| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح محسن جاسم

 

 

 

 

الثلاثاء 22/ 5 / 2007

 


 

أبو مازن - شجرة الجوز العراقية الحمراء وإبريق الشاي
 

حاوره / صباح محسن جاسم

الطيْبة العراقية لها نكهتها مثلما الليمون العراقي ، وخوخ "كاني ماصي" وبرتقال كربلاء وسمك بغداد المسقوف ولحم الغنم العراقي وتمر الشرسي والمكتوم وطعم الهور وطين خاوه وغرين دجلة والفرات ، ذلك الذي صنع السومريين وصنعوا منه كؤوس شرابهم وفؤوس دفاعهم وبناءهم وكتبوا عليه ورسموا غلالهم وسنوا قوانين رواحهم وغداتهم ، مثل نضال العراقي ونصال غيرته ، تلك الخصوصية ما فارقت ولن تفارق صديق نذرته بلاد آشور وكردستان ليخوض غمار درب "الصد ما رد" ، لكنه عاد يدور من حول الشمس يحلم بالعراق ..في زيارته لكردستان التقيناه تحت شجرة جوز باسقة . حاورناه مسترسلين الحديث فيما أصر أن يهيئ الشاي بطريقته المحببة ، ننفخ سوية رماد ذاكرته ونكشف عن بعض ما مخبوء من خلال بوحِه وهذا اللقاء:

1. هل نقول " روش باش ؟ أم نبدأ بسؤالنا الغريب نوعا ما : ماذا يعني لك إبريق الشاي العراقي وهو يتربع بعباءة قس وسط جمر موقد الصباح ؟

لن أقول " روش باش " للطيبين فحسب وإنما صباح الخير يا وطني أينما رمى بي القدر وتحت أية ظروف ، قاسية كانت أم مريحة ، لان الوطن بوصلتي الأولى والأخيرة في مسيرة الحياة الشاقة وخاصة لنا نحن العراقيون ، انه الوجه الذي يمنحني الطاقة والقدرة على مواصلة الدرب إلى النهاية ، ومن البديهي لا يوجد وطن دون شعب .

رسمت لوحة جميلة وزاهية بتعبيرك حول " إبريق الشاي العراقي وسط جمر موقد الصباح " إنها لوحة حقيقية من صلب بلادي التي تتميز بالغنى في كل شيء , الغنى بالإصرار على تحدي الصعاب , الغنى بالمآثر البطولية لكل فئاته ضد الظلم والطغيان , ضد الاستعمار والاستغلال ، ضد من يقيد حرية الإنسان ويكبله بالأغلال ، سياسية كانت ، اقتصادية ، اجتماعية ، نقابية أم قومية أو أثنية .

وطني العـراق غني بالعطاء ، هو الذي أمد البشرية بالحضارة الإنسانية من القوانين ، فمسلة حمورابي معروفة للجميع ، وأمد الإنسانية بالعلوم في شتى المجالات ، الطب والرياضيات والزراعة والري وغيرها مما أجاد به الإنسان العراقي واجتراحه للمآثر والمعجزات .

يقال أن الشاي " خمرة الثوار " واستميح الثوار عذرا إن أجريت تعديلاً بسيطا على هذه المعادلة وأقول " الشاي خمرة الفقراء والكادحين " ، ارتباطي بالشاي ، ربما له علاقة بالانحدار العائلي وأنا من بيئة عمالية حيث ان والدي لم يمتهن الزراعة رغم انحداره من عائلة فلاحية وإنما كان من عمال النفط في خانقين ضمن محافظة ديالى ووالدتي ربة بيت ، لذا كان الشاي خمرة العائلة واستمرت هذه العلاقة مع الشاي إلى وقتنا الراهن .

2. رمت الأقدار بأحد أغصان شجرتنا العراقية الوارفة الظلال لتدفع به ريح الشمال فيهاجر الوطن ثم ليحط في بلاد عرفت باسم السويد . تنفست الغربة والاغتراب .. أي الاثنين زال وأيهما زاد ؟

رمت بي الأقدار قبل 18 عاما لأستقر مؤقتا في السويد ، خرجت من العراق عام 1973 مرغما بسبب إرهاب السلطة الدكتاتورية البائدة ، كنت طالبا في المعهد الزراعي الفني في ابو غريب - بغداد، وصلت موسكو لمواصلة نفس الاختصاص الذي تركته في بغداد " ميكانيك الآلات الزراعية " حاملاً في الوقت ذاته لشعار " التفوق العلمي والعودة إلى الوطن " وفي حزيران من عام 1979 نلت شهادة الماجستير في العلوم الزراعية قسم الميكانيك , لكن تدهور الأوضاع في الوطن آنذاك واشتداد حملة الإرهاب والقمع وتصفية الوطنيين وبالذات الشيوعيين على أيدي الأجهزة القمعية والفاشية لطغمة صدام وأعوانه اضطررت في العدول من التوجه إلى الوطن ، غادرت موسكو متوجها إلى المغرب طلبا للقمة العيش هناك ، إلا أنني لم افلح في ذلك بل بعد جهد كبير وانتظار دام قرابة ثلاثة أشهر في الجزائر , تمكنت بمساعدة بعض الأخوة مـن العـراقيين والـوطنيين الجزائريين أن احصل عـلى وظيفة مـدرس فـي احـد المعـاهد المهنية ، مارست مهنة التدريس لمدة عام دراسي كامل وأنظاري متجهة صوب الوطن ، حيث طلبت من الحزب التوجه إلى كردستان بعد أن اتخذ الحزب أسلوبا جديدا في مواصلة النضال ضد الدكتاتورية وهو أسلوب الكفاح المسلح حينما أنهيت الدراسة في موسكو لكن طلبي رفض بسبب شحة الإمكانيات آنذاك للحزب في كردستان , كررت الطلب وأنا في الجزائر وكانت فرحتي عندما أبلغت بالتهيؤ للوصول هناك ( وسأتوقف لاحقا ً عند فترة التواجد على ارض الوطن ثانيةً ) .
التنفس بعد الأعاصير المريعة والمهلكة التي حلت بالشعب والوطن نتيجة السياسات الرعناء للنظام الفاشي البائد لم يكن سهلا للمواطن العراقي ، بل عاش الإنسان العراقي منذ مطلع الستينيات من القرن المنصرم والى وقتنا الراهن دون التنفس ، وهو في حالة الاختناق من كل شيء ومحروم من كل شيء ، لذا الغربة والاغتراب لهما قاسم مشترك مؤلم واحد وهو المنفى ، سواء المنفى الإجباري أو المنفى الطوعي لسبب واحد هو الاستخفاف بقيمة الإنسان العراقي وانتهاك لحقوقه المنصوص عليه حتى في الكتب السماوية ، بل واستمراراً للوضع الراهن أصبحت الغربة وطن والوطن اغتراب والأقسى من ذلك إن الذي يعيش في الغربة تعتصره ألآلام المنبعثة من عذابات المواطن العراقي داخل الوطن وعجزك من إيقاف مسلسل الدم والقتل والإرهاب في الشارع العراقي .

3 . كنت احد المناضلين بين شمم جبال كردستان , هل أخذت شيئا من شمسك فزرعته هناك ؟ وهل تعود بك الذكرى لرفقاء الدرب ممن غابوا وراء الشمس ومن الذين ما يزالون يزرعون بذور دوّار الشمس ؟

كردستان جميلة وتتمتع بمناظر خلابة كجمال السومري ونقاء الهواء وعذوبة المياه المتدفقة من جوف الأرض المعطاء وتنوع فاكهتها ، نادراً ما تجدها في مناطق أخرى من المنطقة العربية عموماً والأكثر جمالاً طيبة شعبها المناضل والمكافح والذي امتزج دمه بدم القوميات المتآخية الأخرى في المجتمع العراقي في سوح النضال الوطني والطبقي والقومي وتأريخ السياسي الحديث خير شاهداً على تلك الملاحم البطولية .

احتضنني جبال وسهول ووديان كردستان على مدى عقد من الزمن في تلك الظروف القاسية والمعقدة ضمن حركة الأنصار الشيوعيين والتي سطرت أروع ملاحم التحدي والبطولة إلى جانب البيشمركة المناضلين في مقارعة الدكتاتورية الفاشية البائدة والأقسى من ذلك وبعد وصولي إلى ارض كردستان بفترة بدأت الحرب العراقية الإيرانية تدور رحاها مخلفة وراءها المزيد من الدمار والهلاك ، كنا كحركة أنصارية شيوعية نواجه ليس فقط ألآلة العسكرية العراقية فحسب وإنما القصف الإيراني والتركي في ذات الوقت سواء بالمدفعية أو الطائرات الحربية ، بمعنى آخر كنا محاصرين من قبل ثلاثة أنظمة متناحرة فيما بينها ومتفاهمة على تحطيم حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين وان كان هذا التفاهم بشكل غير مباشر كحالة النظامين العراقي والإيراني اللذين كانا في حالة الحرب ، رغم كل الجهود ، فان محاولاتهم باءت بالفشل وبقيت هذه الحركة تمارس نشاطاتها حتى ما بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية واستخدام النظام العراقي البائد للأسلحة المحرمة دوليا ليس فقط ضد الحركة وقوات البيشمركة وإنما شملت مجمل الشعب الكردي بحملاتها المشؤومة والتي سميت بعمليات الأنفال السيئة الصيت .

أخذنا معنا الطيبة العراقية المعهودة بها والتواضع إلى بلاد الغربة , حملنا معنا معاناة أهلنا في الوطن وآلامه لنكسب التعاطف الاممي والدعم الإنساني والتضامن العالمي لمساندة شعبنا للخروج من محنته ، دفنا جروحنا الذاتية المزمنة لنعلوا ونبين جراح الشعب الصامد في العراق بمختلف فئاته وطوائفه أمام الرأي العام العالمي لنكشف الوجه الحقيقي للنظام الدكتاتوري المقبور وفضاحة جرائمه وجرائم الأنظمة التي دعمت ذلك النظام ألصدّامي الفاشي لحقبة طويلة من الزمن .
هل يمكن للإنسان ان ينسلخ من تأريخه ؟ ليس فقط رفاق الدرب الذين غابوا وراء الشمس في كردستان فحسب وإنما الرفاق الذين عملنا سوية أثناء النضال السري والتي غيبتهم السلطة الدموية الفاشية في أقبيتها السرية والعلنية ، هؤلاء الرفاق هم جزء من تأريخي الشخصي والذي افتخر به وبهم وببطولاتهم ، كذلك الذين غدرت بهم الغربة ودفنوا في تربة هي ليست تربتهم الحقيقية وأنظارهم كانت دوما صوب الوطن .
نفتخر بالذين يواصلون المسيرة داخل الوطن في ظل الإرهاب المنفلت الآن وقسوة العنف ، وهم يحملون أرواحهم على اكفهم ويتحدّون كل شيء من اجل وطن حر وشعب سعيد.

4. ما هي المحطات التي توقفت عندها ابتداء من نبع كردستان وعطر نعناعه الراقص محاذاة سواقي مائه الزلال ؟

سبق وتحدثت عن حصولي على موافقة الحزب للتوجه إلى كردستان للانضمام إلى صفوف الحركة الأنصارية حينما كنت في الجزائر , تركت الوظيفة الحكومية هناك واتجهت إلى سوريا ومنها إلى داخل الأراضي التركية ومن هناك بدأت رحلة السير على الأقدام بشكل متواصل لأكثر من عشرة أيام , في بعض الأحيان كنا نسير لمدة 48 ساعة متواصلة وأحيانا ً أخرى نختفي داخل الأراضي التركية نهاراً ونسير طوال الليل نسلك طرقا ً وعرة للغاية وإضافة لافتقار الأراضي التركية الجبلية لأية مصادر المياه زاد من مشقة السير ، بحيث نسير قرابة أربعة إلى خمسة ساعات متواصلة دون الحصول على قطرة ماء تروى عطش الإنسان بالإضافة إلى كون اغلب المناطق جرداء من الخضار والأشجار تماما عكس المناطق الجبلية في كردستان العراق المليئة بالغابات من الأشجار المثمرة الطبيعية والمياه المتدفقة من العيون الجبلية . ومن المفارقات كنا نحمل السلاح وقسم منا لايجيد استخدامه وأنا من ضمنهم ، لكننا كنا محملين بالحماس والإصرار على مواجهة الدكتاتورية الفاشية التي أعلنت حينها بانها قد قضت على الحزب الشيوعي العراقي وتنظيماته ، ولابد القول هنا أن رفاق لنا سبقونا في مواجهة النظام الفاشي ألصدّامي في معارك غير متكافئة خابت من خلالها ظنون الطغمة الدموية في بغداد آنذاك بالقضاء على الحزب ، ومن أشهر المعارك آنذاك " معركة قزلر " .

لنقرأ ما كتبه الرفيق احمد رجب وهو من المشاركين في تلك المعركة ( لقد سطر الشيوعيون العراقيون ملحمة بطولية في معركة قزلر ، ففي يوم 24/3/1980 وقبل 25 سنة تصدى أنصار الحزب الشيوعي العراقي ( البيشمه ركة ) لقوات نظام صدام حسين الدكتاتوري.
في الساعة 12 من يوم 24/3 حلقت إحدى طائرات الهليكوبتر في سماء قرية قزلر الجميلة المقابلة لجبل بيره مه كرون ، والواقعة في وادي ميركه بان وعباسان والتابعة لناحية سه رجنار، وفي الحال تبعتها هليكوبترات أخرى وبدأت بعملية إنزال الجنود والجحوش ، واندلعت المعارك فوراً بين القوات الحكومية الغازية وقوات أنصار حزبنا الشيوعي العراقي.
لقد دفع العدو الجبان بأعداد كبيرة من القوات بما فيها القوات الخاصة والجحوش المرتزقة و 19 طائرة هليكوبتر ومنها السمتيات التي جرّبها النظام ضد الأنصار قبل القيام باستخدامها في الحرب ضد إيران. لقد دارت رحى معركة غير متكافئة بين عناصر مدربة من جيش له خبرة جيدة في الوقوف ضد الجماهير وقمع تطلعاته وانتفاضاته وبين عدد قليل من الأنصار بأسلحتهم العادية والرديئة، ولقد ظنّ العدو الجبان بأنّه يتمكن من إبادة المفرزة الباسلة أو القبض على أفرادها ، إلا أنّ الأنصار الشيوعيين وقفوا بكل بسالة وصمود ضد المجرمين الغزاة وخيبوا آمالهم القذرة.
وفي الواقع كانت أسلحة الأنصار عادية ورديئة وقديمة وهي عبارة عن : 2 كلاشنيكوف، 8 جيسي، 1 برنو، و5 ماو، وسلاح ماو من أسوأ الأسلحة الصينية ، بعد 4 ساعات من المعركة وصلت مفرزة بطلة من قوات بيشمه ركة الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة إسماعيل كه وره ديى من قرية جوخماخ، ودخلت المعركة فوراً لمناصرة أشقائهم في الحزب الشيوعي العراقي. في الساعة 6 مساءً بدأ العدو الجبان من جمع خسائره وفلوله وترك أرض المعركة والعودة إلى إسطبلاته ومقراته) .

وصلت يوم 22 / 9 / 1980 ضمن مفرزة قوامها 22 رفيقا إلى أول قاعدة عسكرية للأنصار الشيوعيين في منطقة كلي كوماته ، لم أتوقف كثيرا حيث كنت من المتحمسين للتوجه إلى المناطق القريبة في محافظة ديالى وإنا من سكنتها ولسهولة التحرك في وسط أنت تعرفه ويمكنك تشخيص الثغرات ونقاط القوة هناك .
من أهم المحطات وباختصار شديد التي توقفت عندها , التدريب على السلاح والذي اخذ مني عدة أيام ومن ثم التعرف على المنطقة وطبيعتها والاندماج مع سكان المنطقة والمشاركة في همومهم ، أتذكر جيدا ، حينما تواجدنا في القرى القريبة من مدينة شقلاوة السياحية وبالذات قرية " رزكه " ساهمت في إصلاح بعض الآلات الزراعية وتراكتورات كوني مهندسا متخصصا في إصلاح وصيانة المكائن والآلات الزراعية مما عززت العلاقة بيننا وأهالي تلك المناطق .
واجهتنا مشاكل عديدة في جولاتنا في المناطق سهل حرير وسهل كويسنجق والمناطق المحيطة بـ " خليفان " ضمن محافظة اربيل بسبب كثرة تواجد المجاميع المسلحة وكان من الصعب التفريق بين من هم المناضلين الحقيقيين ومن هم مرتزقة يمتهنون التجسس ومتابعة حركة البيشمركة وخاصة المفارز التابعة للحزب الشيوعي العراقي للإيقاع بهم مقابل حفنة من الدنانير العراقية , خاصة ان كثرة من هذه المفارز تتحرك بأسماء شخوصها وليس الجهة السياسية التي تنتمي لها ، رغم ذلك كنا في يقظة تامة من هذه الألاعيب وكم من مرة وقعوا في الكمائن التي نصبناها لهم وهم في غفلة من أمرهم .
كانت مهمتنا في تلك المناطق إعلامية تحريضية ضد سياسات النظام وفضح جرائمه بحق الشعب والوطن وأهمية إنهاء الحرب فورا آنذاك, إلى جانب المهمات العسكرية القتالية ضد مواقع السلطة ومرتزقتها بعد الاستطلاع وجمع المعلومات حول الأهداف المنوي ضربها.
" الثورة تأكل رجالاتها " هذه المقولة كانت أكثر وقعاً ومأساة على المعارضة الوطنية العراقية عامة والحركة الكردية على وجه الخصوص , فالصراع الكردي - الكردي لم يلحق الضرر بالحركة القومية الكردية وطموحاتها المشروعة في تمتع الشعب الكردي بحياة حرة كريمة ضمن عراق ديمقراطي فيدرالي حر، فحسب وإنما شوه مصداقية الحـركة الكـردية خاصة والمعارضة الوطنية العراقيـة المناهضة لحكم الدكتاتورية والإرهـاب في بغداد عامة ، وخـلق أرضية خصبة لتدخلات خارجية سافرة للقوى الإقليمية لتمرير مخططات الدول الكبرى وبالذات الإمبريالية الأمريكية لإبقاء حالة اللا حرب واللا سلم سائدة في كردسـتان وبما يخدم الأهداف الإستراتيجية لهذه القوى في المنطقة. ناهيك عن المحاولات الدكتـاتوريـة في تأجيج الصراعات وتحويل كردستان لبؤرة توتر دائم نظـراً لتواجـد المعارضة الوطنية العراقية فيها .
عام 1981 فرضت علينا معارك جانبية من الأطراف " المتحالفة " في صراعنا ضد النظام الدكتاتوري ، في مناطق ورته وملكان ضمن محافظة اربيل ، من جانب الاتحاد الوطني الكردستاني ، استنزفت الكثير من الطاقات والجهد ، كان يمكن استثمارها وتوجيهها ضد الطغمة الدموية في بغداد آنذاك ، كانت قادة الحركة الكردية في غفلة من مصالح وطموحات الشعب الكردي وبالتالي الشعب العراقي عامة ، كان بالإمكان حقن دماء المناضلين وتوجيه فوهة البندقية صوب النظام ، المصالح الذاتية وحالة الاستئثار بالنفوذ والاستحواذ على المناطق ، هي العقلية السائدة آنذاك لدى القادة في الحركة القومية الكردية ، التأريخ لا يرحم أحدا وسفك دماء الأبرياء والمناضلين سواء في الحركة الكردية أم الحركة الوطنية العراقية المعارضة للدكتاتورية والفاشية جريمة لايغتفر عنها ، وكررت المأساة ثانية وبصورة أكثر بشاعة في ايار 1983 , عندما وقعت أحداث بشتأشان ، راحت ضحيتها أكثر من 65 شهيدا من خيرة المناضلين الشيوعيين من الكوادر الحزبية والسياسية والعلمية .
مجزرة بشتآشان لم تكن نتيجة لهوة الخلاف والصراع ما بين ( جوقد ) و ( جود ) ، وإنما نتيجة منطقية وعربون لحسن النوايا لإتمام صفقة جرت التباحث حولها بين النظام الدكتاتوري الدموي المقبور في حينها واحد إطراف الحركة الكردية ، لذا لا أجد تبريراً لمهاجمة نفس الموقع الذي جرى الاتفاق بين ممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وبضيافة الحزب الشيوعي العراقي في تموز عام 1982 ، ذلك الاتفاق الذي يقضي بحل الخلافات بين الأطراف الوطنية المعارضة لسلطة صدام حسين بالطرق السلمية ! ، ولم تمضي اشهر على جريمة بشتآشان عام 1983 وظهرت الصفقة إلى النور، لتكون طعنة غادرة في ظهر القوى الوطنية والديمقراطية وخاصة الحركة القومية الكردية.

استدعيت عام 1982 الى احد المواقع لحركة الأنصار للعمل ضمن تنظيمات الداخل وخاصة تنظيم بغداد ، وفي نهاية العام ذاته توجهت إلى بغداد من اجل الاستقرار هناك وتشكيل بعض التنظيمات الخيطية أو لإعادة الصلة ببعض الخطوط التنظيمية ، لان الأسلوب الخيطي هو السائد آنذاك في العمل التنظيمي ، نتيجة للظروف الأمنية القاسية ووحشية النظام المقبور وصعوبة الحركة ، كانت الحرب تدور رحاها بشكل أكثر ضراوة وخاصة في قاطع الشلامجة، بقيت فترة دون أن افلح في إيجاد بعض الوثائق الضرورية لاستمرارية البقاء في بغداد وخاصة كنت بحاجة إلى وثيقة دفتر الخدمة العسكرية كغطاء لسهولة الحركة . بعد أن درست إمكانيات البقاء من عدمها وجهت رسالة إلى قيادة الحزب حول ذلك ، وبعد مضيّ عدة أشهر قفلت عائدا إلى حيث انطلقت من احد مقرات الأنصار في كردستان .
بعد أحداث بشتأشان المأساوية انتقلت إلى مناطق بارزان ومنها في نهاية عام 1984 إلى بهدنان ، وبعد انتهاء المؤتمر الوطني الرابع للحزب الذي انعقد في النصف الثاني من عام 1985 انتقلت إلى دهوك لأكون في قوام لجنة محلية دهوك ، مسؤولا عن مدينة زاخو وبعض الخطوط التنظيمية في مدينة دهوك والى حين الهجمة الشرسة للنظام الفاشي بالأسلحة الكيماوية على كافة مناطق كردستان بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها .
استوقفتني المحاكم للزمرة الطاغية من رموز النظام المقبور وإنكار المتهمين باستعمالهم للأسلحة الكيماوية ، وأنا أتذكر الضربة الكيمياوية التي وجهت الى احد مقراتنا في منطقة زيوه بالقرب من كاني ماصي ، حيث كنت احد ضحايا تلك الضربة المجرمة ، حدث في ذلك اليوم المشؤوم للأنظمة العربية وهو يوم الخامس من حزيران عام 1987 ، أغار سرب من الطائرات الروسية الصنع والعراقية الملكية نوع سوخوي ، حيث أفرغت سبع طائرات حمولتها من القذائف ( 35 قذيفة ) زنة نصف طن في تمام الساعة 18.50 مساء مطعمة بغاز الخردل ، أدت هذه الغارة إلى استشهاد بعض الكوادر الحزبية ( سكرتيري لجنة محلية دهوك ، كان احدهم وهو الشهيد أبو فؤاد ، العائد توا من العلاج أثر تعرضه لحالة التسمم بمادة الثاليوم من احد عملاء النظام قبل عام من ذلك التأريخ ، والرفيق الآخر وهو كذلك سكرتير محلية دهوك ، الشهيد أبو رزكار ) ، بالإضافة إلى العوائل والأطفال المتواجدين في المقر .
لكن الذي حدث هو أن قذيفتين من تلك الحمولة لم تنفجرا ، تم نقلهما من قبل الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، واستغرب لماذا هذا السكوت عن تلك القذائف ، ولماذا هذا التعتيم الإعلامي حول تلك الضربة الكيمياوية التي سبقت ضرب مدينة حلبجة بعام تقريبا ! .
تجمع فيلقان من الجيش العراقي بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية مباشرة في المناطق كاني ماصي ، بيكوفه وزاخو لمحاصرة ليس فقط الأنصار والبيشمركة فحسب وإنما سكنة المنطقة بأكملها وبدأت الضربات بالأسلحة المختلفة ومن ضمنها الكيمياوي واشتدت الضربات بحلول أيلول من عام 1988 ، لم يـكن بالإمكان مقاومة تلك الأسلحة مـن قبـل الحركة الأنصارية وقوات البيشمركة مما اضطررنا إلى مغادرة المنطقة إلى داخل الأراضي التركية .
عندما اشتد غيظ النظام على مسيرة الثوار ، اثر إعلان وقف لعبة الحرب بين الكبار ، حملت همومي وغادرت حدود الدول لاستقر في ارض جندرمة الأتراك مع رفاقي الآخرين ، ولتبدأ مسيرة أخرى من الذل والإهانة والحط من كرامة الإنسان ، كـان لابد من التكييف لاستقبال الآلام المخيمات واللجوء ، خاصة والأفق السياسي لم يكن يبشر سوى بالمزيد من الظلام والمزيد من الدمار والآلام .

5. ساهمت بأغلب الفعاليات الاجتماعية المقامة في السويد كونك صحفي وحتما التقيت بشخصيات سياسية ووطنية وثقافية وكوادر مختلفة ومواهب منسية , ما الذي شدك فيهم وما الذي لمسته من خلال استشرافاتهم للمستقبل في العراق وهل من مفارقة علقت في الذاكرة ؟

مقدما أنا لست صحفيا بالمفهوم المهني لهذه الصفة وأنا أتشرف أن أكون في مصاف الصحفيين الذين يعكسون من خلال عملهم ، الكلمة الصادقة ، الحدث الواقعي والحيادية في نقل التأريخ . لكنني ساهمت بالإمكانيات المتواضعة التي امتلكها في الكتابة إلى بعض الصحف والمواقع الالكترونية ، سواء بالكتابة أو اللقاءات بالشخصيات السياسية والوطنية والثقافية والفنية .

عندما نعيد دراسة التأريخ السياسي الحديث للعراق ، نتوقف ملياً عند الأحداث بشخوصها والقوى المحركة لها من الأحزاب السياسية والتنظيمات العمالية والفلاحية والعسكرية والتي تركت أثرا بليغا في مجريات الأمور وأحدثت انقلاباً جذرياً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للشعب العراقي ، حينذاك تنتابك الرهبة والحب والاحترام لتلك القوى أفرادا كانوا أم تنظيمات على ضوء الخدمات الجليلة والتضحيات الجسام التي قدموها للشعب العراقي .
مازلنا نفتخر بحركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملكية البائدة في تموز من عام 1958 ، فما بالك أن تقف أمام احد الضباط من تلك الحركة وتجري مقـابلة صحفـية معـه بعـد مرور أكثر من قـرن من الزمن على تلك الثورة العظيمة ، إنها فرحة لا تقدر بثمن ، وتغمرك السعادة عمقاً عندما تتلمس التواضع والبراءة والنزاهة في سرده لتلك الحقبة الزمنية من تأريخ العراق السياسي ، كنت اشعر من خلال الحديث معه وكذا غيره من السياسيين والكتاب والفنانين التشكيليين ( وما أكثر الكفاءات المنسية في ارض الغربة ) ، بان الطريق إلى التواضع مازال بعيد المنال بالنسبة لي .
نظمت الكثير من الندوات والأمسيات على الشبكة العالمية للمحادثة الصوتية على الانترنيت قبل سقوط النظام البائد بسنوات للعديد من الشخصيات ، قادة الأحزاب العراقية وشخصيات عسكرية متنوعة ورجال الدين ، ما أجمل الشعارات والوعود التي أطلقوها ، تلك الشعارات التي مزقت عنان السماء ، لكن بعد سقوط الصنم ، ما أكثر النفاق والكذب والخداع حينما تقرأ الشارع العراقي ألان على ارض الواقع .
العراق والمشكلة العراقية ومستقبل العراق خرجت من أيادي العراقيين ، الشعب العراقي تخلص ليس بإرادته من نفق النظام البائد المعتم ، ليدخل في نفق الاحتلال والمحاصصة الطائفية والاسلاموية والعشائرية والفئوية والقومية أكثر ظلاماً وبؤساً .

6. الإعلاميون مستهدفون تماما مثلهم الكوادر العلمية والثقافية تجاوزت جرائم الاغتيال للإعلاميين فقط المائة والعشرين صحفية وصحفيا منذ سقوط الطاغية, ما هو برأيك الإسناد الذي ممكن أن تقدمه الدولة للصحافة والإعلاميين, وهل هناك محاولات للتعاون الإعلامي مع إعلاميي السويد ؟

الإعلاميون جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي ، حالهم يندرج ضمن حالة الشعب عامة ، كذا الحال الكوادر العلمية والثقافية والنقابية والسياسية , الكل يعاني من كل شيء ، يتعرض مجموع الشعب العراقي إلى مختلف الأنواع من الاضطهاد والعنف والقتل ، وما زاد الطين بلة الاضطهاد والقتل الطائفي ، القتل على الهوية ، بل امتد القتل إلى الأبرياء من الكادحين لا لذنب اقترفوه سوى البحث عن لقمة العيش يسد بها رمق أطفالهم .

اتفق بان الإعلاميين والكوادر العلمية والثقافية والنقابية والسياسية الوطنية المتنوعة هم الوجه الناصع والمشرق للشعب العراقي وهم الجزء الأهم من تراث وحضارة العراق الإنسانية والإبداعية ، لكن علينا أن لا نجزئ حالة الإرهاب والعنف والقتل المسلطة على مجموع الشعب العراقي ، ومن هذا المنطلق نتحرك لحشد الجهود لكسب التعاطف والتضامن مع شعبنا من قبل الرأي العام العالمي .
بودي أن ادقق العبارة " .. الإسناد الذي ممكن أن تقدمه الدولة للصحافة والإعلاميين ... الخ " ، برأي الشخصي سقطت الدولة العراقية بفضل الاحتلال ، وما نمتلكه الآن هو حكومة عراقية مجردة من صلاحيات كونها تمثل دولة مستقلة ، لان الذي يتحكم بكل شـيء ليـس العراقي رغم وجـود مؤسسات كالبرلمان ومجلس الوزراء ووزارات عديدة ، إلا أنها لا تمتلك القرار السياسي العراقي المستقل .
الاحتلال والإسلام السياسي نقيضان ليس متنافرين بل لهما قاسم مشترك واحد هو نشر الظلام ومحاربة الديمقراطية وكبت الحرية وقتل الكلمة الصادقة ، ومن هذا المنطلق جاء استهداف الإعلاميين والكوادر العراقية المختلفة.

لنترك جانباً بان فلول والعناصر المتبقية من النظام البائد يقفان خلف حالة الإرهاب والعنف الآن في العراقي ، لان حزب البعث كتنظيم ذي ثقل على الساحة العراقية قد انتهى إلى غير رجعة ، لكن الفكر القومي العربي يبقى ولا يمكن قتله ، الذي يقف خلف القتل والدمار هو المجرم ، والمجرم موجود في البرلمان وفي الحكومة ضمن قوام مجلس الوزراء وفي المؤسسات التي شكلت ما بعد الاحتلال ، المجرم يتلبس رداءة الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني ويستغل شماعة البعث وأعوان النظام السابق لنشر غسيله عليها .

7. هل برأيك يقف الحلم بكردستان مستقلة بمعزل عن استقرار بقية المناطق العراقية الجريحة ؟

الأجمل لدى الإنسان هو الحلم والتطلع نحو مستقبل أفضل وأكثر صفاءً ، لكن عندما نتحدث عن حق شعب في التمتع بالحياة بصورة حرة وكريمة ، فهذا يدخل ضمن المبادئ , وأنا أؤمن بحق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بما في ذلك الانفصال وتكوين كيانات يندرج فيها التأريخ والجغرافي والتراث وبتعبير آخر كيان مستقل .
لم يعيش الكرد بمعزل عن القوميات والأقليات العراقية الأخرى ، بل امتزجت دماء الكرد والعرب والكلدواشور والتركمان والسريان والايزيدية والشبك والأرمن وغيرها في سوح النضال الوطني والطبقي والقومي على مدى عقود من الزمن ، والتأريخ السياسي للعراق يشهد على الكثير من الوثبات والانتفاضات التي ساهم فيها الكرد والعرب والاقليات القومية الاخرى ولم يتخلف أبناء القومية العربية في العراق في إسناد ثورة الشيخ محمود الحفيد وثورة البارزان ومساندة الشعب الكردي في مطالبه أ لمشروعة العادلة في التمتع بحق تقرير المصير .
المأساة شملت العراق من شماله إلى جنوبه ، الدمار لحق بكل شيء من لدن الأنظمة العراقية البائدة دون التفريق بين قومية دون الأخرى ، إذ وجدت على مر العهود بعض الأصوات الشوفينية من القومية العربية في العراق كانت تجابهه نفس الأصوات من القومية الكردية في العراقية وهذه الأصوات عكست الوجه الأسود والحقد الدفين لطبيعة الأنظمة السياسية التي كانت سائدة آنذاك .
قادة الكرد يدركون حقيقة الارتباط ألتأريخي لكردستان ببقية المناطق الأخرى من العراق ، ليس من السهل تجاوز المصير المشترك لكافة القوميات والأقليات في المجتمع العراقي ، بل إن كردستان العراق كانت لسنوات طوال ملجأ وبؤرة ثورية تستقطب الكثير من القوى الوطنية العراقية في مقارعتها لأنظمة الحكم المستبدة في التأريخ السياسي العراقي ، ومن هذا المنطلق لايمكن التفكير بجزء على حساب المجموع الكلي ، إن استقرار كردستان هو دعم وتقوية لبقية المناطق العراقية ، بل إن كردستان تحولت إلى النموذج الذي يحتذى به لبقية المدن والمناطق العراقية .

8. هل هناك أفق لمصالحة وطنية وما هي الاقتراحات التي تراها مهمة في العبور لشاطئ المصالحة ولم لحمة العراقيين وعودة المغتربين ؟

إنا أتصور بان مفهوم " المصالحة الوطنية " مفتعل ويندرج ضمن الأوضاع الاستثنائية والمعقدة التي أوجدتها قوى الاحتلال, وظهور قوى وحركات وتنظيمات لم تكن معروفة على الساحة السياسية العراقية قبيل سقوط النظام البائد.
عام 1963 وأثناء تسلم البعث لمقاليد الحكم أثر الانقلاب الأسود في 8 شباط ، اقترفت أبشع الجرائم بحق الوطنيين من الشـيوعيين والديمقراطيين وحتى عامة الناس مـن الأبرياء علـى أيدي عصابات المافيا التي سميت بـ " الحرس القومي " وبعد الحركة التطهيرية لـ عبد السلام عارف لتلك الطغمة المجرمة من حزب البعث ، لم يطرح مفهوم المصالحة الوطنية ، بل كانت هناك مطالب في تقديم المجرمين للعدالة لينالوا جزاءهم العادل بغض النظر عن جدية عبد السلام عارف في تطبيق وتنفيذ تلك المطالب , والآن ، وبإمكان القول بان التأريخ يعيد نفسه مع الفارق الكبير بين الحدثين من حيث القوى والأطراف المساهمة ، تبقى نفس المطالب وهي تقديم كل من اقترف الجرم بحق الشعب لابد من تقديمه للقضاء وهو الأسلوب الوحيد والشرعي لعودة الصفاء إلى الشعب العراقي .
نحن هنا أمام حالة مغايرة لهذا المفهوم ، يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأساسية الاحتلال والتجربة السياسية التي انطلقت وفق مفاهيم الطائفية والمحاصصة المقيتة ، فضلاً عن هيمنة الإسلام السياسي على الشارع العراقي ، ناهيك عن التدخلات الإقليمية بالشأن العراقي الداخلي بشكل سافر ومفضوح .
لذا " المصالحة الوطنية " وفق هذا المفهوم بحاجة إلى المزيد من دماء الأبرياء للشعب العراقي . على السياسيين العـراقيين الارتقاء إلى مستوى المسـؤولية الوطنية وغرس روح المواطنة في المجتمع والابتعاد عن الاستئثار بالسلطة، نحن بحاجة إلى حكومة حقيقية علمانية التكوين تساهم فيها جميع عناصر الطيف العراقي من الوطنيين والديمقراطيين وأصحاب الكفاءات المشهود لها بالإخلاص والنزاهة ، نحن بحاجة إلى العقل السياسي العراقي دون الاملاءات الإقليمية .

9. ما الذي ستبوح به لشجرة الجوز الصغيرة تلك ؟

لم تـكن شجرة الجوز عادية في حياتي ، انظر إليها بقدسية كبيرة ، هي التي أطعمتني أيام الحصار ، بعد إحداث بشتأشان عام 1983 اضطررنا إلى مغادرة مواقعنا في المناطق ضمن محافظة اربيل واتجهنا نحو الحدود العراقية الإيرانية التركية ، حيث حوصرنا من عدة جهات , القوات التركية والتي كانت لها اتفاقية أمنية مع النظام العراقي البائد ، هذه الاتفاقية التي سمحت للقوات التركية في التوغل داخل الأراضي العراقية لمسافة 20 كم ، لكن في واقع الحال جاوزت هذه المسافة لتصل إلى مشارف مدينة شقلاوة ، ومن جانب آخر القوات الإيرانية التي فرضت طوقاً على قوات الأنصار الشيوعيين ، بقينا لأكثر من شهرين دون مؤنة ، مما كانت شجرة الجوز هي المعيل الوحيد لنا في تلك الفترة القاسية ، ناهيك عن هذه الشجرة ذات الأغصان الوارفة والمظلة والتي تحمينا من كشف طائرات الاستطلاع العسكرية لمناطق تواجدنا بالإضافة إلى قوة وصلابة جمرة شجرة الجوز التي منحتنا الدفء من برد الشتاء القارص.

هذه الشجرة ليست صغيرة ، بل أنها اكبر من أن تكون كبيرة بعطائها أوقات المحن.
رائحة الشاي يفيض بها المكان فيما راح منقار إبريق الشاي يدمدم بما لديه هو الآخر!