| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلاف رشيد

 

 

 

                                                                                      الأربعاء 15/2/ 2012

 

لذوي الشهداء ذكرياتهم التي لا تنسى

إعداد: سُلاف رشيد

ليس أصعب من الذكريات على المرء، ولكنها ذكريات أشخاص لم يفارقوا الذاكرة، ولم يبرحوا مواطن اعتزازنا بهم، ليس لشيء خارق، بل لأنهم يحملون صفات تختلف عن صفاتنا نحن الذين نتنفس ونضحك ونغني، وربما ننسى الكثير من الأمور التي تحيط بنا، ولكننا لا نستطيع أن ننسى ما نحمل لهم من ذكريات، لأنهم سر ديمومة حياتنا، وأنهم عنوان محبتنا لكل شيء جميل في الحياة، لهذا نحاول أن نستعيد في موضوعنا هذا ذكرياتنا الجميلة عنهم، رغم هالة الحزن التي تحيط بهذه الذكريات، إلا أنها تحمل في كلماتها ذلك الصدق الشيوعي، الدفء الشيوعي، وكل ما له علاقة بالإنسان.

الشهيد بحي جربوع
تروي زوجته أم كفاح، حكاية هي في الحقيقة من عمق صفات الشهداء، كانت دموعها تروي الحكاية قبلها، تقول عندما كنا نزوره في السجن، كنت أحمل معي طفلتيَّ كفاح ووفاء، وقد ولدت وفاء وهو في السجن، كان يحبها كثيرا، وكانت هي المدللة بالنسبة إليه، يضمها إلى صدره ويشم جيدها، كان دائما يحمل معه عددا من النقود المعدنية، وقبل إعدامه طلب من أخته والتي كانت تزوره معنا، بعد إعدامه أن تأخذ يد وفاء وتدخلها في جيب منامته، وبالفعل فقد أخرجت الطفلة وفاء من جيب المنامة مبلغا قدره ستون فلسا بعد أن تسلمنا جثمانه، نحتفظ إلى الآن بهذا المبلغ، وقد طلبت ابنتاي في زيارتي الأخيرة للعراق، أن أحمل لهن ترابا من قبر أبيهن.

 

الشهيد خالد يوسف متي
تروي عنه أخته سعاد، وهي تحاول أن تمنع الدموع من أن تبلل وجنتيها، من أن خالد رغم صغر سنه، إلا أنه كان يبعث الفرح في البيت، ولا ندري من أين يأتي بكل هذه الطاقة، يحرضنا على القراءة، وخاصة الادبيات الماركسية، والكتب الصادرة عن الحزب الشيوعي آنذاك، يمازح الجميع ويخلق جوا من الفكاهة، كان الجميع يحبه، ومازال صدى ضحكاته في روحي.

 

الشهيدة تماضر يوسف متي
بدأت الحديث أختها هدية، وكان صوتها مختنقا بالعبرات، ورويدا أخذ الدمع ينساب على وجنتيها، تقول ماذا أتذكر وهي تعيش معي في كل اللحظات، لا استطيع نسيانها، لا يمكن أن أنسى هدوءها الذي يشبه الصمت، وجمال وجهها يتناسب مع شعرها الأصفر الذهبي وزرقة عينيها ، كنت أعد لها الطعام دائما من أجل أن تحضر دروسها، كما كنت أقوم على خدمة صديقاتها اللواتي يأتين إلى بيتنا كثيرا، بعد ذلك اتضح أنهن رفيقاتها في الحزب، وكانت أسرار الحزب بالنسبة إليها أهم من أي سر أخر لهذا حقا لا أستطيع نسيانها

 

الشهيد يوسف جرجيس توما
تقول زوجته سلطانة، لم تصدق عيناي رؤيته يوم عاد من فصائل الأنصار، كان ذلك في عام 1980، فرحنا به كثيرا، ولكنه طلب منا أن يكون أمر رجوعه سريا، وأن لا نخبر أحدا، ولا يمكن أن أنسى حزنه في أول يوم من عودته، حين ناداه أبنه ذو الخمسة أعوام بكلمة عمو، ولكن للأسف لم يدم بقاؤه معنا طويلا، حيث تم إعدامه من قبل النظام المقبور.


الشهيد منير توما توماس
يخبرنا أخوه النصير جوزيف عن صفات الشهيد، وهي الهدوء والابتسام ونكران الذات، وكذلك يخبرنا عن تضحيته وبقائه في البيت إلى جانب أخيه سمير، بعد صعود جميع أفراد العائلة والتحاقهم بحركة الأنصار الشيوعيين العراقيين، لهذا لم يبخل النظام عليه بممارسة كل أساليب التضييق، فتم نقله للفلوجه، بعدها تم نقله إلى الحضر حيث تم اعتقاله في عام 1981 . ومن ثم استشهاده تحت التعذيب .

 

الشهيد الياس حنا كَوهاري
تتحدث ابنته طليعة عن يوم اعتقاله، كان عمرها أربعة أعوام، تقول كان هناك طرق شديد على الباب، خرج والدي ربما يريد أن يعرف ماذا يريد، ذلك الذي يطرق بهذه الشدة باب بيتنا، ولكنه لم يعد إلينا، دخل عدد من الحرس القومي وهم يحملون البنادق، ويبدو أن والدي ذهب مع قسم منهم، والقسم الأخر بقى في البيت، لأن بهاء الدين نوري وعائلته، كانوا يعيشون معنا، عندما كبرت عرفت أن بقاءهم كان كمينا للرفاق الذين سوف يأتون إلى بيتنا، ولكنهم عندما عجزوا عن ذلك، اقتادونا جميعا إلى السجن، كانت والدتي حاملاً بأخي الذي ولدته بعد أطلاق سراحنا جميعا، إلا أبي هو الوحيد الذي لم يعد معنا إلى البيت، عرفنا فيما بعد، أن والدي تعرض إلى تعذيب شديد ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة من أسرار حزبه، وهذا مفخرة لنا نحن عائلته، ومفخرة لحزبه ورفاقه.

 

الشهيد منصور صادق شعيا
تقول زوجته نبيلة، منذ ان ارتبطت به كزوجة، شعرت بأنني ارتبطت بإنسان يعرف معنى الحياة، ويحترم المرأة،  ولا أدري هل كانت نبؤءة منه أم هي معرفته بمصيره، إذ أنه قال لي وأنا في بداية الحمل، عندما تلدين بنتا، فيجب أن يكون أسمها يسار، ولم أكمل شهري الثامن من الحمل، حتى استشهد، وبالفعل ولدت بنتا وأسميتها يسار، وهي الآن أم لطفلين.

 

الشهيد منصور حسقيال دكالي
تروي زوجته جرجيت، أنها ارتبطت به كزوجة لعصاميته، وحبه اللا محدود لكل ما هو نظامي، وقد رزقنا ببنت في أول زواجنا، وكان يحبها بشكل جنوني، ولكن ظروف عمله الحزبي، جعلته يختفي منا في بغداد، وكنت حينها حاملا، وعند ولادتي الثانية كانت أيضا بنتا، ربما كان هذا مصدر إزعاج لعائلته، وربما له أيضا، ولكن عندما ذهب شخص قريب لنا، وكان لا يريد أن يخبره بولادة البنت، لأنه يتوقع أن يكون رد فعل زوجي عليه سلبيا، لهذا ناور في حديثه، إلى أن قال له من هناك خبرا سيئا، وإذ سأله ما هو ؟ قال له ولدت لك ابنة أخرى، فما كان من زوجي غير أن يأخذ بخناقه، ويسمعه كلمات صعب عليَّ قولها، ثم قال له هذه البنت ولدت من أم أحبها كثيرا وهي ابنتي، كيف تقول لي عنها من أنها خبر سيئ، وتواصل حديثها عبر دموعها، وهي تقول من أنه أستشهد وأنا حامل في ولد ربما كان يتمنى أن يراه.

 

الشهيد سالم أيوب رمو
تروي زوجته بديعة، كم كان الشهيد يحب المرح، كان عبارة عن ماكنة لصنع الفرح، لا أعرف من أين يأتي بكل هذا الضحك، ربما خلق لكي يصنع الفكاهة، عندما وصل إليه خبر من أن السلطة قادمة من أجل تفتيش البيت، أوصلني إلى بيت أهلي في الكرادة، وكان ينوي أن يحرق الكتب في مكتبته، وبالطبع كانت الكتب اعز شيء لديه، عاد إلى البيت ولم يرجع، انتظرناه طويلا دون فائدة، ولكنه ترك معي قيساً عمره سنتان، لينا عمرها أربع سنوات، وإيفا عمرها خمس سنوات.

 

الشهيد رافد إسحاق أوراها حنونا
يقول عنه أخوه جلال حنونا : لا أتذكر منذ أن ولد الشهيد إلى اللحظة التي استشهد فيها إلا ذلك الوجه المبتسم وتلك الشخصية الهادئة الواثقة المتفائلة، أتذكر في نهاية كل سنة من سنوات الدراسة يدخل الدار مبتسما بهدوء،هذه الابتسامة الجميلة تعودنا عليها يوم يدخل وهو يحمل شهادة نجاحه، لأنها تدل على التفوق والأولوية، لي معه ذكريات أخرى جميلة، فرغم فارق العمر بيننا، إلا أنه كان الأخ والصديق والأقرب فكريا لي، فعندما كان يرجع من مشاهدة مسرحية أو منتدى أدبي أو شعري يتبادل معي ما شاهده أو ما قرأه أو ما أعجبه ويتلذذ بتبادل الأفكار بيننا.
لحظة لا أنساها عندما دخل إلى المنزل فوجد كوكبة من أصدقاء الفكر قدمته لهم فما كان من حديث إلا مبعثا للفخر وكنزا من المعلومات السياسية والفكرية المتدفقة أتذكره دائما بمشهد لا يفارقه خيالي على انه كان الكمال بعينه.









 

 

 

 

free web counter