| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سناء صالح

 

 

 

 

الأثنين 30 /10/ 2006

 

 

حكايا لايطالها النسيان

 

سناء صالح /هولندا

لكل منّا حكايات وصور ونماذج بشريّة تأثّرنا بها وأثّرنا فيها ,ولكوني واحدة ممن عاشوا الأحداث وتأثّروا بها فسأقف عند بعضها لأسجّلها كشهادة حيّة , آمل أن أوفّق في نقلها .

المشهد الأوّل : المكان كليّة التربية / جامعة بغداد
الزمان :1966
الحدث : اضراب طلبة جامعة بغداد
التوتر يسود الأجواء ,كل المساعي فشلت في كسر الأضراب الذي ابتدأه طلاّب كليّة التربية (جامعة بغداد ) والذي دعا اليه اتحاد الطلبة العام المنظمةالمعروفة بنضالها ودفاعها عن حقوق الطلبة ,كما لم يصل المتفاوضون الى نتيجة ترضي الطلبة المتمسكين بمطالبهم المشروعة المتمثّلة في تخفيض القسط الشهري الذي يلزم الخريجين الجدد بدفعه عن السلفة التي يتقاضاها الطالب أثناء سنوات الدراسةالجامعيّة والبالغة آنذاك سبعة دنانير ونصف . ,تسرب الخوف الى قلب السلطة من أن ينتقل الأضراب الى جامعة البصرة الفتية آنذاك ,وقف الطلاّب أمام الأقسام مصطفّين كدائرة شابكين أياديهم ببعض ,دخل الجنود الحرم الجامعي يرمون برشاشاتهم الطلبة لم يتحرّك الطلبة من أماكنهم لم يجدوا ما يدافعون به عن أنفسهم سوى الحجارة وسقط أربعة طلاّب جرحى هم عبد الحسين ,أنور , يحيى وميسون ,وفي مستشفى الطواريء حيث يرقد الطلبة كان هناك تضامنا غير عادي ,آلاف من العراقيين توجّهوا لزيارة الجرحى محملين بالزهور والحلوى والنقود كعادة العراقيين المعروفين بكرمهم ,وفود من كل المحافظات وعلى مختلف المستويات ,تحوّل هذا الحدث الى تظاهرة تعكس حالة الشارع العراقي الرافض للحكومة الهزيلة والمتضامن مع الطلبة والقوى التي ساندت الأضراب ,أمّا الحكومة فقد بعثت طاهر يحيى ممثّلا لها حيث قوبل بالرفض والأستهجان من الجميع سواء الجرحى أو الزوّار.

المشهد الثاني : المكان : حي من أحياء البصرة العمّاليّة الفقيرة
الزمان : ربيع 1979
في بيت متواضع جدا يسكن أبو عيدان (هندال جادر ) * ,كنت قبل أن أتعرّف عليه قد سمعت عنه وهو من وقف عمّال الموانيء مطالبين بأطلاق سراحه مردّدين(حيّ ميّت هندال نريده ) آنذاك تخيّلت هندال رجل ضخم له سطوة ,وحين التقيت به وجدته انسانا بسيطا طيّبا ,لكنّه مؤمن بقضيّة وهنا سرّ قوّته ,في عام 1979 اعتقل أبو عيدان وتعرّض للتعذيب ووصل حدّ الموت مما اضطرّجلاّدوه أن يدخلوه المستشفى تحت حراسة الشرطة ,وبعد ذلك أطلقوا سراحه ,زرناه كان ظهره ممّزقا ,عبارة عن كتلة من اللحم ممزوجة بدم متخثّر ,لاأثر للجلد ,أيّة ساديّة هذه ألم يراعوا كبر سنّه كلّ هذا وأنا أنظر اليه, حتما أنّه يتوجّع لكنّه يبدو مبتسما صلبا يحدّثنا عن جلاّديه الذين فوّت عليهم فرصة اذلاله ,فبقي مرفوع الجبين ,غادرناه وقد أعطانا درسا بليغافي قدرة الأنسان على الصمود بوجه عدوّه مهما كانت قوّته .
لقد كان سلاحك ياهندال أقوى ,ايمانك بعدالة قضيتك قضيّة الطبقة العاملة العراقية التي تسعى للغد الأفضل ,
آسفة أن أخبرك باأبا عيدان بأنّ الموت أصبح أعمّ وأشمل في وطنك ,وأنّ الأعداء تكاثروا ,وتفنّنوا في أساليب التعذيب والموت , وهاهو ميناؤك أصبح مستباحا لقراصنة الذهب الأسود .
وللحديث بقيّة


*  أبو عيدان (هندال جادر ) دبّرت له أجهزة النظام تهمة باطلة شأنه كشأن غيره من المناضلين ,فحكم بالأعدام وهو الرجل المسنّ .