| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سعد محمد موسى

 

 

 

                                                                            الأثنين 19/3/ 2012



أساطير التراب والفضاء

نص ولوحة : سعد محمد موسى

في ليلةٍ صيفية مقمرةٍ، استقطبني مقهى قديم في الريف الانجليزي كان يعج برائحة القهوة البرازيلية . المقهى كان مشيداً من الحجر الاسود وخشب الابنوس . جلست في إحدى زوايا المقهى القريبة من نافذةٍ كانت تمتد من خلالها سهول خصراء داكنة تتثائب تحت ضوء القمر فتنأى بعيداً لتعانق الافق.

كانت السماء صافية ووديعة، وعلى حين غرة أخترق الفضاء نيزك وكأن الكوكب قد غضب ثم القى به بعيداً نحو المجرات الاخرى (كما طرد الله آدم وحواء نحو الارض).

سطع النيزك صارخاً بقوة ألقه ثم تشظى، وتصاعد بعيداً في أعماق السماء، ليتهاوى متلاشياً الى الاسفل كالصدى يستعيد فراغه وهو يأفل ويخر صريعاً من قبة سماء الليل ليسقط في نهايات الوديان ، فاستحالت ذاكرتي كفضاءٍ حلقت فيه أقمار وقصص لقرى جنوب العراق البعيد ، وحكاياته المنسية خلف أسوار الاساطير الطينية وأحجياته الشعبية العالقة في ذاكرة الطفولة.

عندما كنت اقضي عطلتي المدرسية الصيفية في ريف بائس يسمى (الشوفة) وكانت هذه القرية تسترخي ما بين مدينة الناصرية وقضاء الغراف.

كانت نساء الريف أنذاك يتناقلن حكاية شعبية قديمة ، تقول الاسطورة "اذا مر الشهب او اخترق النيزك في لحظة خاطفة تلك السماء الصافية أثناء نوم الناس فوق سطوح الطين الملتحفة بالتراب ، فسعيد الحظ هو الذي يبادر بسرعة الضوء وبسرعة اختراق النيزك أثناء تألقه وتوهجه ان يقبض بكفه على حفنة تراب ثم يضمها تحت وسادته ليلاً. وعند الصباح التالي ستستحيل حفنة التراب تلك الى سبيكة ذهبية".

فكان شبق الفضول للحصول على خرافة الذهب جعلني أراقب السماء طويلاً وفي كل ليلةٍ كنت أعد النجوم وأحاور المدارات منتظراً الشهب. وسبابتي على زناد التراب كصياد متاهب لاقتناص الفريسة.

غالباً ما كان النعاس يغلبني فتفيقني شلالات الشمس الذهبية في بواكير الصباح التالية.. ويبقى الحلم والامنية يعاوداني مرة أخرى وانا انتظر الليل ونيازكه الذهبية مرة اخرى.

كنت شغوفا في الليل بحلم عبور الشهب وفي الفجر تتيقظ هواجسي وأمنياتي لحكاية أخرى وهي استراقة السمع لتغريد الطائر الذي ينتظره الجميع ومنذ الازل في تلك القرية وقد كان القرويون يسمونه "طائرالسعد"، هذا الطائر الذي يحلق في فضاء الالغاز متخفياً وخجولاً ، ولم يره احداً من قبل . كان هذا الطائر يمر بلحظة خاطفة كالشهب او كنجمة عاشقة تتهاوى في احضان القمر الوحشي.

يعبر قباب النخيل وسطوح البيوت الطينية وسقوف الصرائف. ولمرةٍ واحدة في كل سنه كان يصدح طائر السعد بصوت ساحر في الغبش ثم سرعان ما يتوارى خلف البساتين الغافية باحضان السكينة. وكان غناء هذا الطائر يجلب الفآل الحسن والمصباح السحري لكل من يسمعه في شفق القرية.

ينام الليل ويستفيق الفجر وانا انتظر مرور الشهب وحلم التبر أو سماع صوت طائر السعد.

 

 





 


 

free web counter