| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح محسن جاسم

 

 

 

                                                                                        الأحد 12/6/ 2011

 

ديمقراطية البلاستك في - جمعة القرار

صباح محسن جاسم

هل عجزت الحكومة عن المحافظة على وعودها ؟

ليست الديمقراطية مجرد دورة انتخابية وصناديق اقتراع، بل حريات مدنية واسعة ورقابة اجتماعية دائمية على مؤسسات الدولة.
اقترحت على صديق لي في ناحية مجاورة لمدينتي مصاحبتي مشجعا: "هلم معي كي تكسب كتاباتك ونصوصك الشعرية اللون والرائحة والطعم". فقد تعودت على ممارسة هكذا طقس وأسميته صلاة معتزا بمثل ذلك الأكتشاف.
في الطريق الى بغداد كنا مطمئنين من سالكية الطريق المؤدية الى ساحة التحرير سيما ان الناطق باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا الموسوي قد اهاب قبل يومين بأئمة وخطباء الجوامع الى دعم قضية شهداء عرس الدجيل التي ارتكبت بحق الشعب العراقي في العام 2006. مما يعني اننا لن نلاقي صعوبة في الوصول الى موقع التظاهرات فالمشاركة غدت شرعية بامتياز.
لا أخفي, شعور بالتهيب انتابني وتخوف من هاجس ما سأبرره لو حصل مكروه لزميلي ؟
رغبة التظاهر بخاصة لمن يمارس طقوس هذه الجُمع المباركة تمنح صاحبها شعورا خاصا من الفخر والرضى والأنتشاء سيما والعمر قد قارب أو أوشك فلتكن البقية الباقية متوجة بطعم حرية التعبير التي حرمنا منها طيلة اعوام عمرنا المضاع.

وان نصل الى الشارع المجاور لموقع مجلس محافظة بغداد تتعرقل حركة السير وتراوح المركبات في مكانها لأكثر من نصف ساعة. فنمضي فترة انتظارنا نتطلع لوجوه بعضنا وما حولنا متأملين نخلة مصنوعة من البلاستك زرعت هناك أو تنبيه صديقي لأمرأة تقود سيارة لنقل الركاب - حدث غاب عنا منذ مطلع "الإختلال"!
ما ان عبرنا الجسر حتى فوجئنا بقوات عسكرية تسد الطريق المؤدية الى منطقة الباب الشرقي مما اضطرنا الى الترجل والسير على الأقدام .
لمن لم يحالفه الحظ في الحضور ومشاركة طقوس تظاهرات ساحة التحرير سيفاجأ بمتاهة أريد منها السيطرة على حركة الداخلين الى حرم الساحة. ولكي تصل الى غايتك تكون قد امضيت نصف ساعة او يزيد في تجوال غير مجد داخل حلزونات من اسواق الخردة وبالات الملابس والأحذية المستعملة فتفاجأ بسد الطريق القديم الذي تعودت على سلوكه وان تتعب من السؤال عن منفذ يقودك الى " الجامع" حتى تتكشف لك باب علي بابا بمغلاق لا يفتح باللازمة " افتح يا سمسم " ما لم تمر عبر اربع نقاط سيطرة من أربعة جنود لكل منها مدججين بالسلاح والعدّة تخضعك للتفتيش كل خمسة وعشرين مترا. واذن التحوطات قد اتخذت لحماية المواطنين وهو امر حسن .

وان تتنفس الصعداء لمرأى لافتة الفنان جواد سليم العملاقة حتى تصطفق طبلتا اذنيك بصوت مكبرات للصوت من النوع أربعة أكسات زرعت في مركز الساحة وقد تعمد فتحها بأقصى درجاتها فلا تعود تسمع محدثك تماما. هكذا يتعذر ايضا اجراء مقابلات صحفية في مثل ذلك الصخب.

لم اعثر على زميل اعلامي كنت ساندت مناشدته عبر احد المواقع على الشبكة واعدا اياه الحضور واللقاء به هنا , ربما رحل مبكرا او لأنني تسمرت في مكاني أمام عراك واشتباك بالأيدي بدأ فجأة بين بعض المتظاهرين مقابل النصب تماما.
حدثنا احد المتظاهرين وقد غزا فوده الشيب : أي همجية هذه ؟ قبل ساعة من الآن ضرب مدنيون المتظاهرين بالعصي ومزقوا شعاراتهم البسيطة لأجبارهم على المغادرة . هؤلاء الذين تراهم قد جاءت بهم الشاحنات من اقضية ونواحي المحافظات .
كانت اغلب اللافتات المرفوعة على عصي غليظة وسط متظاهرين بالزي العربي الشعبي - دشداشة وسترة وياشماغ وعقال - تطالب بالقصاص من المجرمين واعدامهم في الساحة أما شعارات المطالب الخدمية والتغيير ومحاسبة المفسدين فجلها صريعة بمزقها وسط الشارع تدوسها الأقدام.

اسلاك شائكة وجدران ووجوه بنظارات , يظهر لن تسنح لنا فرصة لتأدية ما عزمنا عليه , هكذا ضاع علينا طقسنا الجميل. بعد المائة يوم التي وعد بها السيد رئيس الوزراء باصلاحات كبيرة تعين الشعب العراقي على استعادة عافيته بعد دكتاتورية بغيضة تجاوزت الأربعين عاما , طالعتنا للأسف همجية سابتة لا تنفك من التربص بالمواطنين الشرفاء لتقصيهم. ذلك كله وليد سوء الأدارة العامة ومن نهج المحاصصة الطائفية - الأثنية وشيوع الفساد واستمرار تدهور الخدمات والتضييق على الحقوق وتفشي البطالة وتواصل الأرهاب .

ما حصل في ساحة التحرير كان رسالة غير موفقة لأفشال التظاهرات باستنساخ لنموذج التجربة اليمنية . التكالب على المناصب والتوجهات الأنوية واضح من خلال ما هيء من لافتات وفلكسات ضخمة لصور تشهر برئيس الوزراء الأسبق تجمعه والمجرم فراس مرتكب ابشع جريمة ما بعد الأحتلال , وقد علّمت بعلامة الضرب على وجهه وثبتت على طول محيط الساحة وقسم منها ألصق اعلى النصب.

من جمعة الغضب الى جمعة القرار كان الشعار الجامع الذي يدور على لسان المتظاهرين يكشف عن حقيقة ما جرى ويجري بسبب من بناء جاءت به اجندات خارجية تنفذها ميليشيات ما عادت بخافية على احد. والصرخة الرافضة واحدة : كفاكم نهبا لأعمارنا .. كفاكم سلبا لأوطاننا .. أرحلوا!
أزاء المشهد السياسي المتوتر باتت الدعوة ملحة لأجراء انتخابات برلمانية مبكرة لحل الأزمة بطرق دستورية دون اعتماد العنف عبر تعديل قانون الأنتخابات واقرار قانون ديمقراطي للأحزاب ومعالجة امر المفوضية العليا للأنتخابات واجراء التعداد العام للسكان كي يجنب شعبنا مزالق هذه التجاذبات والصراعات وتفاقم ازمة الثقة بين الشركاء على حساب مصالح الشعب حتى باتت مؤسسة من المافيا تنتهز اية فرصة لتخريب العملية السياسية, فأين هو التقارب بين الشركاء في العملية السياسية وأية مصالحة يسجر لمحرقتها؟
صديقي علق على تأسفي: قد نضجت قصيدتي الآن ! ثم واصل :مع ذلك انا متفائل.



 


 

Counters