| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلاف رشيد

 

 

 

 

الخميس 12/10/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 

صورة ُ سمعية ُ للراحل ابو جوزيف

 

سُلاف رشيد

عندما يكتبُ الناسُ عن شخص ٍ ما ، فذلك لانهم ْربما عَمَلوا معهُ ،وعاشوا أياما ًأو سنواتٍ معا ً ، أو ربما تصادف معهمْ في موقف ٍما ، أما أنا ، التي أرتسمتْ في روحي صورة ُسمعية ُعن رجلٍ تمنيتُ أن ألتقيه ، صورة ُهي الابهى والاجملَ، لأنها لم تشووهها عدسة ُ العين ْ ، إنها صورة ُالراحلِ ِ أبو جوزيف .
للطفولةِ أحلامها الملونةِ ، كفراشاتٍ في حقلِ ورود ٍربيعية ٍ،تتناغمُ مع هَمَساتِ الروح ،وتكبَرُ مع حنان الأم والأب ِ، فيرتسِم ُ عالم ُمن بنفسج َ أو جلنار،أو تهمُدُ الروحَ وتنطفئ ُ، فلا تعدو أكثرَ من هشيم ٍ،إثرَ صاعقة ٌ في خريف ٍبائس ٍ.
في أول خربشات ِالاحرف ِ،وتعلّم ُ نُطقَ الكلماتِ المرسومة ِعلى الورق ِ، وحفظِ الالحانَ التي لايتعدى معناها خيال ُالطفولة ِ( أيها النهرُ لا تسرْ... وأنتظرني لأتبعكْ......أنا احضرتُ زورقي .....وهو يا نهرُ من ورق ....فأنتظرني لأتبعكْ )
كنتُ أتابعُ مجرى النهرِ في حديثِ أبي وهو يروي لأمي عن شخص ٍ لا أعرفُ حتى أسمهُ ، كنتُ مأخوذة ً بعالم الكلماتِ - الطلاسم ِ، ومثلما هو أنشدادُ أمي لحديثِ أبي ، رأيتني أتركُ زورقي يأخذهُ تيارُ النهر بعيدأ ، ليأخذني تيارُ حديثِ أبي بعيدأ مع هذا الاسم ِ،الذي أسسَ له مملكة ًفي زاويةٍ من زوايا ذاكرتي منذ ذلك الوقتَ ، وكان يراودني حلمُ أن أرى (عمو توما ) ، حلمُ يجعل ُ هذه الصورة َالبهية َ أكثرَ جمالا ً ، وهل هو أقلُ بهاءاً من الصورة ِالحلم ِ؟
كنتُ كأبناءِ مدينتنا ، الذين ولدوا وترعرعوا في بغدادَ ولم يتسنى لهم زيارة َمَدينتَُهم ، ولكنها تمحورتْ في الذاكراةِ من خلالِ تجسيدها في علاقات ِابناءها القاطنينَ في بغدادَ ، كانت القوش حاضرة ً في بغدادَ بكل تفاصيلها ، وكان أبو جوزيف قطبُ رحاها ، لا تدورُ ألا به ، ولا يتماسكُ ألا بها ، نذكرُ أسمهُ فيما بيننا مثل منشورٍ سري ونتفاخرُ به وكأنه أبٌ لكل واحد منا .
عندما بدأتْ ملامحُ الوعي تتشكلُ ، كانت صورة ُ أبو جوزيف أساسَ هذا الوعي،مثلما هي صورة ُأبي ، عندما أعتُقلَ والدي وبدأ الاملُ يتضاءلُ في عودتة ثانية ًألينا ، كانت صورة ُ ابو جوزيف هي الوجه الثاني في تركيبة مخيلتيِ ، ولهذا راودتني فكرة ُ الالتحاق بالحركة ِالانصاريةِ وكانت هذة الفكرة ُ تأكلُ وتشربُ معي لسنواتٍ خلت ْ.
كانت صورة ُابو جوزيف التي انطبعتْ في ذاكرتي هي لرجل ٍبهيُ الطلعة ِ لا يعرفُ الخوف ُ سبيلا ً الى قلبهِ وقد أخذتْ الشجاعة ُمنه أسمَها ، فتركتْ رعباً في قلوبِ أعدائه ِ، سمحٌ متسامحٌ بسيطٌ في تعامله مع الناس ، شَهِِِمٌ حدَ التضحيةِ بالنفس ، يحبُ الفقراء َحُبَهُ لابنائه ِ،و يَحُبُ مدينتهُ وابناءها حبهُ للعراق ِ وابناءهِ ، قويُ الشكيمةِ ثابتُ العزم ِ ، ينائ بنفسهِ عن الصغائر ِ، كريمُ حدَ تقاسُم ِ الرغيفَ مع الاخرين ، عطوفٌ يمتلأُ حنانا ورقة ً لكل ماهو جميلٌ بهذا الكون ، كنت اتصورهُ في كل المناسباتِ ، يوزع ُعلينا الحلوى نحن الاطفالُ ، أنه عمو توما .