| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سندس سالم النجار

 

 

 

الأربعاء 1/2/ 2012                                                                                                 

 

" ايها الآباء ، ايهما يقودكم الى الفضيلة ، موت بناتكم قتلا ً على ايديكم ، ام انتحارا ! ام" ؟
(1)

سندس سالم النجار *

ايهما يقودكم الى الفضيلة ، موت بناتكم قتلا ً على ايديكم ، ام انتحارا ! ام ؟

ما الاسباب والدوافع الحقيقية وراء القتل العمد من قبل الاباء لبناتهم ؟

ما الانتحار ؟ وكيف قسم حالاته عالم الاجتماع ( ايميل دور كايم ) في دراسته الميدانية ؟

ما الدوافع خلف انتحار الفتيات في سنجار بهذا العدد وهذه السهولة ؟

ما فلسفة الانتحار ؟ ولمَ ينتحر المشاهير والعظماء والنجوم ؟

ما وجهة نظر الدين بالانتحار ؟ ؟


(( القتل العمد للبنات من قبل الآباء تحت مظلة حفظ الشرف وأبقاء الرأس عاليا ))

مما تجدر به الاشارة وبقوة ، ظاهرة القتل العمد الخطيرة التي بدأت تتفشى مؤخرا بشكل كبير في بعضٍ من البلدان الاوروبية واخص بها ( المانيا ) .

والتساؤل هو : هل ان جميع حالات تلك الجرائم المقيتة والمنافية لمبادئ الدين ، والمعارِضة لمنظومة القيم والاخلاق الانسانية ، والتي تم اقترافها على خلفية التاكد والتيقن من وقوع بناتهم في الرذيلة ، تحت ذريعة ( حفظ الشرف او حفظ نصاعة الوجه ) كما يدّعي بعض ٌمن هؤلاء المتجنّين ، ام على خلفية ( الشك فقط ) ؟؟؟

ان ما يترتب على تلك الحقائق يثير الف سؤال وسؤال ، عن ارضية وخلفية واخلاقية أولئك المدعين بالشرف والاخلاق والالتزام الديني والانساني . أنا عني كناشطة نسوية ، اسعى و اكافح وابحث جهد امكانياتي للتوصل الى الحقائق والاسباب والدوافع التي تقود الاباء وتشجعهم على تنفيذ تلك الافعال الوحشية التي يرفضها رب الكون وكل الاديان والشرائع السماوية والمبادئ الانسانية ..

ومن خلال المساعي التي قمت بها وحققتها ضمن مسيرتي البحثية في هذا المجال ( مجال الاسرة المهاجرة ومشاكلها في المهاجر) ، عن طريق التحصي و البحث والتعليل المنطقي لتلك الثغرات والتعرف عن الاخطاء البارزة التي تبدو المسؤولة الاولى والاخيرة عما يحدث من تفكك اسري وانحراف الابناء او البنات عن مسار اسرهن واصولهن وعاداتهن ْ...

نظراً لأن ظاهرة القتل العمد لها أبعادها المختلفة، ولأنه لا مجال لدراسة كل هذه الأبعاد، أقصر حديثي عن هذه الظاهرة فيما يلي :

لاشك ان المهاجرين القادمين الى بلدان الغرب من ثقافات مختلفة ، يعانون من هواجس الخوف والقلق من ( انقسام الهوية او تمزقها كما يقال ) ، وذلك بالانصهار والضياع في الثقافات الاوروبية حيث البلد الذي يلجأون اليه ويصبح مقرا مستقبليا لهم ولابنائهم . هؤلاء يحاولون التمسك بشدة اكبر مما كانوا عليه في بلدان الام ، بعاداتهم وقيمهم وصدْ الاندماج المفروض والمقدر عليهم ..

ولا شك ايضا في هذا ، ان الجيل الجديد ، المتمثل بابنائهم وبناتهم الذي ترعرع في احضان ثقافتهم الهشة والراكدة ، يقع ضحية ثقافتين او هويتين ، فألآباء من جانب يرون ضرورة ابقائهم على النمط الثقافي الراكد الذي ترعرعوا في اجوائه ، ظنا منهم ، انهم يعملون على حمايتهم من اذى وشرور المجتمع المفروض عليهم بالعادات والقيم الغربية ، متناسين او جاهلين بالاحرى الانقلاب الجذري الحاصل في البيئة الجديدة والزمن الجديد المفروض عليهم من قبلهم انفسهم اي ( الآباء ) اي ، هم من اتى بهم الى تلك البيئة ، وهم من اختارها لهم مستقرا لحياتهم ومستقبلهم. وعليهم تقبل ذلك وتحمل كل النتائج و المآسي المترتبة عليها ..

فهنا ما يتلقونه من المجتمع او المدرسة او الشارع ، يختلف كليا عما كانوا يتلقونه من بيئتهم ومجتمعهم القديم ، ( بلد الام ) . فلا يجد الأبناء امامهم الاّ الوقوع بين نارين ضروسين ، هم من ناحية مجبرون على القيام بسلوك مرْضي لآبائهم وراضخ لأرشاداتهم . ومن ناحية اخرى ، مجبرون على القيام بسلوك مغاير تماما عما هو في المنزل ، اي عليهم ان يرضخوا الى ارشادات المدرسة والمدرسين والمجتمع ، ولابد ان يرضخوا بحكم سنّهم ، اي مرحلة الطفولة الحساسة والهامة والخطيرة المفروضه عليهم . وبهذا ينقسم الابناء على ذاتهم ، الى شعورهم التام بالاحباط من انقسام وتمزق الهوية . فهم تائهون حائرون لا يعرفون لأي منهم ينتمون بالضبط . مما يقودهم الى الحيرة ، لمنْ يكون الانتماء والاصغاء والولاء الصحيح والفعلي !

في تلك الاثناء يكون الآباء من المتفهمين والمتعلمين والمثقفين طبعا ، على علاقة متوازنة عقلانية مع الابناء ، وبشكل غير منحرف عن المسار الطبيعي لكلا الجانبين ، وبلا اية اضطرابات في العلاقة بين الطرفين ، لذا نجد اسر كثيرة تجيد فن السلوك العقلاني والفكري والنفسي والعلمي الذي يحرص ويحافظ على المسارين كل في اتجاه ولكن ، لكل منهما حقوقه وشرعيته ومذاقه الخاص لدى الابناء وتبقى العائلة متماسكة متحابة بعيدة كل البعد عن تلك الاجواء الانفة الذكر ...

اما بخصوص من يتسمون بالجهل والامية والعقليات الرثة من الاباء والامهات ، فلا حول لهم ولا قوة الا التحجج بثقافتهم وتربيتهم المتعفنة كمياه بحيرة راكدة قد جمعت كل الحشرات والديدان التي تعشق الحياة على مثل تلك الاوحال ، حتى تحيلها الى وباء عضال متفشي ينعكس ليس على تلك الاسر فحسب وانما على المجتمع عامة . . فليس لهؤلاء الا ّ استخدام السلوك الفقير المبني على العنف والشتم والمهانة و العدوانية والأكراه في التربية والتعامل على عكس ما يلتمسونه في المدرسة والمجتمع العام .

طبعا ، لابد للفعل رد فعل يعاكسه في الاتجاه ، فليس لهؤلاء المراهقات والمراهقين طريق الّا ، الانحراف بالتوجه الى القانون الغربي الذي يحميهم ويدللهم ويوفر لهم المستلزمات التامة والتسهيلات المريحة لحياتهم ومستقبلهم .

علينا في هذه الحالة / ان نقر ّ ونعترف ُ معلنين وغصبا عن ارادتنا ، ان الابناء سينحازون الى الجهة الثانية ( اي المدرسة ) حيث يقضون ثلثي يومهم هناك ونصف الثلث الاخر في النوم والجزء المتبقي الضئيل جدا يقسموه ، لاجهزة التسلية كالتلفاز والكومبيوتر والهاتف النقال ومختلف العاب التسلية (زائدا الاهل) ! . تصوروا ! كم ضيق الوقت الذي يقضونه مع الاسرة ! فلا بد انهم سيتأثرون ويكتسبون ويعشقون ويرتاحون للثقافة الاخرى المتمثلة ب (اللغة ، السلوك ، التسهيلات الحياتية ، الموسيقى والفن ، العادات والقيم العامة والشخصية) .

من هنا تبدأ المعضلة ، وتشب نيران المشاكل والمشاجرات مما يقودهم الى التمرد وفقدان الثقة اتجاه ابويهم وعدم تصديقهم فيما يقولوا ، في حين ان ، نفس ما يقولوه ، سيصدقوه من الجهة الثانية اي المدرسة او المجتمع المضيف الذي يكون القدوة الرائدة في نظرهم .

ومن هنا اناشد جميع الناشطين والمثقفين والاعلاميين ورجال الدين من الايزيديين ،ان يقفوا وقفة موحدة شجاعة وجريئة وصريحة في مثل هذه القضايا ، والتباحث فيها بهدف الوصول الى حلول حاسمة لها ، لا فقط ، الكتابة والاعلام والتباكي وهتافات فارغة . او التركيز وتناول مشكلات موهومة وتجاهل مشكلات قائمة خطيرة بهدف الحد منها بشكل كلي .. .

وفيما ارى ، ان السبب الهام الذي جعل تلك الجرائم في تعتيم اعلامي ايزيدي واحجام الكتاب والصحفيين عن تناول الامر ومعالجته بطريقة مهنية اعلامية وسليمة ، وذلك لتخوفهم من نتائج ما يقومون به وعدم جرأتهم للمواجهة من ملامة المجتمع او اتهامهم بالتواطؤ لصالح المغدورات من الضحايا ...

وليدرك الجميع ان ما حصل مؤخراً من قتل وتجني الاباء على بناتهم في دولة المانيا قد اثر وبشكل سلبي كبير على وجود واحترام الايزيدية كجالية تنتمي الى الاقليات الدينية في العراق وغير العراق ، التي كانت تتسم بروح التسامح والتعايش السلمي والماضي الشفاف والملئ بالويلات والقهر والاضطهاد . انها صورة بشعة رسمها هؤلاء لنا ، وهم في سجنهم المحاصر باسوار الجهل والتخلف ، الذي لا يرون انعتاقاً منه الا في دماء بناتهم وهن في غطاء المهد كما يقال .

ان ما يجري ، اسهم بشكل فعال وحقيقي ، امام السلطات الغربية ومجتمعهم على الاقل ، وفي ظل متغيرات سريعة وسيئة الخطى ، في مثل تلك السلوكيات التي غيرت نظرة الغرب لنا وما شكلته تلك الظواهر من اضطراب ووهن وخطورة واخلال توازن في الشخصية الايزيدية وفقدان الثقة بها وقيمتها عما كانت من ذي قبل ...

حتى وصِفت اعمالنا بالتناقض والتفاوت ، عما كنا عليه ، مما افرزت هذه الافعال كثير من الرؤى والظنون الاجتماعية التي من نتائجها النعت بالانحدار والتراجع عكس التطور والتغيير والبناء والاصلاح والسير بموازاة التيار الحضاري ...

الحلقات التالية : ستتضمن الاجابة عن الاسئلة المتبقية بخصوص الانتحار في العراق بشكل عام ،وكردستان ، والاسرة العراقية المهاجرة ، وسنجار القدوة التي احتلت مرتبة الصدارة في التفوق بإرتفاع نسبة المنتحرين والمنتحرات !!! .
 

 * ناشطة في الشأن الايزيدي والانساني العام

 

 

 

 

free web counter