| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

صبحي مبارك مال الله

 

 

الأثنين 3/9/ 2012

 

مستقبل العراق  والصراع  السياسي في مفترق طرق

صبحي مبارك مال الله

كان من المفترض أن ينطلق الشعب العراقي نحو بناء حياته الجديدة ذات الآمال الكبيرة والمستقبل الزاهر ، هذه الفرضية وضعت بعد سقوط  النظام الدكتاتوري السابق الذي أذاق الشعب الأمرين ،ومن ثم أنطلاق العملية السياسية في صيف 2003 التي كانت تحمل  مشروعاًوطنياً بمشاركة جميع الأطراف السياسية  هذا المشروع الهادف الى أقامة نظام سياسي تعددي ديمقراطي ، حيث واجهت هذه الأنطلاقة أوضاع سياسية معقدة بسبب وجود الأحتلال وأستحقاقته على العراق ثم حصلت الكثير من الأحداث الدامية بسبب الأرهاب وفلول النظام السابق  التي كان الهدف منها أيقاف العملية السياسية ، ونتيجة لتدخلات أجنبية نشأت الأزمات السياسية بين أطراف العملية السياسية وبسبب أتباع أسلوب المحاصصة والطائفية في أدارة الدولة والتي غذتها قوى الأحتلال في الدرجة الأولى ، لقد ظهرت حالة التوزيع المحاصصي والطائفي والمذهبي في مجلس الحكم الذي يعتبر أول تشكيل حكومي أداري بعد سقوط النظام ، وأستمر نفس الأسلوب في الحكومة المؤقتة ومن ثمَ الحكومة الأنتقالية الى كتابة الد ستور والأستفتاء عليه  وتشكيل المؤسسات الدستورية .

كان الأمل يراود أغلب القوى الوطنية بأن العراق مقبل على بناء الدولة الديمقراطية الأتحادية ، الدولة المدنية الدستورية العادلة ، هذا الأمل كان دافعاً  لخوض أنتخابات 2005 ، 2010 ولكن ماذا حصل بعد ذلك ؟

الذي حصل هو أصطفافات جديدة وتكوين كتل سياسية كبيرة وحسب التصنيف القومي والطائفي والديني وقد سميت هذه الكتل بالمتنفذة ولكن سرعان ما أحتدم الصراع السياسي بينها حول السلطة والمناصب والنفوذ والأموال مع أستمرار التدهور في الأوضاع الأقتصادية والأمنية والسياسية والخدمية و أنتشار ظاهرة  الفساد في كل مرافق الدولة ، ثمَ تبلورت الأتجاهات حول مراكز القوى فأصبح نتيجة الخلافات، العمل على أفراغ المؤسسات الدستورية من محتواها والتعامل مع الدستور بصورة أنتقائية وتصاعد الصراع السياسي حول شكل النظام السياسي والأقتصادي والأجتماعي المطلوب  وملبي لحاجات وتقدم الشعب .

توقف المشروع الوطني وبدأت عوامل الأرتداد تعمل عملها والأسئلة المطروحة الآن هل العراق متوجه الى بناء نظام سياسي فدرالي أتحادي دستوري وديمقراطي ؟ هل السلطات الثلاث مستقلة بعضها عن البعض الآخر ونقصد بها ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية )وحسب أحكام ومواد الدستور الضامنة لحقوق الأنسان العراقي وحريته ؟

أم أن القوى السياسية وخصوصاً قوى الأسلام السياسي متوجهة وبصورة مبطنة الى بناء الدولة الدينية والنظام السياسي الديني حيث يكون التعامل وفق خلط الأوراق الدينية مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة !

هل هناك عودة الى الوراء بأتجاه معاكس لقوة الجذب الحضاري والتقدم الأنساني ؟ ! أم الذهاب الى نظام السلفية والى زمن ليس زمننا الى التزمت والتعصب وبث الفِرقة والطائفية والمذهبية التي عانت منها شعوب العالم فدفعت الثمن غالياً مقابل حريتها وتقدمها .

أذن ما هي المؤشرات وملامح التطورات التي تحصل وتضع مستقبل العراق في مفترق الطرق ؟

1- الأزمة السياسية وأستفحالها :- أن مايحصل الآن من أستعصاء في حل الأزمة السياسية ومنذ فترة طويلة تتحمل مسؤوليته القوى السياسية الحا كمة والذي أساسه الصراع بين الكتل الكبيرة المتنفذة حيث كانت تداعياته على كل مرافق الدولة ، لم يعقد المؤتمر الوطني الشامل لحل الأزمة ووضع تقييم للعملية السياسية ، لم يتم لحد الآن طرح ورقة الأصلاح السياسي التي أقترحها التحالف الوطني ، وكذلك لم نجد صدى حقيقي لأجتماعي أربيل والنجف وكذلك اللقاءات المتعددة بين كبار المسؤولين وقيادات الكتل الكبيرة ولازالت المراوحة مستمرة في نفس نقاط الخلاف .

2- المحاصصة والطائفية :- لازال كل شيئ خاضع للمحاصصة بين الكتل الكبيرة والأستمرار في الأستيلاء على المناصب بحيث دخلت المحاصصة في أبسط الوظائف ، كان آخرها محاولة تشكيل مفوضية مستقلة عليا للأنتخابات من خلال البرلمان ، المقترح زيادة عدد أعضاء المفوضية من 9 الى 15 عضو وذلك تلبية لمطاليب الأطراف التي لم تجد لها من يمثلها داخل المفوضية وبدلاً من تعزيز أستقلاليتها ووضع ضوابط جديدة تم الأستمرار في نهج المحاصصة .

كما أن الطائفية أزداد دورها وتأثيرها مقابل الهوية الوطنية من خلال متعصبين ومتزمتين طرحوا آراء وأفكار مخالفة للدستوروعملواعلى الشحن الطائفي الديني كما حصل ذلك في تصريحات بعضهم حول الشعب الكوردي والدعوة الى كراهيتهم ومحاربتهم متناسين ما مرَ به الشعب الكوردي من ويلات وحروب وفصل عنصري وأستخدام الأسلحة الكيمياويةمن قبل النظام السلبق ضدهم ، وغيرها من المواقف التي تثير النعرات الطائفية والقومية أن هذه المواقف لاتبشر بخير على الشعب العراقي .

3- الدستور والألتزام به :- الدستور يعتبر القانون السامي فوق كل القوانين ، وهو الذي ينظم الحياة السياسية والقضائية وحقوق وواجبات الناس ولا يمكن أن يكون الشعب بأمان دون وجود دستور دائم وبالرغم من أن دستورنا العراقي يعاني من ثغرات كثيرة ولكنه يعتبر نقطة أرتكاز حقيقية  للنجاح والتقدم وحماية المواطن ولكن هناك من يريد الألتفاف على مواده أو تشريع قوانين غير دستورية والذي يحكم في ذلك وحسب الدستور السلطة القضائية وفي مقدمتها المحكمة الأتحادية العليا فهي حامية الدستور وهي التي تراقب القوانين والقرارات والتعليمات الصادرة ومدى تطابقها مع المواد الدستورية .

4- تقزيم الديمقراطية :- هناك الكثير من الفعاليات والأنشطة يقرها الدستور ومنها حرية الرأي والعقيدة وحرية التظاهر والأحتجاج وحرية عمل منظمات المجتمع المدني وحرية عمل الأحزاب السياسية وعمل النقابات  وغيرها ولكن ماذا يجري الآن ، هناك توجه وبالضد من مفاهيم المواد الدستورية وهو تقزيم الديمقراطية ومحاولة مصادرة الحريات وأي حراك سياسي يظهر، كذلك التوجه نحو مضايقة الأحزاب غير المتنفذة والحد من حريتها والتدخل في شؤون النقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني او عدم السماح بتشكيلها ألا بشرط أن تكون موالية للسلطة التنقيذية .

وكأننا عدنا الى المربع الأول في مواجهة الرأي الآخر وأبتكار أساليب جديدة لمكافحة الأنشطة السياسية والأستفادة ممن كانوا يعملون مع القوى القمعية البوليسية سابقاً .

5- تراجع أداء البرلمان :- أن عكس  مشاكل وهموم الناس ومعاناة الشعب  يأتي من خلال مجلس النواب بأعتباره ممثل الشعب وبوجود 325 عضو  وأن هذه القوة البرلمانية أوالنيابية لابدَ أن يحسب لها حساب لأنها المؤهلة دستورياً لتشريع القوانين خصوصاً الساندة لحرية الشعب وأن تكون قوة ضاغطة للحفاظ على ما حققه الشعب من أنتقال نحو بناء الدولة المدنية الدستورية وأن يكون مراقباً جيداً على ماتقوم به السلطة التنفيذية ولكن الأداء تراجع وأصبح الرأي بيد قيادات  الكتل أضافة  الى أستمرار غيابات الأعضاء .

وهناك الكثير من مشاريع القوانين تنتظر دورها  ومنها قانون الأحزاب ، وقانون العفو العام ، قانون المحكمة الأتحادية ، قانون مفوضيةالأنتخابات ، قانون النفط والغاز ، قانون تعديل قانون الأنتخابات ، ومشاريع قوانين كثيرة.

6- الكتل السياسية :- توجد الآن ثلاث كتل رئيسة في البرلمان وفي  السلطة التنفيذية ودوائر الدولة

الأخرى وهي التحالف الوطني وتحالف العراقية والتحالف الكردستاني وهناك مجاميع برلمانية صغيرة .

أن هذه الكتل مكونة من عدد من الأحزاب وقوى سياسية وهي لم تكن متحالفة الا على  أساس الحد  الأدنى من المشتركات  وحسب التوجهات القومية او الليبرالية أو الدينية وكلما واجهت الكتلة مواقف سياسية تؤدي الى الأختلاف في الرأي تظهر الأنشقاقات أو خروج أعضاء ودخول أعضاء  وأهم سبب في ذلك عندما تريد الكتلة المعينة أن تتقاسم المناصب حيث تصبح الكتلة  عاجزة عن ترضية الجميع مما أنعكس ذلك على نشاطها السياسي .

الكتل السياسية  بيدها الآن حل الأزمات السياسية ولكن تقديم مصالح الكتلة قبل كل شيئ جعل التفاهم صعب  وعند  الوصول الى حل فيكون على حساب الشعب ومصلحة الوطن .

ويقاس موقف الكتلة من خلال تمسكها  بالدستور وألتزامها به والقوانين ومدى ألتزامها أو تمسكها بالمحاصصة والطائفية والآن يتصاعد الخلاف بين الكتل الى  صراع سياسي حول مستقبل العراق وشكل الدولة ونظامها السياسي والأقتصادي والأجتماعي ولهذا  ستبقى حالة التأزم السياسي مستمرة .

7- سوء الخدمات وأنهيار البنى التحتية :- لقد بقيت الخدمات كما هي في السابق الا بعض التغيَرات البسيطة ، منذ تسع سنوات ولم يلمس المواطن أي تقدم سواء على مستوى تجهيز الكهرباء أ والماء غير الملوث او الصرف الصحي وكذلك الخدمات الصحية بالرغم من صرف الأموال الهائلة  أضافة الى سوء طرق المواصلات ووسائط النقل .

8- أستمرار الفساد :- أن ظاهرة أنتشار الفساد أصبحت معروفة للجميع ولايمكن التستر عليها حيث أدت الأختلاسات وسرقة أموال الشعب الى تأخر تنفيذ المشاريع المزمع أقامتها من قبل الحكومة  والفساد ليس ما لياً فقط وأنما فساد سياسي أيضاً .

9- التدخل الأجنبي :- مما زاد في التأزم السياسي هو تدخل الدول الأجنبية والدول الأقليمية في شؤون العراق ومحاولة أستمالة هذه الكتلة السياسية أو تلك الى جانب مصالحها فضلاً عن أنتشار المخابرات الأجنبية التي تعمل على تأجيج الأوضاع الداخلية وأستغلال الأوضاع الأمنية .

10- الأقليم والحكومة الأتحدية :- أن التأزم الحاصل بين الأقليم وحكومة المركزهو نتيجة عدم تطبيق المواد الدستورية وكذلك عدم فتح حوار بنَاء لمعالجة المشاكل الناشئة وبدأت نغمات تصعيد المواقف تظهر وبصوت عالي وهناك من يريد أستغلال الخلافات وطرح مفاهيم أستخدام القوة التي فشلت في السابق .

11- وضع المنطقة السياسي :- أن المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط تعتبر في حالة خطرة نتيجة فشل الأنظمة الحاكمة في تلبية مطاليب شعوبها وأن تصعيد سياسي أو حصول متغيرات سياسية وشيكة سوف ينعكس على أوضاع العراق الداخلية وبتشجيع من قوى الأرهاب والتدخل الأجنبي الذي لايهمه سوى مصالحه والسيطرة على ثروات الشعوب .

أن المنطقة تعاني صراع بين أقامة الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية أو أقامة دولة دينية ثيو قراطية بين دولة دكتاتورية رجعية أو دولة ديمقراطية تؤمن بالتقدم والتطور الحضاري .

لكل ماتقدم وبشكل مختصر لابدَ أن نعرف الى أين العراق ذاهب فهناك مؤشرات تخص التعليم ومناهجه وفرض بناء دور العبادة في  المدارس والجامعات وتخصيص كليات  للأناث أو للذكور والأعتراض على الملبس وعدم السماح للطلبة بمزاولة  العمل السياسي المهني من خلال اتحاداتهم أضافة الى عدم معالجة البطالة والسكن والمساعدات الأجتماعية وأنتشار الفقر والأوضاع الصحية السيئة وأتباع الروتين القديم في أنجاز معاملات الناس وعدم التوجه الى تأسيس الحكومة الألكترونية التي تتبعها دول العالم .

أن تعزيز الوحدة الوطنية وبناء الهوية الوطنية تتطلب الأبتعاد عن نظام المحاصصة وبناء الأسس  الديمقراطية في حرية الرأي وحرية الصحافة والنشر ومحاربة الفساد والأهتمام بالكفاءات وجعل الشخص المناسب في المكان الناسب دون التحيز  الى الأنتماء الحزبي ونشر العدالة من خلال قضاء عادل وأحترام الدستور ومعاملة المرأة بمايليق  بمكانتها التربوية والأجتماعية ومساوتها مع الرجل في الحقوق والواجبات .

أن بناء أقتصاد قوي زراعي وصناعي يعتمد على الأهتمام بتأهيل وتنفيذ المشاريع الجديدة ذات الجدوى الأقتصادية المفيدة سوف يجعل العراق في مقدمة الدول لما يملكه من ثروات هائلة ، وأصبح الآن ضرورة للتقييم ومراجعة كل شيئ بعقول متنورة ومنفتحة لكي نعبر الى بر الأمان .

 

 

 

 


 
 

free web counter