| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

صبحي مبارك مال الله

 

 

الأربعاء 8/8/ 2012

 

أدارة الأزمة السياسية في العراق !        

صبحي مبارك مال الله

يعيش العالم اليوم على أختلاف أنظمته السياسية وتوجهاته الأقتصادية والأجتماعية والثقافية أزمات متعددة وفي مقدمتها الأزمة الأقتصادية العالمية في البلدان الرأسماليةوتداعياتها على الدول النامية حيث أدت الى أنهيار أقتصاد بعض تلك الدول بل أنسحبت تداعياتها على بلدان رأسمالية كانت أوضاعها الأقتصادية مستقرة ولكن الخروج من تلك الأزمات جرى على حساب الشعوب ومكاسبها التي حصلت عليها بنضالها الدامي والسلمي .

ولهذا نجد العلماء الأداريين ، وضعوا علم فن  أدارة الأزمة السياسية ومنذ ستينات القرن الماضي وهو علم يعالج كيفية الخروج من الأزمة وكيفية أدارتها بنجاح وما هي المستلزمات التي تؤدي الى ذلك . من خلال هذه المقدمة القصيرة ، نحاول أن نحلل كيف تجري أدارة الأزمة السياسية المستعصية في العراق ؟!

أن الأزمة السياسية في العراق بدأت مع العملية السياسية وأستمرت في نمو وتصاعد مستمر ، وأن جذور الأزمة السياسية تمتد الى مخلفات النظام الشمولي السابق – النظام الدكتاتوري الذي أُُسقط في يوم 9/4/ 2003 والذي كان يعامل الشعب بوسائل العنف والقهر والأستبداد معتمداً على سلطة مسلحة وأموال هائلة فتكونت الشخصية الدكتاتورية التي أصبح بيدها كل شئ ، هذه الشخصية  المعقدة كانت لاتعترف بالديمقراطية ولا بالحريات ولا بالرأي الآخر ، فلا وجود للأحزاب أو منظمات مجتمع مدني ولا برلمان أو مؤسسات دستورية ولا يوجد دستور دائم ، وكل الذي كان يتقنه النظام السابق هو سيطرة حزب واحد بأفكار شوفينية وشمولية على الشعب وسلب أرادته.

لقد كانت الشعارات التي رفعها النظام السابق مغلَفة ببريق الوطنية والقومية التي سرعان ما أزيحت فظهر الوجه الحقيقي . أستطاع النظام أن يحكم سنوات طويلة بأستخدام الحديد والنار والدخول في حروب عبثية مستمرة فأدى ذلك الى هدر المال العام وعسكرة البلاد وزج الشباب والكفائات في أتون تلك الحروب فترك بعد سقوطه شعباً معذباً مدمراً في روحه المعنوية ، وأقتصاداً متخلفاً وثقافة مهلهلة ، ثقافة التمجيد والتأليه لشخصية الدكتاتور ومئات الألاف من الشهداء والمعوقين والأرامل واليتامى وجعل الساحة العراقية تعاني من الفراغ السياسي بسبب منع الأحزاب من العمل أو أي منظمة مجتمع مدني سوى حزب واحد منهار من الداخل فلم تؤسس تقاليد ديمقراطية أو دولة قانون لقد تركت تلك الفترة بصامتها على الأطفال والشباب حيث تحولوا الى سلوك العنف الشديد مع تراكمات نفسية معقدة وكانت لعبتهم المفضلة هي لعبة الأسلحة المقلدة للأسلحة الحقيقية فكان العنف والقتل في كل مكان فأزدادت الجريمة وأصبح آولئك الأطفال والشباب مرتعاً خصباً للأرهابين والمتطرفين مستغلين فيهم البطالة وحالتهم النفسية وعدم وعيهم وتخلفهم الثقافي الذي  يعيشونه .

وبعد السقوط ساعد الأحتلال وبشدة على تنمية روح الطائفية والمحاصصة والأثنية والتي بنيت عليها العملية السياسية . وبداية الأمر زُج بالعديد من الشخصيات التي كانت تعيش في الخارج في أدارة الحكم ، وكان أغلبها همها الوحيد تأمين مصالحها والأستجابة لما تريده سلطة الأحتلال ولكن بعد أن برزت الأحزاب التي كانت معارضة للنظام السابق  وحسب مسمياتها أنطلقت العملية السياسية على الأسس التي ذكرناها والتي لعبت سلطة الأحتلال دوراً فيها .

لقد كان الحوار والنقاش يد ور حول مصطلح جديد على الشعب العراقي وهو مصطلح المحاصصة ثم ثُبت هذا المفهوم بمساعدة المحتلين مقابل مفهوم الوطنية والهوية الوطنية ومن هنا ظهرت الأختلافات والتصادم حول توزيع المناصب والمراكز الأدارية والأموال والمكاسب والأمتيازات في الدولة ،بل أمتد ذلك الى المفاهيم الدينية وحسب المذاهب والتفرعات الخارجة منها وكأن الدولة العراقية ومنذ تأسيسها في عام 1921 قد أصبحت بيد الورثة والجميع يريد حصته في الأرث .

من هنا بدأت الأزمة السياسية حول (المنصب ، المركز، المال ، المكاسب)ومع أختلاف الأيدلوجيات والأفكار والأهداف الستراتيجية أخذت الأزمة السياسية تتفرع الى أزمات متشعبة فلم يجر لها تطويق كما يقول علم فن أدارة الأزمة ولم توضع حلول جذرية ولم يشخص الداء لكي يعطى الدواء وحصل بدل ذلك سباق بين الأطراف السياسية نحو أيهم يكسب أكثر من المناصب في أدارة الدولة ومقاعد في البرلمان فنتج عن ذلك أصطد ا م الأرادات .

ولكن بعزم الشعب وقوته أستطاع أن يفرض جزء من المنهج الذي يريد من خلال تثبيت المبادئ الأولية للديمقراطية والمؤسسات الدستورية ووضع دستور دائم ولكن الأزمة السياسية كانت تنمو أكثر فأكثر، والذي ساعد على ذلك التدخل الأجنبي ومخابراته في شؤون العراق ومحاولة الأستيلاء على ثرواته وبث الفِرقة والأنقسام بين صفوف الشعب وأفشال تجربته الديمقراطية .

لقد كان التدخل واضح من خلال أنتشار قوى الأرهاب الدموية التي تم تزويدها بالسلاح والمال  والدعم اللوجستي فأحدث ذلك أنفلات أمني وهيأ الى مناخ الحرب الأهلية كما حصل في عام 2006. والذي زاد الأمر تعقيداً هو ظهور المليشيات المسلحة ودورها المخرب والمدمر فضاعت المسؤولية بينها والتي جرى تحت غطائها  الكثير من الجرائم ، أن وجود المليشيات هو مخالفة صريحة لمواد الدستور التي تحظر وجودها .

لقد أعتمد الساسة العراقيين على مبدأ التوافق في حل الأزمات الذي يعتبر في نظرهم أسلم طريق للخروج منها ولكن ذلك كان يتم الى فترة قصيرة .

أن أدارة الأزمة السياسية لم تكن بأتجاه أيجابي نتيجة المواقف المتشددة ولم يجر التحرك نحو الوقاية منها قبل حدوثها حيث لم تحل مفرادتها في آوانها أول بأول وأنما تراكمت عليها مفردات أخرى الى أن أصبحت أزمة كبيرة ومستعصية على الحل .

أن أسباب تفاقم الأزمة وتعقيدها هو فقدان الثقة وفقدان المصداقية والتزمت بالرأي وبيروقراطية الفريق الأقوى والمنتصر على زملائه كما يراها .

أن عدم وجود أدارة حقيقية للأزمة السياسية مؤمنة بالحلول وفق الدستور وكذلك عدم وجود مرونة عالية في التعامل من خلال الحوار واللجوء بدل ذلك الى الحرب الأعلامية والتصريحات غير المسؤولة جعل جميع الأطراف في مواجهة البعض للبعض الآخر .

أن أتباع الحلول الوقتية أو الوسطية والمراضاة على حساب المشكلة الرئيسة جعل الأزمة تختبأ تحت المناضد ثم تظهر بحالة أعنف من السابق بسبب التراكم المستمر وهذا مايحصل الآن .

دور البرلمان:- كان يفترض أن يكون البرلمان أو مجلس النواب  هو المعين الوحيدلحل الأزمة السياسية ، حيث يوجد فيه حشد كبير من السياسين ممثلي الكتل السياسية المتنفذة والفائزة في الأنتخابات والذي أصبح  عددهم 325عضو ، فالمعروف أن الأزمات السياسية والأقتصادية التي تحدث في الدول الديمقراطية تُعالج في البرلمان ويجري التصويت على الحلول .

ولكن عندنا أدارة الأزمة تجري وراء الكواليس وعقد الأجتماعات لرؤساء الكتل ووضع مقترحات ونقاط حل لايعرفها ألا المجتمعون مثل ورقة الأصلاح السياسي التي قدمها التحالف الوطني ،كذلك الأتفاقات التي حصلت في أجتماعي أربيل والنجف وكأن دور البرلمان أصبح مهمش ولا يعتمد عليه ، لقد كان بالأمكان أنضاج الأراء وبلورتها ثم مناقشتها في البرلمان، أن وجود البرلمان حالة حضاريةوهو المسؤول عن تشريع القوانين ولكن سطوة السلطة التنفيذية تحد في بعض الأحيان من دور البرلمان في المواقف السياسية الخطيرة كما يحصل الآن مع الأزمة السياسية .

دور الأحزاب :- لقد أصبحت أسماء الأحزاب مذابة في الكتل السياسية التي تألفت لغاية أنتخابية بعد أن وضعت القاسم المشترك من البرامج والأهداف للأحزاب الداخلة في هذه الكتلة أو تلك ، فأصبحت الأحزاب مكتفية بأستلام نصيبها من المناصب الحكومية في الدولة وفق قانون المحاصصة ،فأصبح دورها ضعيفاً وخاملاًداخل البرلمان وقيادة الكتلة هي المتحكمة في كل شيئ .

ولهذا نرى النائب ومن أي كتلة لايستطيع طرح رأي مخالف لكتلته كذلك عندما يجري التصويت على مشروع قانون معين فهو يخشى أن يغضب عليه هذا الطرف أو ذاك الأمر الذي يعتبر أحد الأسباب  في غياب النواب غير المتحمسين لحضور الجلسات حيث نلاحظ معدل الحضور لايتجاوز 225 عضو .

أن حل الأزمة السياسية  تحتاج الى أدارة جيدة وحريصة وذات رؤيا موضوعية للأحداث بالتنسيق مع البرلمان وأصدار القرارات الملزمة من خلاله .

وتتطلب الصراحة ، الحرص على مستقبل الشعب والوطن ، الأبتعاد عن التعامل الذاتي في الموقف السياسي ،والحرص على تبادل الثقة ، أشراك الشعب وأطلاعه على ما يجري ، المرونة في الحوار ، الأبتعاد عن أشراك القوى الأجنبية في حل الأزمة ، عدم التدخل في شؤون القضاء وتنفيذ قرارات المحكمة الأتحادية الملزمة حسب المواد الدستورية ، التأكيد والحرص على المصالحة الوطنية .

أن المراقب السياسي يجد أن الأزمة السياسية المستعصية الآن أخذت تولَد أزمات جديدة وخصوصاً الأزمة بين الأقليم والحكومة الأتحادية وهذا يفاقم الوضع السياسي خصوصاً بعد فسح المجال للتدخل التركي والأيراني في الشؤون الداخلية كذلك عدم الألتزام بالدستور خصوصاً توزيع الثروات المعدنية ومنها النفط أن تجاهل الأمر وعدم وضع  الحلول وفق الدستور و عدم أتباع أسلوب الحوار والتفاهم وأن الأستمرارفي هذا النهج سوف لاينهي الأزمة الحاصلة.

أن جميع القوى السياسية مطالبة بأيقاف التدهور بالعلاقات بين الأقليم والحكومة الأتحادية وجعل الحل السلمي هو القاعدة الأساسية .

أن أعداء العراق والذين لايسرهم تطور التجربة الديمقراطية نحو الأحسن فيه يريدون تقسيمه وتحويله الى دويلات ضعيفة تدور في فلك الدول الأقليمية والأجنبية .

الأزمة الأخرى هو تدهور الوضع الأمني من جديد حيث أندفع الأرهابين نحو أرتكاب الجرائم وبكل وحشية من خلال التفجيرات والقتل المتعمد ، مستغلين الوضع السياسي المتأزم وهذا يدل على فشل الخطط الأمنية وحصول أختراقات وضعف الأستباقات الأستخبارية.

والأقتراح لحل الأزمات الجاثمة على صدر العراقيين هو العودة الى عقد المؤتمر الوطني الشامل الذي يظم الجميع والمشاركين في العملية السياسية خارج و داخل الحكم وفتح حوار واسع حول لماذ؟ وكيف يحصل مايحصل ؟ وماذا نفعل ؟لأجل الشعب العراقي .

كذلك المطلوب من البرلمان التفرغ فوراً لمناقشة الأزمة السياسية وعلناً ،وجعل الكتل السياسية أمام مسؤوليتها في المناقشة بروح الحرص وليس بأسلوب المزايدة والبيروقراطية .

أن أدارة الأزمة السياسية والأزمات المتفرعة منها تحتاج الى أرادة وطنية واعية والى تعامل ديمقراطي والى تفهم موضوعي لما يحصل ومعرفة الأسباب ،بدءاً من مفردات الأزمة ،كذلك الأستعانة بالخبراء مع التأكيد على الدستور وحماية الحريات وترسيخ أسس بناء الدولة الديمقراطية  الدستورية .

 
 
 
 
    
 
 

 
 

free web counter