| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سناء صالح

 

 

 

 

الثلاثاء 5 / 6 / 2007

 

 


أطفال العراق وحكايا ما قبل النوم


سناء صالح - هولندا

يؤكد التربويون على ضرورة أن ينام الطفل على صوت أمه المحبب في حكاية عن الورود والجمال والخير الذي يهزم الشر والبنت قطر الندى بجدائل ذهبية وشرائط وبدلة وردية وبيوت جميلة وكعكة ساخنة من يد الجدة وأحيانا حكايات المغامر البطل الذي يهزم أعداءه , ليتلون حلم الأطفال الجميل بلون الحكاية المكتوبة بخط أنيق ومزينة بصور الطبيعة الخلاّبة ومغلفة بلون زاه صقيل , حينما أراقب ابنتي وهي تحكي لبناتها (حفيداتي ) يغمرني الشوق والحنين الى أيام الجدة التي عوضتنا حنان الأم , شربنا الحب من دفئها وصوتها وطريقتها في سرد الحكاية إذ أن الجدات والأمهات هن الكتاب الذي كنا نتعلم منه ونصنع خيالنا من نتاج مخيلاتهن .

في المساء كنا نتحلق حول جدتنا التي تبدأ حكايتها بالبسملة والصلوات على النبي وعلينا أن نتمتم وراءها وكنا نستعجل الأنتهاء من هذه المهمة لتبدأ فصول الحكاية التي لانملها فجدتي لها حكايات عن موروث الموصل أم الربيعين وفي كل يوم نكتشف شيئا جديدا في حكاياتها التي لاتمل ولهجتها الموصلية كانت تقطع سلاسل أفكارنا بحلول وقت الصلاة شأنها شأن الأعلانات التي تتخلل مسلسلات يعجبنا متابعتها , نجلس على الحصير المفروش جانب الحائط في بيتنا ذي الطراز الشرقي صيفا ومتلحفين بغطاء واحد يسمى( الجاجيم)حسب تسمية الموصليين لبساط صوفي محلي الحياكة وكانت صلاة جدتي مطولة لأنها تصلي لجدي ولأمي التي توفت في عز الشباب . كنا نتململ ويغالبنا النعاس ولكن كنا ننتظر بفرح غامر عودة الحكاية وأحيانا نطالب بأعادتها وفي أثناء ذلك كان جيب جدتي الواسع يحفل بأنواع الكرزات الموصلية من( لوز وبطم وسسي وحبة الخضرة ) كنا نمد الأيادي لنشارك في التكريز وأحيانا حديثها الينا يتضمن التاريخ وقسوة الحروب والمجاعات بحيث لدى كل واحد منا تصورا لما جرى تحكي عن الأتراك الذين نهبوا البلاد والموت في الشوارع في تلك الحقبة لدينا تفسير لماذا يخزن الموصليون المواد بكميات في بيوتهم الخوف من تكرار ما يحدث . لقد غرزت هذه المرأة ببساطتها الحب في قلوبنا علمتنا من خلال حكاياتها كيف يجب أن نكون .

ترى ماذا ستقول الجدة ممن واكبت الحروب وزمن الكيمياوي والمقابر الجماعية ماذا سستتخيل هل سيصل خيالها أبعد من صورة للدمار والموت المستشري كيف ستصف الحدائق الغناء وحولها بنايات محروقة ونخيل مقطوعة الرؤوس , كيف ستصف الجمال وحولها أطفال شعث يجوبون المزابل للحصول على لقمة العيش , هل ستجد الوقت الكافي وهي في زحمة ندبير أمور العائلة وهل ستستطيع السمر على سطح الدار وتحت ضوء النجوم والقمر( بدلا من الكهرباء التي أصبحت حالة ميئوس منها وأمنية مستحيلة) دون خوف من سقوط هاون ضلّ طريقه ماذا ستستعمل من مفردا ت ألفتها منذ سنة ثمانين وليومنا هذا غير : معارك وعواصف ,تفجير , استشهاد,جدران , أمريكان تفتيش فتاوى , مليشيا , مجاهد , إرهابي . هل يمكن أن تخلق من هذه المفردات حكاية سعيدة لأ حفادها قبل النوم .

أمّا أطفالنا في المهاجر يسمعون القصص عن جدات أخريات من الوطن الذي ولدوا فيه بلغة غير لغة جداتهم وبظروف غير ظروفهم , لو حاولنا أن نحكي لهم عن النخلة والحب والتسامح والعم والخال والوطن الجميل فسوف لايصدقونا لأن مايسمعونه وما يسمح لهم برؤيته من التلفاز وما يسمعونه من خلال القادمين من الوطن وتنصتهم علينا في محادثاتنا وررسائلنا تجعلهم يشكون بحقيقة أنه كان في يوم ما وطن متآلفة قلوب أبنائه فيه الخير العميم وإن هذا إلاّ من نسج مخيلاتنا أو بقية من بقايا حكايا الجدات عن زمن مضى وولّى  .