| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. سلام يوسف

 

 

 

                                                                  الأحد  11 / 5 / 2014



على المكشوف

يبيع المخضر صباحاً وصيدلاني مساءً ..!

د. سلام يوسف

ليس عيباً أبداً أن يتعلم الإنسان، وليس عيباً أن يتطور ،بالعكس فنحن الماركسيون نؤمن بالإنسان وبقدراته الخلاقة، ونؤمن أنه طموح ومتطور ويتطور ويتقدّم ويقدّم ،فلا حدود لعقليته وتفكيره المبدع، فهو الذي سخّر الطبيعة لمنفعة المجتمع.

ولكن كل هذه المزايا الرائعة تحكمها قوانين التطور الطبيعي، فالإنسان بصفاته اللا محدودة هذه ، يبقى رهين ضوابط ذاتية وموضوعية تفرضها الحياة التي يعيشها بحكم المعرفة وتراكماتها والتي بالنتيجة يستفيد منها لأجل رفاهيته وتطوره المتنامي والمستمر.

ووفق هذا المفهوم ،فلا يوجد إنسان خارق (سوبرمان)، لم تسنح له فرصة التعلم المعرفي والعلمي وللأسباب التي نتفق عليها ،الاّ وهي طبيعة النظام الاقتصادي ـ الاجتماعي المفروض ،أقول لا يوجد إنسان يصبح بين ليلة وضحاها وجرّاء عوامل الانحلال والتفكك والفوضى ،إنسان عارف ،ويعلم كل شئ ،بل يتعامل مع ما له مساس بحياة الناس وصحتهم.

نعم هذا ما هو حاصل قولاً وفعلاً ،حينما تحوّل إنسان عراقي بسيط (بغفلة من الزمن)،والذي حرمه النظام الدكتاتوري الفاشي المقبور من فرصة التعلم، الى شخص يقرأ ويكتب ،بل ويجيد اللغة الأنكليزية (واللاتينية الطبية)ويتعامل مع صحة الناس ويصرف لهم الدواء!!

هل يُعقل هذا ؟!

ليس من المنطق بشئ أن أنساناً لم تسنح له الحياة (القاسية) أن يُكمل تحصيله الدراسي والعلمي ويبدأ بممارسة مهنة له خصوصيتها كونها تتعلق بحياة الإنسان وبقائه حياً!

في الزمن الماضي كان ذوو المواهب متعددو الأهتمامات ،كون العلوم لم تكن تخصصية كم نشهدها اليوم ،فرجل العلم كان يبحث بعلوم الجغرافيا والفلك والرياضيات وعلوم الطب والأدوية والموسيقى ..الخ ،وبالحقيقة لم يصل هؤلاء الأفذاذ الى تلك المراحل السامية لولا الدرس والبحث والمتابعة ،وكان أحدهم يجيد عدد من اللغات ،أي بمعنى حتى الأقدمين كانوا يمرون بسلسلة من صفوف التعليم والتتلمذ على أيدي العلماء الكبار، أما مقارنة بما أنتجته حروب الطاغية وما أفرزنه سياسية المحاصصة الطائفية فقد لفضت الى الشارع عشرات التلاميذ من الابتدائية الى أسواق (المخضر) وبيع قناني الماء في التقاطعات وغير ذلك ،وبكل بساطة يأتيك مستثمر صاحب أموال ليفتح له صيدلية ويعيّن معاون صيدلي فيها ليأتي هو الأخر بشخص (وفق المواصفات أعلاه من عدم الدراسة والمعرفة) ليمارس مهنة الصيدلة بكل أريحية ،وينصح الزبائن ويوصف أدوية وفقاً للأعراض (وهذه خطيرة جداً لأن الكثير من الأمراض تتشابه بالأعراض) ،هذا فضلاً عن صرف أدوية بالخطأ!!

هؤلاء منتحلو الصفة يبحثون عن أقصر الطرائق للثراء العاجل ،فأرباح الصيدليات ليست قليلة ،و(البائع) فيها يشعر بالراحة بمزاولة هذه المهنة مقارنةً بالظروف القاسية التي تحكم "بيع المخضر".

وَصْفات الأطباء معروفة بعدم وضوح الخط فيها ولا يستطيع فك رموزها الاّ الذين يعرفون أسمائها ممن درسوا وتخرجوا في كليات الصيدلة.

أحد الزملاء حدثني عن ظاهرة عدم تطابق ما يصفه لمرضاه مع ما تصرفه لهم بعض الصيدليات ،الاّ أنه أكتشف أن الذي يصرف الوصفات شخص كان يبيع (المخضر) في العلوة!

مَن يتحمل ما يحصل؟

 

 

free web counter