| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سلام يوسف

 

 

 

                                                                                     الأحد  6 / 10 / 2013



على المكشوف

عندك عِرِفْ..؟

د. سلام يوسف

واحدة من سمات الأنظمة التي توالت على سدة الحكم في المنطقة العربية ومنها العراق، الفساد الإداري، والذي تعدى الى أن يكون مرضاً أصاب كل مفاصل الدولة ، بل وأضحى ميزة من ميزات مجتمعاتنا ،والزمن شاهد على أن الأجيال قد جُبلت على هذا الانحراف الخطير والذي ينم عن الاستهزاء والاستهتار بالقوانين والضوابط والتي يُفترض بها أن تنظم حياة الأفراد وتفاعلاتهم اليومية، وما الالتفاف والتحايل على تلك القوانين والضوابط ،الاّ معلم من معالم تخلف البلدان وتأخرها في كل الميادين.
وبالملموس فأن أول ما يفكّر به المواطن حينما يريد أن يراجع أي دائرة من الدوائر الرسمية وغير الرسمية ،فأنه يفكّر بالواسطة أو بمن يسهّل له معاملاته أو الإجراءات التي يريدها ،ووصل الأمر من فقدان الثقة الى حد البحث عن "عِرِفْ" حتى في إجراءات الدخول الى المستشفى أو مراجعة مركز صحي ،وأخاله يفعل هذا حتى في شراء علاجٍ ما من صيدلية في الشارع العام !.
ويا مكثر الذين يتصلون بي طلباً في أن أدلّهم أو في أيجاد "عِرِفْ" في المستشفى الفلاني أو في المركز الصحي الفلاني ،أما له أو لأحد أفراد عائلته الذي يحتاج أجراء فحصٍ ما أو عملية معينة ..الخ.
لماذا؟
لأنهم يعرفون حق المعرفة أنهم سيواجهون دوامة "الأضطهاد الأداري والفني" فيما لو لم يحصلو على جواز العبور لتحقيق ما جاؤا من أجله، وأنهم سينالون مبتغاهم بسلاسة وسهولة بعيداً عن الروتين والقوانين والتعليمات والضوابط دون المرور بهذه الدوامة أو مواجهتها بـ"شيمة" وبـ "جاه"هذا العِرِفْ، وبالتأكيد أن ما يقدم عليه هذا الـ(عِرِف) من خدمة للـ"معروف" سيكون على حساب مريضٍ أخر.
ولماذا أيضاً؟
فهذا ما خلفه "الاستعمار الصدامي"والذي أرسى ثقافة الخوف والعنف والاضطهاد ومحو الذات الى حد ألغاء مفهوم "الحق والحقوق" في المجتمع، مستثمراً تخلف واضمحلال الخدمات في العهد العارفي الرجعي.
والنتيجة كانت نشوء وجهة مستهجنة في المجتمع بشرائحه ومنهم موظفين وعاملين، لا يعملون بما تمليه عليهم خدمة الوطن والشعب، مستسهلين التغاضي عن التعليمات ،وعدم الأكثراث للقانون ،خاضعين خانعين للعلاقات العشائرية والشخصية أكثر من احترام الدستور والقانون، مستبعدين مفاهيم المواطنة وتقدم الوطن.
ليس هذا فحسب فالحكومة تقدم الخدمات للمواطنين(وهذا واجبها)بالتقتير وبالـ(منيّة)،فأجهزة الفحص القديمة والحديثة قليلة قياساً للاحتياج مما يجعل تراكم أعداد المرضى وامتداد المواعيد الى شهور عدّة، بل أن عدد المؤسسات لا يتناسب مع حجم التوسع السكاني ،وبذلك أصبحت حصة كل طبيب وحصة كل كادر من الكوادر الصحية والتمريضية والخدمية تتعدى الضوابط الدولية، بفواصل شاسعة أثرت على نوعية الخدمة المقدمة للمواطن التي كفلها الدستور.
وللأسف الشديد ونقولها بغصة كبيرة ،أنه بالملموس وبالفعل فأن المريض الذي لديه عِرِفْ بأي مؤسسة صحية تراه يشعر بالنشوة والراحة والارتياح حينما يحصل على مراده دون العناء الكبير الذي يبذله غيره، والأنكى من كل ذلك، ورغم تعديل الرواتب قياساً لما كان عليه في عهد النظام المقبور ،فأن العِرِف قد أصبح متوفراً عن طريق الدفع !!
ولا أخفيكم فأن أعداداً من الذين أتصلوا بيّ أبدوا عدم الأرتياح حينما أعتذر عمّا رجوه مني!

 

free web counter