| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سلام يوسف

 

 

 

                                                                  الأحد  17 / 11 / 2013



على المكشوف

الأطفال يموتون حزناً ...!!

د. سلام يوسف

الكثير من الأباء والأمهات لا يفقهون بعلم نفس الأطفال، ويعتقدون أن الطفل لا يمتلك الأحساس والمشاعر ،أو أنه "من يكبر ينسى"، "راح يلعب ويلتهي" ،وغير ذلك من الكلام ،غير المنطقي، والذي يدل على الأستخفاف بمشاعر وأحاسيس وعواطف هذا الكائن البرئ، بل وتجاهلها في أغلب الأحيان، دون الأدراك أن التعامل مع الطفل هو الأس الذي ستبنى عليه حياته.

حكاية مؤثرة، مؤلمة جداً حصلت مع أحد معارفي، فلدى صديقي هذا بنت شابة أهتمت بتربية ابن اخيها فتعلقت به وتعلق بها واصبح ملازماً لها، واصبح هذا التلازم اكثر وضوحاً عبر السنوات التي تمضي حتى بلغ الطفل السادسة من عمره، حينما صعقت الكهرباء عمته فتوفت بالحال عن 19 عاما.

عند زيارة قبر الشابة في اربعينية وفاتها ،أستصحبوا الطفل معهم ،وبعد مضي دقائق من النحيب والعويل تشبث الطفل بقبر عمته فأذا به جثة هامدة عندها ،كمداً وحزناً ،دموعاً مختزنة ،آلاماً أسيرة ،موجة حزن عارمة لم يحتملها قلبه ،مات الطفل ضحية جهل الأهل بما يمتلكه من أحاسيس ومشاعر.

فهل يعتقد الناس حينما يُغضِبون اطفالهم أو يحرمونهم من أنسانيتهم ،وبرائتهم ،أنهم على صواب؟
هل هناك أمضى عقاب من أن تجعل الأخر حزيناً؟!

نعم الحزن سيد أسباب الموت ،وكلنا ليس ببعيد عما نسمعه من قصص وأخبار الأزمات القلبية أو الجلطات الدماغية التي يتعرض لها ذوي الأمراض المزمنة المختلفة وغيرهم ،فما بالك من طفل لم يخبر الحياة ،ولم يندرس بها ،ولم تلوكه أو يلوكها!

فالطفل صفحة بيضاء ،أكتب بها ما تشاء ،وهو صلصال أصنع به ما تشاء.

أثبتت الدراسات العلمية ـ النفسية أن الأطفال يتأثرون بالمحيط الذين يعيشونه ويزداد هذا التأثر كلما تقدم بالعمر حيث تبدأ المراكز الدماغية العليا بالتخصص ،والأدلة على ذلك كثيرة جداً ،منها، أن خلايا مراكز السيطرة على الأفعال اللاإرادية تتخصص وتتحول الى إرادية بعمر سنتين، خلايا الذاكرة تبدأ بالتخصص بحدود عمر خمس سنوات..الخ

وبالتجارب التي أجرتها المعاهد العلمية أثبتت أن الطفل ينشأ وفق البيئة التي ينمو فيها ،فأذا نما بأجواء الحزن والنحيب والعويل والتأنيب المستمر والعقاب المتتالي ،فأنه ينشأ ذو نزعة عدوانية كوسيلة للتخلص من قيود الحزن التي كبلت شخصيته دون ان يمتلك القدرة على التحرر من هذه القيود التي تحز في نفسه كل يوم بل كل ساعة، وأذا ما عاش بأجواء الفرح والتعلم والمعرفة والموسيقى والتودد والألفة ،فأنه سينشأ وهو يمتلك مشاريع من الأبداع الأنساني الخلاق.

وليس هذا فحسب فعلى الأهالي أدراك أن التعامل اليومي مع الطفل وخصوصاً حينما يبدأ بالتفكير والتذكر(عمر خمسة سنوات فما فوق)، له تأثير مباشر في بناء مشاعره وأحاسيسه وبالتالي شخصيته ،واليكم أن تتخيلوا مدى الضرر الكبير حينما تضغطون على أطفالكم أو تعاقبونهم بقسوة بعيداً عن الرأفة والحنية التي ينتظرها الطفل من واهبها، فالطفل ينتظر منك أن تهبه الحياة المستقرة الأمنة.

لا تجعلوا أطفالكم ينفرون منكم! ولا تجعلوهم مشاريع انحراف مستقبلية، بل لا تقتلونهم حزناً!






 

free web counter