| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

صبحي مبارك مال الله

 

 

الأحد 30/9/ 2012

 

الديمقراطية في العراق بين النظرية والتطبيق

صبحي مبارك مال الله

ناضلت شعوب العالم من أجل تحقيق النظام الديمقراطي وبناء الحياة الديمقراطية  في بلدانها وأستشهد على طريق الحرية والتحرر مئات الآلاف من الشهداء ، بعد  أن عانت هذه الشعوب من الأنظمة الدكتاتورية والأستبدادية  ومن الظلم والقهر والفقر .

الديمقراطية ليست كلمة تُقرأ  أو تكتب في الدساتير والعهود والمواثيق فحسب وأنما هي تطبيق أسلوب حياة وسياسة حكم ، وتعتمد على أسس وقواعد فكرية وثقافية وعلى الوعي والأيمان بحقوق الأنسان.

الأنتقال من الحكم الأستبدادي الدكتاتوري الشمولي وسياسة الحزب الواحد الى الحكم الديمقراطي ليس سهلاً ، وأنما يحتاج الى بناء القاعدة الديمقراطية التي يستند أليها الحكم الديمقراطي من خلال المؤسسات الدستورية والعمل المستمر في أتجاه أزالة آثار الحكم الدكتاتوري وألغاء قوانينه الجائرة وأحكامه التي تتعارض مع حقوق الأنسان .

بعد المتغيرات السياسية التي حدثت وأدت الى سقوط النظام في العراق في 9/4/2003، أخذت الأحزاب والقوى السياسية المشتركة في العملية السياسية تتداول مفهوم الديمقراطية وتحاول أيجاد صيغ مشتركة ، فبعد كتابة الدستور والأستفتاء عليه من قبل الشعب  في عام 2005وتشكيل الحكومات على ضوئه مع أجراء ثلاثة أنتخابات  ومن ثمَ ظهور المؤسسات الدستورية  وفي مقدمتها البرلمان ، أصبحت الديمقراطية كنظام حكم من أهتمامات الشعب منتظراً تطبيقها بشكل صحيح .

لقد أكد الدستور في الباب الأول منه المادة (1) :- جمهورية العراق دولة أتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة ، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي ، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق. كما جاء في المادة (2) ب :- لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .

ونصت المادة(6) :- يتم تداول السلطة سلمياً ، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور .

الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي يعتمد على التداول السلمي للسلطة وهي تعني حكم الأكثرية مع أحترام الأقلية .

وكلمة ديمقراطية هي يونانية الأصل تعني حكم الشعب ، وتؤكد على الشرعية السياسية وقبول الشعب لهذا الحكم ، وتعتمد على الأنتخابات الحرة ، ولكن الأنتخابات ونتائجها ليست الشرط الوحيد لكي يكون البلد ديمقراطي ، وأنما هناك شروط وعوامل أخرى لابد من توفرها وفي مقدمتها الثقافة الديمقراطية وثقافة المؤسسات ، والخدمات المدنية ، تثبيت الحقوق المدنية والسياسية ،  تثبيت الحقوق الأقتصادية والأجتماعية والثقافية ، الألتزام بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان، أحترام مبدأ فصل السلطات (التشريعية ، القضائية ، التنفيذية) ، التعددية الحزبية ، حرية عمل منظمات المجتمع المدني ، حرية عمل المعارضة السياسية ، حرية الفكر والعقيدة ، حرية الصحافة  وهذه تعتبر جزء من معايير دولية .

والديمقراطية متعددة الأشكال  منها الديمقراطية المباشرة وتعني أن الشعب صاحب السيادة ، وله الحق في ممارسة سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ولايجوز تفويض السلطات الى ممثلين له وأن السيادة تنحصر في سلطة التشريع فالشعب هو الذي يتولى صلاحية وضع القوانين ولكن هذا النوع من الديمقراطية لايمكن تنفيذه لأنه يلائم المناطق الصغيرة أو البلدات البعيدة لأن من الصعب جمع الشعب لغرض سن قانون أو وضع تشريع معين مع أن التنفيذ فردي .

الديمقراطية المباشرة أو النيابية ويكون ذلك بوجود برلمان منتخب من قبل الشعب ، يمارس أعضاءه السلطة التشريعية نيابة عن الشعب صاحب السيادة وبأسمه .

ولكن الشعب يبقى له الرأي في الأعتراض أو يمارس الأستفتاء على تبديل المواد الدستورية أو أضافتها.

الديمقراطية الموجهة تعتمد توجيه العملية الديمقراطية بشكل عنيف وأجباري مما يؤدي ذلك الى الدكتاتورية .

الديمقراطية الليبرالية وهي شكل سائد للديمقراطية في القرن  الحادي والعشرين وقد أوجد هذا النوع من الديمقراطية نوع من الحماية لحقوق الأفراد والأقليات من سلطة الحكومة .

والليبرالية  تعني الأيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح وأحترام كرامة الأنسان وضمان حقه في الحياة وحرية الأعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون ولايكون  للدولة دور في العلاقات الأجتماعية .

والليبرالية الديمقراطية هي  تكريس سيادة الشعب عن طريق الأقتراع وأحترام مبدأ فصل السلطات الثلاث ، وتوجد حرية للمعارضة السياسية ، حكومة منتخبة ، حرية الفرد ، منع الأغلبية من أضطهاد الأقلية وهي تدعو الى دستورية الدولة والديمقراطية ، والأنتخابات الحرة العادلة  وتؤكد على حقوق الأنسان وحرية الأعتقاد . وهناك الديمقراطية المسيحية التي تعتمد الأنجيل ، والديمقراطية الأسلامية تعتمد القرآن الكريم محاكاة للديمقراطية المسيحية .

أما في العراق :- لم يكن مفهوم الديمقراطية غريب عن الشعب العراقي  ، فمنذ أنتهاء الحكم العثماني للعراق مع بداية الحرب العالمية الأولى  بأحتلال البصرة 1914 من قبل بريطانيا ثم أحتلال بغداد 1917 وكركوك1918 ، وتأسيس الدولة العراقية 1921 بعد ثورة العشرين وأصبح نظام الحكم ملكي مع وجود قانون أساسي 1925  وضع الأسس الديمقراطية للحكم الملكي بمعاونة البريطانيين ولكن هذا الحكم كان كسيح ويعمل لمصلحة المحتلين ، لم تتطور الديمقراطية في العراق ولم يؤسس لتقاليد ديمقراطية في تبادل السلطة  ولاوجود حرية للأحزاب ، ولكن مع نمو المعارضة العراقية الوطنية وأنتشار الفكر الديمقراطي بواسطة الرواد والأحزاب الوطنية ، مثل الحزب الوطني العراقي ،أصبحت الديمقراطية  مطلب أساسي من مطاليب الشعب بتأثير المتغيرات السياسية في العالم وفي المنطقة ، وبعدذلك نشأت الأحزاب الوطنية الديمقراطية وأحزاب اليسار حيث  تصاعد النضال الوطني للمطالبة بأ قامة حكم ديمقراطي بديلاً عن النظام شبه الأقطاعي نظام الملاكين الكبار والتجار وعملاء الأستعمار ورؤساء العشائر المتعاونين  مع النظام الذي أرتبطت مصالحه مع مصالح الأجنبي .

وبعد معاناة الشعب من الحكومات الجائرة بما فيها فترة الحكم الدكتاتوري (35) عام ، الذي جلب على الشعب الويلات والحروب والمقابر الجماعية وتدمير البنى التحتية وتبذير الثروة الوطنية وأنتشار الفساد ، عاد الشعب الى  بناء دولته التي يريدها دولة مدنية ديمقراطية دستورية من جديد ولكن عند التطبيق للدستور ماذا حصل ؟

الديمقراطية في التطبيق :-بالرغم من التأكيد على المواد الدستورية التي تشير الى الديمقراطية وكذلك المواد الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات (الباب الثاني) ألا أن  التطبيق كان يتجه الى أتجاه آخروهو الأخلال بقواعد بناء الدولة الديمقراطية ، و عدم الألتزام بوثائق الأمم المتحدة وهي الأعلان العالمي لحقوق الأنسان والحقوق المدنية والسياسية والحقوق الأقتصادية والأجتماعية والثقافية أي (لائحة الحقوق الدولية) بل بالعكس سيطرت على العملية السياسية  الطائفية والأثنية والمحاصصة فعرقلت المشروع الوطني الديمقراطي، وتفاقمت المشاكل بين الأحزاب الحاكمة فظهرت الأزمة السياسية التي أدت الى الفساد والتجاوز على الدستور وظهور النزعة الفردية وسياسة الحزب الواحد وبدرجات متفاوتة .

أن السلطة التنفيذية عملت في الآونة الأخيرة على ضغط الحريات العامة والخاصة والتي يكفلها الدستور ، التدخل في شؤون القضاء ، عدم تحويل مبادئ ومواد الدستور الى قوانين ، عدم نشر  الوعي  الجماهيري والثقافي ، أضعاف الفكر الديمقراطي ، الأرتداد الى الطائفية والأثنية والعشيرة والقبيلة ، لم يجر العمل على بناء الشخصية الديمقراطية ، عدم الأهتمام بالمناهج  التعليمية التي تتناول الفكر الديمقراطي .

لايمكن للديمقراطية أن تنمو و تصبح منهج في كافة مفاصل الحياة العامة أبتداء من الأسرة الى المدرسة والجامعة ودوائر الدولة ألا بوجود الحرية ومنها على سبيل المثال حرية الأبداع والتطوير .

وأن تنمو في أجواء القيم التقدمية  وليس في أجواء الفكر السلفي الذي يكبل الأنسان بقوانين جائرة .

أن الظروف الموضوعية والذاتية في المنطقة وما يحصل من تدخلات سافرة في الشؤون الداخلية من قبل دول الجوار ودول أقليمية وعالمية يتطلب التمسك بحكم الشعب وتعزيز السلطة التشريعية والقضائية والأمتثال للدستور ووضع القوانين التقدمية التي تهتم بحقوق الأنسان وأن تكون الساحة السياسية العراقية مشتركة بين كافة الأحزاب التي ناضلت ضد النظام الدكتاتوري ويشرع لها قانون حقيقي وليس شكلي من أجل تنظيم الحياة الحزبية وأن تأخذ كافة الأحزاب دورها في البناء المنشود وأن تكون منظمات المجتمع المدني في طليعة العمل  المجتمعي فضلاً عن دورالنقابات المهم عندما تعمل بحرية.

أن حل المشاكل العالقة والعودة الى لغة الحوار بين أطراف الأزمة السياسية هو الأسلوب الصحيح في معالجة الأوضاع السياسية والأقتصادية والخدمية والأجتماعية مع الألتزام بالدستور .

أن بناء دولة مدنية ديمقراطية تؤمن بحقوق الأنسان وبالقيم الأخلاقبة وتحترم الرأي الآخروبحرية التفكير والعقيدة ليس أمراً سهلاً لما ماهو موجود من أرث تركته عهود الظلم والأستبداد وسيطرة النظام الشمولي.

 

 

 


 
 

free web counter