نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

 

السبت 24 / 6 / 2006

 

 

 سجن أبو غريب المركزي


صباح كنجي

يتكون قاطع الإعدام ، في سجن أبو غريب من قسمين ، وكل قسم من طابقين ويحوي كل طابق على غرف انفرادية مساحتها لا تتعدى 2×2 متر فقط ، و عددها أربعون غرفة تعجُ بالمحكومين . واحتوت كل غرفة على ما لا يقل عن (17) محكوما ً وفي إحداها ( 21) محكوما ً . ولك أن تتصور حالة المحكومين في هذه الأوكار .
في الليل كنا نسد فتحة المرافق بكيس نايلون ونضع فوقها بطانية كي ينام بعضنا في هذا المكان .. وأي نوم هذا ؟!
في مداجن الدجاج العصرية ، يقترح المختصون إيداع ثلاث دجاجات في المتر المربع الواحد ، وبمقارنة وضع المحكومين في هذه الردهات مع مداجن الدجاج .. يتضح أن الغرف التي احتوت على (17) محكوما ً ، لا تصلح علميا ً لأكثر من (10) دجاجات فقط .
كانت الزنزانات خالية من أية وسيلة لتصريف الهواء ، بعد أن استبدلت الشبابيك بقطع من البليت ( الحديد ) ، فتحت فيها 2-3 فتحات صغيرة لا يتجاوز قطرها ( 3 ) سم فقط . القاطع خال ٍ من الخدمات الطبيه والتغذية سيئة للغاية وقد انتشر الجرب والأمراض النفسية بين صفوف المحكومين .

كانت أيام الأحد والأربعاء مخصصة لتنفيذ احكام الإعدام بمجاميع من (17-21 ) محكوما ً سياسيا ً في كل وجبة ، والمشنقة لا تبعد عن قاطع الإعدام سوى ثلاثين مترا ً ، وقد سماها المحكومون بالحمراء ، لكثرة الدماء المتراكمة على مقاصلها ..
وقبل التنفيذ غالبا ً ما كانت تحدثُ جلبة جراء الحركة غير الطبيعية خارج القاطع ، كنا نلاحظها من خلال الفتحات الصغيرة في الشبابيك ، حيث تنزل القوة الإجرائية بكامل جاهزيتها الرسمية مع طاقم التنفيذ.
ويجري تكليف مجموعة أخرى من قاطع الإعدام المجاور لقاطع الإعدام السياسي ، من المحكومين بالقضايا الجنائية ، بتنظيف المقاصل من الدماء والأوساخ المتراكمة حولها ، لتصبح جاهزة لأستقبال المجموعة الجديد ة .
وفي تمام الواحدة ظهرا ً ، يتم تطويق القاطع كليا ً من قبل القوة الإجرائية ، ولكون سجن أبو غريب يتكون من أقسام عديدة هي :-

1 - قسم الأحكام الخاصة ( بقسميه المغلق و المفتوح ) .
2 - قسم الأحكام الثقيلة .
3- قسم الأحكام الخفيفة .
4 - قسم الإفراج الشرطي .
5 - قسم العرب والأجانب .
فإن الاقسام المذكورة ، تكون في حالة إنذار شديد ، ويوضع كافة السجناء في أقسامهم وقواطعهم ، ويتم غلق الممرات لمنع أية حركة بين السجناء .
وبحدود الساعة الواحدة بعد منتصف النهار ، يدخل أفراد القوة الاجرائية و معهم أكياس سوداء فيها كلبجات ، يقودهم مسؤل القاطع ، الذي يحمل بين يديه كتاب رئاسة الجمهورية الموقع من قبل رئيس ديوان الرئاسة احمد حسين السا مرائي ، الذي يتضمن أسماء الوجبة الجديدة ، التي سينفذ بها حكم الإعدام في مساء ذلك اليوم .
يتم إخراج المحكومين واحدا ً بعد الآخر ، وسط حالة من الذعر والارتباك و اضحة للعيان على وجوه الجلادين .
وبعد النداء على الاسماء المطلوبة ، يتم نقلهم بأتجاه المقاصل مقيدين ..
وفي الساعات الأخيرة تستكمل إجراءات روتينيه تثبت في إستمارة مع الوصية ، حتى وصول الزمر المشرفة على التنفيذ في الساعة السادسة مساء ً شتاء ً والسابعة مساء ً صيفا ً.. وهم كل من :

1 - ممثل شخصي عن صدام حسين .
2 - ممثل عن ديوان الرئاسة .
3 - مدير الأمن العام أو من ينوب عنه .
4- مدير المخابرات العامه أو من ينوب عنه .
5 - مدير الاستخبارات العسكرية أو من ينوب عنه .
6 - ممثل عن حزب البعث .
7 - مدير الشرطة العام .
8 - ممثل عن وزارة الصحة وهو الدكتور المكـلـّف بتوثيق حالة الوفاة طبيا ً .
9 - مدير امن سجن أبي غريب .

بالإضافة إلى آخرين ، من ضمنهم ( رجل ) دين يدخل على المحكومين لطلب الاعتراف والغفران أو الشهادة الإسلامية للمسلمين والوصية الأخيرة ..
وضمن هذا الكرنفال الدموي يتم إخراج المحكومين إلى المقاصل المعدّة وعددها (23) مقصلة ، تعمل دفعة واحدة ً ، من خلال رفع عتلة اوتوماتيكيه تُشغل بالكهرباء . فيتدلى المحكومون المعلقون نحو الأسفل . ويبدأ الجلادون بسحب الأرجل للتأكد من الوفاة وبعدها يتدخل الطبيب لأقرار الحالة و توثيقها..
ويتم سحب الجثة ويربط بها ما يؤكد اسم الشهيد بعدها تأتي سيارات الإسعاف ، لنقل الضحايا إلى الثلاجة المتواجدة داخل السجن ، وهي عبارة عن مبنى صغير أو شاحنة بلا غطاء المحرك .

كلاب حقيقية بالإضافةِ الى الكلاب البشرية

في إحدى حالات تنفيذ حكم الإعدام في شهر آب 1988 ، تأخرت سيارات الإسعاف ، بعد إن أ ُنزلتْ الجثث من أعلى المشانق إلى الأرض ..
سمعت ُصوت أبي قاسم ، آمر القوة الإجرائية ، يصرخُ بأعوانه ( ديروا بالكم على مشعولي الصفحه من الكلاب لا تأكلهم ) .
يبدو إن الكلاب السائبة المتواجدة في السجن قد توجهت نحو جثث الشهداء ، وهي كلاب مجوّعة عمدا ً ، الغرض من وجودها الكشف عن أية حالة هروب محتملة .
وفي حالة أخرى حينما اخذوا مجموعة من الشيوعيين للإعدام .. سمعنا أصواتهم العالية تهتف بحياة الشعب وهم ينشدون أغنية ( يالرايح للحزب خذني .... وبنار المعركة ذ بني ) وكانت المجموعة مكونة من الأبطال :

أحمد بربن - ( أبو سلمى ) .
وجمال سلهو مثنى - ( أبو زياد ) .

ونفذ حكم الإعدام يوم الأحد بتاريخ 27/1/1985 .

وبعدهم أيضا ً في يوم الأربعاء .. المصادف 30 /1/1985 بحق الأبطال :

كمال عطية
محمد زهراوي
عواد حريجة

مستودع بشري

كتب على الجدار الخارجي لقاطع الإعدام ، من جهة الشارع العام ، مستودع ، وكان بحق مستودعا ً.. لكنه مستودع بشري حقيقي .
يفتح بابه الرئيسي في الساعة الثامنة والنصف صباحا ً لتقديم وجبة الفطور البائسة ، المكونة من الحليب التالف أو اللبن الحامض وأحيانا ً الجبن .
أما وجبة الغذاء فتقدم في الساعة الثانية عشر ظهرا ً و هي عبارة عن حبات من الرز غير المطبوخ جيدا ً إضافة الى مرق لا احد يعرف مكوناته .
وفي أيام تنفيذ الإعدام ، الأحد والأربعاء ، تقدم وجبات غير معهودة من اللحم ( ا لبلوك ) ، ويتقصدون ذلك لأن المحكومين يكونون في ذلك اليوم في حالة نفسية سيئة لأنهم سيودعون زملاء لهم بعد ساعات ، لذا لا يستسيغون الطعام ، وفي المساء يأتون بالعشاء الساعة الخامسة مساء ً وهو من بقايا الطعام المعد من وجبة الغذاء غالبا ً .
ويتخلل هذه الفترات ، فتح الأبواب لمرات عديدة للقيام بجولات استفزازية وتفتيشية ، خشية الحفر و الهروب ، أو بحثا ً عن أية مواد أخرى غريبة داخل الزنزانات .
ورغم كل هذه الإجراءات القمعية ، ابتدع السجناء وسائط للاتصال فيما بينهم ، يتبادلون الأخبار والمعلومات بواسطة خيط يصنع من أكياس النايلون الفارغة أو الملابس القديمة ، ويربط به ثـقل لتسهيل قذفه وغالبا ً ما يكون حذاء ً عتيقا ً يحمل الرسالة ، ويقذف نحو الزنزانة المطلوبة وبالعكس .
وكان يستعاض عن الورق ، بأكياس النايلون الفارغة بعد وضعها على سطح أملس من صحون الطعام ، وعوّض عن القلم بغطاء عُلب اللبن المكون من رقائق الألمنيوم . وعبر هذه الوسائل البدائية ، كان يتواصل المناضلون فيما بينهم .
تذكروا .. إننا في نهاية القرن العشرين وتذكروا إن العراقيين القدامى .. ممن وصفهم علماء التاريخ بسكان الفراتين الأوائل .. كانوا قد ابتدعوا أول حروف كتابة في التاريخ وهي الحروف المسمارية في العهد السومري ..
من يقول إن التاريخ لا يعيد نفسه واهم ! .
ها هم العراقيون بعد أكثر من خمسة آلاف سنة يبتدعون من جديد شكل ِ الكتابة الأولى .. هل سمعتم بكتابة ٍ دون ورقٍ ولا قلم ؟!
من حقكم ألا ّ تصدقوا .. ولكن تذكروا .. إننا في سجن أبو غريب في عهد صدام حسين .
هل انتهينا من الموضوع ؟
لا أظن ..


مقتطف من كتاب اعده الكاتب عام 1995 بعنوان( دهاليز الموت ..جولة في أروقة المعتقلات العراقية ) الذي تمت مصادرته من قبل مخابرات دولة عربيه إثناء مداهمتها للمطبعة .