| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

سعد محمد موسى

 

 

                                                                                    الثلاثاء 19/7/ 2011

 

البحث عن الماء

نص ولوحة : سعد محمد موسى

حين نزح البدويّ الجائر من البراري القاسية شاهراً خناجره الصدئة بوجه الامواج الناصعة، وهو يحمل قيظ كثبان رمل الصحراء وينشرها على ضفاف مياه السلام الباردة .
وكانت حوافر الغرباء الهمجية تزحف وتداهم فردوس "أنانا" المستلقية في أحضان محارةٍ من الكرستال.

اغتصب حفاة الجفاف عروسة الطحالب في هودجها الجنوبيّ الطافي فوق هور الحّمار والذي كان يغفو بأزلية الجمال والسكينة.
أخترقوا مملكة الاهوار وداسوا فوق مسلات العشق وأبوذيات البردي واعشاش طيور الحذّاف والبرهان والوز، وقد وأدوا اجلاف اليباب أيضاً منابع الماء وقطعوا شرايين انكي (إلّه الماء لدى السومريين).
استشاط قصب البردي غيظاً وانتفض وكان خوار الجواميس يعلو في سماء الفجيعة الموشوم بقمرٍ جريح كان يتكأ على غيمة تهم بالرحيل نحو المدارات البعيدة.

على ضفاف الجفاف كان الظمأ يرسم لوعته فوق تضاريس الملح. وكان المشحوف يتيّممُ بصلاته الاخيرة لغياب الماء، ويهمس مودعاً افول آخر موجة إنحدرت من بين اضلاعه وسالت كدمعةٍ ما بين حراشف السمكة.
لطم الإله انكي صدره وعفّر رأسه بطين الفجيعة وارتحل مع قافلة الجياع والعطش وهو يبحث عن ذاته في الحافات البعيدة.

كان الأهواريون قد حملوا قواربهم على اكتافهم وكأنهم يشيعون آخر موتاهم في مستنقعات الجنوب النائية. رحلت طيور الخضيري والبط والكوشمة والبريش وبقية الطيور الاخرى نحو جزر الرب المنتشرة في أصقاع الدنيا تبحث عن أحلام الماء . خرج طائر وحيد عن سربه والتحق بقافلة الأهواريين وكان يحلق فوق القارب وفوق الأكتاف المتهالكة في فضاء موحش ومعتم بحزن يميل الى الأخضر الداكن. كان الطائر في رحلة الاغتراب القسري يلوي بعنقه بين برهة واخرى الى الخلف محدقاً بنظراتٍ أخيرة من حدقات الطائر العاشق يرسلها بحسرةٍ وحنين الى وطنه اليتيم مودعاً أجمة البردي والاسماك كانت تشرأب نحو السماء وتستغيث بظلال الرب في عزاء الاحتضار الاخير وتستغيث بظلال الرب لتنبئه بما حل من خراب بموطن الاّلهة.

وكان طائر الرخ يغادر بيضته من رماد الموت، ينفثُ نيران الفناء ليحرق بها المجاذيف والقوارب وبيوت القصب، وينهشُ بمخالبه ألواح الطين فيهشمها في معبد النواح فتتشظى الوصايا وأساطير الاهوار فوق رماح الغرباء، على الطحالب الملطخة بدماء صبايا الاهوار.


استراليا- ملبورن
يوليو 2011
 

 

free web counter