| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلاف رشيد

 

 

 

                                                                                      الخميس 31/3/ 2011

 

من ذاكرة شيوعي عراقي

سُلاف رشيد

بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي توجهنا بالسؤال إلى أحد الرفاق القدامى وهو من الرعيل الشيوعي الأول ( كيف أصبحت شيوعيا ؟؟)، أنه المحامي والشخصية الشيوعية عبد الرحيم أسحق قلو. فحدثنا قائلا :

بهذه المناسبة العزيزة لابد أن نساهم مع الرفاق الآخرين ونتناول بعض ما تختزنه ذاكرتنا منذ بداية الأربعينات من القرن الماضي اثر انضمامنا إلى صفوف حزبنا الشيوعي العراقي.

في صيف عام 1942 تخرجنا من المرحلة الثانوية في الموصل وانتقلنا إلى بغداد بحثا ً عن العمل، يوم كان العراق محتلا ً من قبل القوات الأجنبية، من الجيوش البريطانية والهندية والأمريكية والاسترالية والبولندية، وكانت قوات هتلر النازية قد اجتاحت أوربا وكذلك جزء من أراضي الاتحاد السوفيتي!

كنّا آنذاك صديقي ( موسى نوح ) وأنا على اتصال دائم بصديقنا (حبيب الياس بولا) من أبناء بلدتنا القوش وكان طالبا ً في دار المعلمين العالية ومن كوادر الحزب الشيوعي العراقي ، وقد تم كسبه إلى صفوف الحزب من قبل رفيقه الطالب في صفه في دار المعلمين العالية (محمد علي زُرقه) من أبناء سوريا!

كانت الحرب العالمية الثانية في اشد ضراوتها في تلك الأيام وكان صديقنا حبيب يزودنا بجريدة الحزب وأدبياته وعلى يده تم ترشيحنا لعضوية الحزب !
في تلك الأيام كانت فصائل عديدة من الشباب في العراق يتعاطفون مع الأفكار النازية وقد انجرفوا وراء انتصارات (هتلر) الوهمية ودون وعي وإنما كُرها ً للمحتلين الانكليز وحلفائهم ووفق قاعدة (عدو عدوي صديقي).

أما الذين تيسرت لهم الظروف للاتصال بالحزب الشيوعي العراقي، كانوا على الضد من تلك الأفكار النازية وكان ديدنهم التثقيف الذاتي، وبسبب انضمام الاتحاد السوفيتي إلى معسكر الحلفاء أصبحت المكتبات مزدحمة بالكتب التقدمية والماركسية وقد ازداد الاهتمام بها ومطالعتها إلى جانب بيانات الحزب!

استمرت علاقتنا الحزبية مع الرفيق (حبيب بولا) وكان رفيقا ً مخلصا ً لمبادئ الحزب وملتزما ً ومتواضعا ً وكان أثناء الاجتماع يشرح لنا بطولات الشعب السوفيتي أمثال (زويا وشورا) في مقاومة جيوش (هتلر) النازية وعن النظرية الماركسية ونضال الطبقة العاملة وعن فائض القيمة !

في ربيع عام 1943 أصبح مسؤولنا الحزبي الرفيق صالح الحيدري (شقيق الرفيق الشهيد جمال الحيدري) وهم من أبناء اربيل، وكانت الاجتماعات تعقد في دارنا (محلة صبابيغ الآل) .

الرفيق صالح الحيدري كان شيوعيا ً نشطا ً جريئا ً وملتزما ً يؤكد في الاجتماع على مطالعة الكتب الماركسية والتقدمية وشرح نظرية فائض القيمة للعمال والوقوف إلى جانبهم أثناء الإضراب، وكان الرفيق بين فترة وأخرى يأتي بعشرات النسخ من جريدة (أزادي) باللغة الكردية ويتركها في دارنا لغرض نقلها إلى كردستان.

في احد أيام شهر تشرين الثاني عام 1943 ابلغنا أثناء الاجتماع أن الموافقة قد حصلت لمنحنا شرف العضوية ولهذا طلب حضورنا في الموعد المحدد إلى (كازينو) في شارع أبو نؤاس وسوف يكون هو مع رفيق آخر في انتظارنا وأوصانا عند دخول (الكازينو) أن نمر أمامهم دون السلام عليهم ثم الجلوس على مسافة منهم وبعد تناولنا الشاي سيغادران لانتظارنا في الشارع وعلينا أيضا ً مغادرة الكازينو واللحاق بهم.

تم تنفيذ تلك الخطة وبعد اللقاء غادر الرفيق (صالح الحيدري) لنبقى مع الرفيق الجديد دون التعرف حتى على اسمه الحزبي ثم توجهنا إلى دارنا، ومن المفارقات التقينا في منطقة ألسنك مع ضابط برتبة عالية في الجيش الليفي وهو من أبناء بلدتنا (القوش) واسمه ياقو أبونا، توقفنا نحن الاثنين بضعة دقائق للسلام عليه ثم ودعناه لنستأنف طريقنا برفقة رفيقنا والذي انتظرنا إلى حين مفارقتنا ياقو، كنت أقيم آنذاك مع والدتي وشقيقتي (شكرية) البالغة من العمر عشر سنوات، أما شقيقي (يوسف) كان قد التحق بالجيش الليفي في الحبانية.
كان الرفيق (موسى) يقيم مع والدته في نفس الدار وكنا نحن الاثنين معلمين في مدرسة اللاتين!
قدمت الرفيق إلى والدتي كأحد أصدقائنا، ففرحت به، تناولنا طعام الغداء معا ً ثم الشاي واعتذر عن تناول القهوة لأنه يشكو من الم في معدته!
عندما بقينا نحن الثلاثة في الغرفة، ناولنا الرفيق استمارة لكل واحد، وطلب ملأها وقد تضمنت الاسم الكامل، المهنة، العمر، الانحدار الطبقي، العنوان، وهل لنا أقارب في سلك الشرطة، ثم اخترنا أسماءنا الحزبية، وأتذكر جيدا من أنني اخترت أسم (سنحاريب) والرفيق موسى اختار (سرحدون)!
استلم الرفيق الاستمارتين وصافحنا مهنئا ً لنيلنا شرف العضوية في الحزب وكانت لحظة تاريخية في حياتنا وشرف عظيم لنا!
أوصانا الرفيق بتوثيق الصداقة مع رجال الجيش أفرادا ً وضباطا ً وتعزيز العلاقة مع ضباط الجيش الليفي أمثال الضابط الذي التقينا معه، أما أفراد سلك الشرطة أوصى الرفيق بتحاشيهم وعدم الوثوق بهم!
أضاف الرفيق، أن العسكريين، باستثناء سلك الشرطة يقفوا إلى جانب الحزب في أيام الأزمات!.

غادرنا الرفيق ولم نلتقي معه ثانية، وعاد الرفيق (صالح الحيدري) من جديد وصافحنا مهنئا ً لنيل شرف العضوية، وأكدنا في حديثنا على مواصلة المسيرة في صفوف حزبنا الشيوعي بإخلاص وتفان، وبعد فترة تم ترحيلنا إلى خلية أخرى بقيادة احد الرفاق وقد غادر الرفيق (صالح) بغداد بسبب الانشقاق الذي حصل، إلا إنني التقيت به عام 1947 في كركوك وعن طريق الصدفة وعندما سألته عن رفيقنا الذي نلنا شرف العضوية على يده ومن يكن؟

أجاب هو الرفيق (زكي بسيم) الذي يحاكم الآن مع الرفيق (فهد - سكرتير اللجنة المركزية) والرفيق (حسين الشبيبي) من قبل المحكمة الكبرى في بغداد (الجنايات) والرفيقين (زكي وحسين) أعضاء المكتب السياسي للحزب.
المجد والخلود لمؤسس حزبنا الشيوعي العراقي الرفيق فهد سكرتير اللجنة المركزية للحزب ولأعضاء المكتب السياسي للحزب الرفيقين (حازم وصارم).

انه لشرف عظيم للإنسان أن يختار لنفسه طريق النضال الصعب ويقدم التضحيات الجسام دفاعا ً عن حقوق الفقراء وعن العمال والفلاحين وفي سبيل تحقيق أماني شعبه والأهداف النبيلة لحزبه الشيوعي من اجل وطن حر وشعب سعيد.

و ماذا تعني الذكرى 77 لتأسيس حزبنا الشيوعي العراقي ؟

تعني هذه الذكرى أن حزبنا الشيوعي العراقي الذي تأسس قبل 77 عاما ً وتعرض إلى اشد الكوارث والتصفيات الجسدية لقادته وكوادره على مر الزمن الطويل لم تنل المشانق والتعذيب الوحشي والتصفيات الجسدية والسجون والملاحقات من عزيمة رفاقه، ابتدءا ً من يوم 14 شباط 1949 عندما اعتلى قادته المشانق، الرفيق فهد مؤسس الحزب وسكرتير اللجنة المركزية، وأعضاء المكتب السياسي الرفاق حازم وصارم، حتى هذه الأيام ومرورا ً بالتصفيات الجسدية لسكرتير الحزب سلام عادل واغتيال العديد من قادته وكوادره، ثم ما تعرض إليه رفاقه بعد انهيار الجبهة الوطنية مع النظام الدكتاتوري وتصفية العديد من كوادره الأبطال شنقا ً وتحت أساليب التعذيب الوحشي.

وحتى هذه الأيام لم يسلم أعضاء الحزب وكوادره من الاغتيالات حيث تم في 23 آب 2008 اغتيال الرفيق كامل شياع، وكما قيل في نعيه أن المجرمين استهدفوا المزايا التي كان يتحلى بها الشهيد، فاستهدفوا التضحية ونكران الذات والتواضع والنزاهة ووضع المصلحة العامة فوق كل المصالح الذاتية والكفاءة والإيثار الوطني.

تلك هي الصفات التي يتحلى بها الشيوعيون ولهذا إن الحزب الذي يناضل من اجل حياة أفضل لجماهير الشعب، الحزب الذي يحمل رفاقه مثل هذه الصفات سوف لن يصيبه المشيب مهما بلغ عمره وإنما سيواصل النضال بجدارة في تحقيق أهدافه النبيلة ومن اجل وطن حر وشعب سعيد.


 

 

free web counter