| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سلام يوسف

 

 

 

 

الأثنين 6/8/ 2007

 

 

على المكشوف

صرف العلاج بين الحق والباطل


د . سلام يوسف

من الممارسات التي سادت في مجتمعنا والتي للأسف الشديد ترقى الى مستوى الظاهرة(وأسبابها عديدة ومتراكمة وكذلك معروفة)هي ما يقوم به الكثير بل والكثير جداً من زملائنا الصيادلة من بيع الدواء دون وصفة طبية ولاحتى وفق أسس طبية علمية،ولكن هذا لاينفي وجود صيادلة لازالوا ملتزمين بأصول المهنة الأكاديمية ووفق المنهج العلمي وكذلك ضمن الضوابط الأخلاقية والإنسانية.بدايةً إسمحوا لي أن أقص لكم ما رأيته بأم عيني وتلمسته حقيقةً وواقعا(علماً إنها تكررت مراتٍ عدة وبمواقع مختلفة وتحت مسميات كثيرة وبأشكال منوعّة)،والقصة بإختصار أني دخلت إحدى الصيدليات في منطقة حافظ القاضي في الساعة 11 قبل الظهرلأصرف دواء كتبته (لنفسي) كي أتحاشى أن أعرّف الزميل الصيدلاني كوني طبيباً خشية أن يتحمل هو وصيدليته تكاليف الدواء الذي أطلبه(وهي خصلة جميلة من خصالنا المهنية الرائعة والتي يبدو إنها ستنحسر وتزول جراء العولمة الزاحفة!) كان الزميل منهمكاً بتلبية طلبات الزبائن الشفوية!! وأغلب الطلبات عبارة عن عرض التأريخ المرضي للزبون أمام الزميل الصيدلاني ليقوم بدوره من بعد ذلك في تشخيص!! الحالة ويصرف العلاج حسب ما تراه حنكته الطبية في تلك اللحظة دون أن يرشد المريض الى الصواب بمراجعة المؤسسة الطبية أو الطبيب،وهذا يعني إن ممارسة مهنة الصيدلة في مجتمعنا تسير وراء الناس وليس العكس،المهم فإن الزبون إشترى العلاج والنقود قد دَخلت وارد الزميل الصيدلاني في تلك الساعة وكون المريض سيشفى أم لا فليس هذا المهم وللأسف الشديد.ومع ذلك فليس هذا ما أريد أن أقوله،الموضوع يتعلق بطلب أحد هؤلاء الزبائن وهو شاب بمقتبل العمر رث الحال تبدو عليه مظاهر وعلائم الإنكسار والإنحباس النفسي،تألمت على هيئته ومظهره ولعنت الدكتاتورية المقبورة والإحتلال البغيض والطائفية البغيضة،وقال الشاب للزميل الصيدلاني:((أبو ... إنطيني ـ مشيراً بسبابته ـ شيشة توسيرام رحمة على والديك،وهذا أول طلب عليّ هذا الشهر))،إستوقفتني هذه الجملة ففيها عدة دلالات وقبل ذلك فأود أن أخبركم بإن شراب (التوسيرام) هو علاج مضاد للسعال الجاف يحتوي على مادة الكودائين المخدّرة،عموماً: فهذا الشاب لديه(ميانة !) مع الصيدلاني،ويعرف مكان التوسيرام في أي رف من رفوف الصيدلية وهذا يدل على الدراية،ثم يطلب الرحمة لوالدي الصيدلاني ليصرف له المواد المخدرة،وأخيراً فإن الصيدلي(متعاون!ومتعاطف!)مع هذا الشاب بحيث توجد ما بينهما حسابات أول وأخر الشهر.أخذ الشاب القنينة على عجل وغاب عن الأنظار بلمح البصر،فقلت للزميل هذا خطأ ياعزيزي فالتوسيرام به مواد مخدرة ولايجوز صرفه بهذه السهولة وذلك الشاب واضح إنه مدمن مخدرات،فهم الصيدلاني إني لست مريض عابر سبيل عادي،فأجابني :خلينا إنعيش عمي ! لم أتمالك نفسي وقلت بعصبية واضحة:هذا باطل ياأستاذ.آلمني الموقف حيث الشباب يتخدرون عن مواجهة الواقع المؤلم المفروض علينا فتنهش الطائفية بنا لنصاب بالعمى الجزئي أو الكلي من أن نرى ماذا يرسم لنا ويحاك ضدنا.
الدواء حق المريض،وحكَمنا هنا الضمير الذي أقسمنا به على أن نكون أمناء مع أنفسنا ومع مرضانا وإن لانتعامل مع المريض وحالته إلاً بالحق،فصرف هكذا علاج وأشباهه باطلٌ حيث تم صرفه بلا وصفة طبية وقد حرم مريض محتاج له(وخصوصاً نحن بموسم تزداد فيه النزلات الشعبية والسعال)وإن الذي تم صرف الدواء له واضح تماماً إنه مدمن مخدرات.
إن غياب القانون والنظام في ظروف إستثنائية لايعني بأي حال من الأحوال غياب الضمير ونكث العهد والقسم.