، كره الأفق القريب وكره الأفق البعيد . وأحس بخسارة كبيرة لا تضاهيها خسارة فقدانه لحبه المغدور ، والذي كان من طرفه هو .ومن بعيد .
وقتها تمنى أن يقف على حافات كل الجبال وعلى أبواب كل الأودية ليصرخ : "مات حبي"
" ماتت حبيبة في الأحلام ، في زمن الأوهام والآلام " .



النرويج
أواخر 2009



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter