| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سلام يوسف

 

 

 

                                                                  الخميس  24 / 7 / 2014



على المكشوف

طبيب صاعق...!

د. سلام يوسف

قالوا ونقول،
نصف العلاج بابتسامة الطبيب ،ونصف الشفاء بطمأنة الطبيب لمريضه، وكل القلق يغادر المريض حينما يصافحه الطبيب مبتسماً ويقول له "أشوفك بخير وسلامة".

هكذا مارسنا ونمارس المهنة، وهكذا علمنا أساتذتنا الأجلاء وهم الظواهر العلمية والإنسانية التي لا تتكرر.

أما أن يتحول الطبيب الى (آلة) بلا أحساس ولا مشاعر ،بل يتحول الى صاعق كهربائي ربما يقتل الضحية ،فهذا ما لم نعتاده ،خصوصاً نحن العراقيون وقد سحقنا جور الأيام منذ شباط الأسود عام 1963.
"بصراحة وبدون لف ودوران، أنت بيك سرطان وما تدري بروحك"....!!!

بهذه الكلمات المقتضبة الخالية من كل شعور بمسؤولية المهنة وضوابطها، بعيداً عن كل القيم الأنسانية، هذه الكلمات التي تفوه بها طبيب سقطت من حساباته معاني الرأفة والرحمة والمساعدة، بهذه الكلمات الصاعقة الغادرة اللئيمة أخبر الطبيب (وهو أختصاص في الأمراض الباطنية في أحد مجمعات الأطباء في بغداد) ، أحد المرضى المحال أليه من طبيب أخر في نفس المجمع.

واليكم القصة:
مريض في متوسط العمر(بداية الخمسينيات)،موظف ،مثقف، أحد ضحايا النظام المقبور لسنوات طويلة في سجن أبي غريب، طموح حيث يواصل تعليمه على حسابه الخاص في الجامعة ،عائلته رغم كل مآسي الحياة السياسية العراقية الحالية فهي تشعر بالسعادة كونه عاد الى الحياة مقارنةً بتغييبه في زنازين النظام البعثي الفاشي.

راجع أحد أطباء العظام كونه يعاني من ألم في الحوض جراء التعذيب السابق، أجرى له هذا الطبيب تحاليل الدم ،وبعد ظهور النتيجة شك هذا الطبيب في أحد تحاليل الدم ، أحاله الى (طبيبنا اعلاه) بنفس المجمّع.

نقد مريضنا سكرتير طبيب الباطنية ثلاثين ألف دينار أجور(الكشف !!)ودخل عليه ،نظر الطبيب المختص بالتحليل وسأله كم سؤال(بدون أجراء الفحص السريري)، لحظات توقف الطبيب عن الهمس، (تذكر مريضنا لحظة نطق الحكم عليه هو ورفاقه من قبل جزاري النظام المقبور)، وقال : "بصراحة وبدون لف ودوران، أنت بيك سرطان وما تدري بروحك"....!!!

يقول مريضنا: "لم أهتز أمام كل المواقف الصعبة في حياتي بما فيها لحظات الموت على أيدي البعثيين الصداميين ،بقدر ما هزتني فيه كلمات هذا الطبيب ،فقد حكم علي بالموت البطيئ وما هي الاّ لحظات حتى رأيت أمام عيني شريطاً سريعاً من الأحداث بما ستعصف الحياة القاسية بعائلتي وأطفالي وهم ما زالوا في بدايات المشوار".

وما جاء من المريض(كرد فعل صحيحة يمارسها أي أنسان، ففي مجتمعنا الثقة مهزوزة بكل شئ)، الاّ أن يهيم على وجهه يطرق باب طبيب صديق له ،والذي أجرى له فحص دم خاص ليبين هل فعلاً السرطان موجود أو لا ،فجاءت النتيجة وعلى وجه السرعة ،أنه خالٍ من هذا المرض.

يا لهول الكابوس .. لماذا يا طبيبنا ترتضي لنفسك أن تكون صاعقاً بدل أن تكون رسولاً للرحمة؟ ،لماذا تتعجل في الحكم على حياة أنسان من لحم ودم وأعصاب كما أنت واي فرد من أفراد عائلتك؟أم أراك قد فقدت أنسانيتك وشعورك بكل شئ حي!





 

free web counter