| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

سعد محمد موسى

 

 

                                                                            الأحد 28/8/ 2011




الابحار نحو فضاءات الخلاص


لوحة "الحلاج شهيداً"

نص ولوحة : سعد محمد موسى

كان الصوفيّ  يحلج أنسجة المعرفة عند بوابات الشمس ويطوف البلدان حاملا صليبه وشقاءه مابين الفناء والوجود  ومابين هلاك العقل وخلاص الجنون أو حيرة التكوين المعلقة ما بين النقطة والخط.
 
أبحر هذا الشيخ عميقاً مع الامواج التي توضأت بقداس الضوء وتعقب سراب البحر وضياع الدلالات وحين تحطمت سفينتة تشبث بخشبةٍ متبقية من الحطام فانقذته، ثم جرفته موجة الى احدى جزر الله وكان الغريق حينها يعي ان تلك الخشبة التي أنقذته هي ذاتها التي ستقتلته فيما بعد حين تستحيل الى صليب.

بعدها بدأت رحلة أخرى وعذاب أخر مع قوم قساة دون أفق او معرفة،حملوا أقفاصهم المظلمة  متعقبين تجليات الاشراق.
يمر الحلاج على دكاكين الوراقين وعلى حلقات  تلاميذه ومريديه في حواري بغداد وكان يمنحهم مفاتيح العبور عبر بوابات الحكمة  وسبل الولوج الى عوالم الصفاء والزهد والتأمل في ملكوت السماء ثم الابحار عميقاً في نرفانا الشمس.
ما بين باب خراستان على ضفة دجلة وما بين أورشليم المسيح شيّد الجلادون تلك الصلبان لفراشات الضوء. وعلى ضفاف  النهر نحر الحلاج كقربان الخلاص وسفك دمه  الذي خضب محراب دجلة حينها صرخ  دمه في الافاق وعفر بساتين بغداد ينشد المغفرة لجموع القوم العميان الذين التفوا حول  الصليب وهم يشتمون ويقذفون بالحجارة شيخ (حلال الدم) وكأنه عاصي او زاني منبوذ.
اشرأب الحلاج نحو السماء قبل ان يجتز السيف العباسي رقبته ، ثم طلب بدعائه الى الله  المغفرة لجلادية وللقوم الذين تجمعوا على قتله (هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك وتقربا إليك، فاغفر لهم فانك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد على ما تريد).

كان النهر ينساب بعيداً وهو ينوء بقصائد الصوفي ما بين حزن النخيل وبكاء النافذة حين غادرها القمر.
وكان ثمة طائر ابيض انتفض من صدر الحلاج ومن عشه الحبيس وراء اضلاع الزاهد المعذب وبعد أن أعتق من سجن الجسد حلق بعيدا في فضاء الخلاص.

ناح شيخ الصوفية  أبو بكر الشبلي في أزقة بغداد الاثمة وهام على وجهه في المنافي والامصار مفجوعاً بمقتل خلّه وصاحبه الحلاج، مثلما هام من قبله كلكامش حين فقد صاحبه انكيدو.

فمن دون عراب العشق والمعرفة أضاعت الخطى مسارها وأقفلت المدن أبوابها وبات الاسباط  والصحاب الاثيريون يجلسون القرفصاء فوق عتبات الاسى ومحطات التيه والقفار وهم ينتظرون عودة المعلم وعراب المعرفة.
 


استراليا – ملبورن
اغسطس 2011
 





 


 

free web counter