|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 14/1/ 2008                                                           صالح البدري                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

تعقيب على مقال د. سيار الجميل

فن الزعامة وأسرار نجاح زعيم عربي !

صالح البدري

لا أدري عن أي (مناسبة تاريخية رائعة) كتب الأستاذ الدكتور سيار الجميل مقاله الموسوم (أسرار نجاح زعيم عربي) والمنشور في (البيان الأماراتية /9 يناير 2008 وعلى أكثر من صفحة ألكترونية) حيث أنه لم يذكر تلك المناسبة التاريخية . وثانيا : من هو ذلك (الزعيم العربي الناجح) ذو الأسرار التي لم يكشف عنها الأستاذ الكاتب ، و (الذي غدا واحدا ً من أبرز زعماء هذا العالم الناجحين في الأداء والكارزما والتكوين)؟؟ إنها مجرد أسئلة من حق القارئ الكريم التعرف على إجابتها!
ومهما يكن (بمناسبة أو بدونها) وجدت أن الدكتور الفاضل يدعو (بقصد أو بدونه) لتكريس (الفردية) في الزعامة في عصر الديمقراطيات والأنتخابات والزعامات الجماعية التي تمثلها البرلمانات ، مع تصاعد الوعي السياسي والثقافي والأجتماعي وأنتشار الأفكار الثورية المطالبة بالديمقراطية والقوانين الدستورية وحرية الأنتخاب الحر المباشر ، والتي تدعو الى نبذ (الزعامة) الفردية من خلال حكم الشعوب لنفسها وضمن المبدأ الديموقراطي المتعارف عليه ، وضد لعبة التوريث السلطوي في النظامين الملكي والجمهوري ، حتى أصبحت - وخاصة في أوروبا - وظيفة الملك أو الرئيس ، صورية ! فلا صلاحيات ولا زعامات مطلقة ، تفاديا ً لمساوئ الدكتاتورية والتوتاليتارية (الحكم الشمولي المطلق) - والتي عانت منها الشعوب طويلا وكثيرا ً- ولا معامل لتفريخ الزعماء ! اللهم إلا إذا كان الدكتور يقصد خلق وصنع زعماء منذ الطفولة في معاهد أو جامعات سياسية خاصة لتعليمهم (فن الزعامة) وفن (كيفية قيادة الشعوب) بشهادة (الدبلوم أو البكالوريوس) مثلا ! مع المعذرة للقصد ! حيث (مكارم الأخلاق وسجايا النفس ونفائس الحكمة وحيوية العمل) كما ذكر الأستاذ الجميل ، دون التحدث مثلا ً عن طبيعة الطبقة الحاكمة وأيديولوجيتها السياسية وإنتماءاتها الطبقية ومدى صدق وطنيتها ونظام سياستها . لأنه لا يمكن أن تتطور الديمقراطية وتسود الحرية والعدالة إلا بزعامة فرد له من التربية الجيدة وإن كانت هذه صفات مطلوبة على المستوى الشخصي للزعيم أو القائد فعلا ، لكنها لم تكن الشرط الأساسي في القيادات السلبية والزعامات الوصولية ذات الأهداف المعادية للبشرية وخاصة القيادات الميكيافيلية ،(الغاية تبرر الواسطة)! هذا الفرد الذي يتحول بالتالي الى دكتاتور لأنه يعيش وسط مجتمع لا يميز إلا زعيمه المتصف بمكارم الأخلاق وسجايا النفس وضمن مفهوم عبادة الفرد وعلى الطريقة (الماوية أو الأسلامية السلفية - ظل الله على الأرض - !) مثلا ً، على الرغم من أن هذه الصفات لوحدها لا تصنع زعيما ً وقائداً وعلى المستوى الأخلاقي فقط ! ولا النوايا الطيبة أيضا ً كمثال (ستالين وعلي ذو الفقار بوتو وسلفادور الليندي) وغيرهم !
إن هذه الوصايا المتمثلة (بمكارم الأخلاق) ، تكاد أن تقترب من (الطوباوية) في التفسير والتحليل والتوصيف ، وعلى طريقة (خذوهم صغارا ً) ، كمثل وصايا أبوية لصفات (زعيم العشيرة) أو (مختار المحلة) ، وليس لزعيم سياسي متخرج من معاهد الدوائر الأستعمارية التي هي اليوم تمتلك إرادة التنصيب والتزعم وحق التغيير، - كما حصل في حكم الرئيسة (كورازان أكينو) في (الفليبين) وافشلت الحكومة الأميركية الأنقلاب ضدها وأعادتها الى كرسي الرئاسة بعد أن قصفت بطائراتها القاعدة البحرية - مقر الأنقلابيين - وأحتلت الأذاعة وأعادت (أكينو) الى الرئاسة !! فالزعيم الذي يقود دولة أو أمة في هذا الزمن المضطرب المسالك والأهداف وضمن المصالح الطبقية والأمبريالية والعولمية ، نادر أو عديم الوجود في عالمنا العربي ! ولأن هذه (الوصفة) التي أجادت بها قريحة الدكتور الجميل - مع تقديري وأحترامي لقريحته - ستكون أقرب الى الخيال ، منها الى الواقع العلمي والمنطقي ! ولقد كان لدينا كمثال ، الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم ، الذي لم تسعفه (مكارم أخلاقه و لا سجاياه الطيبة ونفائس حكمته) ، بل حتى وطنيته وحبه للفقراء الذين ترّبى وسطهم ، وكذلك حبه الكبير والعظيم للعراق .. حيث أنه فشل - لفرادته - في أن يحقق كل شئ ، في عصر المؤامرات على التجارب الوطنية التحررية والصراعات الدولية على النفط والثروات الأخرى ، و كذلك المطامع الأمبريالية المتمثلة في السيطرة والهيمنة على مقدرات الشعوب ومصائرها ، ناهيكم عن نظام العولمة الأميركية المستكلِبة في الأستغلال والأستعمار!
و (تعسا ً لأمة تعيش بفرد وتموت بفرد) يا دكتور..!!
إن مصيبتنا نحن العرب ، بأننا مازلنا نحلم بزعيم مخّلص ومنقذ ، ومازلنا نحلم أيضاً ً بعودة ماضينا ومجدنا - كعقدة نفسية وسياسية ووجودية سلبية ، تعكس حالة الأستلاب فينا وفقداننا إرادتنا وتحولنا الى قطيع غنم ، وياللأسف ، نتيجة للأضطهاد والقمع والممارسات اللاقانونية بحقنا ! وهذا دليل على إفلاس الواقع السياسي وفقدان الزعامة المخلصة ، ناهيك من أنها (زعامات مستوردة) ، مهما تبرقعت بالشعارات والدين والعروبة ! فالزعيم المطلوب اليوم ، لا كفرد بل ككيان وطني وشعبي يؤمن بالحرية والديمقراطية وأحترام حقوق الأنسان ، بعد عهود العذاب الجهنمية الطويلة ، وحيث لم نتعلم نحن كيف نحلم بالخلاص الديمقراطي والزعامة الجماعية الحقيقية المنبثقة من الحاجة الموضوعية التي تعبر بنا الى شاطئ الأمان ، ونجتاز من خلالها كل مطبات السياسة العربية المرتبطة بالدوائر الرأسمالية ، كأنظمة كومبرادورية ، وأن نداوي جروحنا وآلامنا ومعاناتنا الطويلة ! فكيف نستطيع أن نجرد ، مثلا ، هذا الزعيم من (أيدولوجيته السياسية أوأنتمائه الطبقي أوالعشائري والمذهبي ..و ..و ثم نصنعه في أحسن العائلات ؟ وفي عصر العولمة والتكالب الأمبريالي المحموم وصنع الواجهات (الوطنية) كأدوات تحكم بالوكالة ؟
لقد كتب (نيقولا ميكيافللي) كتابه الشهير (الأمير) ليعطي من خلاله درسا ً في كيفية أن يحكم الزعيم شعبه ، حتى قيل بأن زعماء العالم وقادته يضعون هذا الكتاب ، تحت وسائدهم !! ثم إن (الصهيونية) العالمية ومخططات (حلف الناتو والبنتاغون) لم تدع فرصة لأن يظهر بيننا (زعيما) طيبا ً ، ترّبى على مكارم الأخلاق ، أو حتى سياسيا ً ترّبى في مدارس النضال والكفاح الوطنيين (قتل تشي جيفارا أو المهاتما غاندي وغيرهم كثيرون كأمثلة)! هذا عدا ما تنتجه وتصّدره الجمعيات (الماسونية) من زعماء مخلصين لفكرها ولأيديولوجيتها البشعة والحاقدة على الشعوب !
أرجو أن أكون قد أصبت كبد الحقيقة فيما كتبته من تعقيب على مقالكم ، مع خالص تقديري وأحترامي لكم .

2008 النرويج


 


 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter