| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 9/6/ 2010                                                                                                   

 

المثقف العراقي ودكتاتورية المسؤول

سعـــــد صــــالـــــح *

المثقف العراقي بين سندان العيش المرير ومطرقة دكتاتورية المسؤول في العراق ، معاناة تشارك في مسؤولية قيامها بشكل أساسي لا يقبل التبرير ، وتليها الأجهزة الحكومية العراقية التي أثبتت العديد من الوقائع أنها استخدمت في كثير من الأحيان أساليب لا تراعي حق المثقف العراقي . حيث إن المثقف العراقي هو الذي يمتلك فهم الماضي ، والوعي بالحياة ، والخوف من المستقبل ، وذلك من خلال قوة كلمته ، وأصالة رأيه ، ولكن وللأسف الشديد بات المثقف العراقي يعاني من واقع يئن تحت وطأة حملة شديدة من التصفيات الجسدية وأعمال الاختطاف والاعتقال والتهديد والابتزاز بشكل يؤدي إلى استحالة قيامه بمهماته الحضارية .

يجب إن لا ننسى دور المثقف العراقي في ممارسته لدوره الحقيقي في نبذ الفتنة الطائفية والمذهبية المدمرة. ودعا إلى تحرير الثقافة من السياسة ، وكتب وتكلم وبصوت عالي ليقول كلنا العراق لا فرق بين سني وشيعي ولا عربي وكردي ولا مسيحي وصابئي الكل إخوان لبناء هذا البلد العريق بلد الحضارات أشور وأكد . هذا البلد الذي دمره الأشرار ولكن بجهود أبنائه ومثقفيه يعود ألان من جديد ليقول إنا العراق . لان ثقافة هذا البلد امتزجت بالحضارة نفسها والتي ميزتها السمات الجوهرية الثابتة فيها على الرغم من كل ما تعرضت وتتعرض له من هزات قوية ربما لو تعرضت لها ثقافة أخرى، غير العراقية لما صمدت أمامها ولتبدلت تماماً أو اندثرت ، هذه السمات الرئيسة أو المحورية أو الأصيلة التي أعانتها على الحفاظ على لون هويتها .

إن إلغاء دور المثقف العراقي لمجرد انه كتب من اجل وطنه ودافع عنه يعد حكما بحاجة إلى تطبيق متساوي بالعدالة على من ترك وطنه وانضم إلى أعداء العراق ، فإننا نعرف بالبديهيات إن الدكتاتورية لا تحتمل سواها ولن تكون دكتاتورية تلك التي تنتج ثقافة وتكون مفاهيم جدلية ولم تتوفر دكتاتورية كهذه حتى لهتلر الذي كان يجيد الثقافة ويعرف فنونها فالدكتاتور صانع قوة وعامل ساهر على القمع ولن ينتج القمع إلا وسائل دفاع بسيطة تنتهي حال نهاية الدكتاتورية ، وهذا ما ينطبق حتى على ستالين المتسلح بالماركسية اللينينية فهو لم ينتج ثقافة أخرى له ولدكتاتوريته ولم يكن ستالين الا هو وحده من قال وأمر وقرر وفعل ، ولم تكن قصيدة مايكوفسكي عن لينين وهو لم يعرف كدكتاتور بالطبع إلا قصيدة عن لينين اليوم ، ولكن السؤال اليوم هو كيفية التخلص من الدكتاتورية..؟

كيف يمكننا إن ننتقل إلى الخطاب الثقافي القائم على تأسيس رؤية الكل وان نقلل المعايير الأخلاقية التي تنتج التأخير لا التقدم .
يجب علينا إن نحترم الإنسان كانسان بغض النظر عن مشروطيته الدينية او المذهبية او العرقية، ونحترم حرياته واختياراته وحقه في الحياة، ان هذا المفهوم سيقرب المسافة بين المثقف والسياسي فيتعاملان من وجهات نظر احداهما تحترم الثانية، وهذا ما يحصل في المشروع السياسي العراقي الراهن الذي يسعى الى دخول مضمار الحداثة والتمدن والتخلص من رواسب أزمنة قديمة ورتيبة ينتسب فيها الإنسان إلى بقايا التوحش الحيواني إلا إن الأمر، مهما كان عظيما ً، لا يستدعي من ناحية المثقف الانحناء لخطوات السياسيين و الانبهار بشعاراتهم او تحوله الى ذيل حقير في جسد السلطة يهتز مثلما تهتز ذيول الحيوانات المدجنة امام أصحابها ، يظل الفاصل النوعي قائماً بين المثقف والسياسي حتى لو انتسب المثقف بإرادته الى مقاعد السلطة ووقف داعماً ومسانداً لتحقيق تطلعات ذاك السياسي الجديد الذي يرغب بحق وحقيقة لنقل ابناء جلدته من اوضاع التردي والبؤس والتهميش والاختناق الى اوضاع الازدهار والرفاه والمشاركة والحرية، سيظل المثقف حاملاً في جعبتة الاسئلة التي لا تطاق احياناً، يطرحها من خلال ابداعاته المتكررة دون خوف او وجل .

وخلاصة القول ان مجموع تلك السمات تأتي من شتات للمثقف العراقي وتوزع بيئة الحاضن الثقافي بين ثقافات تختلف تماما في خلفياتها القيمية وأشكال تمظهرها.
إنَّ جملة الشروط المادية بالمعنى الواسع للمصطلح تظل عبر تشوهاتها غير قادرة على توفير الحاضن الاجتماعي لحركة ثقافية بالمستوى المميز نفسه للمثقف العراقي ، ومن هنا فإنَّ الثغرة أو المسافة بينهما تظل شاسعة بعيدة لا يمكن أن يتحقق في ظلها نجاح جدي منشود .



* مخرج عراقي
السويد

 



 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات